إسعاف غزة... الاحتلال يستهدف الطواقم خلال مهام الإنقاذ

2 days ago 1
ARTICLE AD BOX

يرتكب الاحتلال الإسرائيلي مجازر شبه يومية في قطاع غزة، ما يزيد الضغوط على طواقم الإسعاف التي تتنقل بين المناطق المستهدفة بسيارات متهالكة وأدوات بسيطة، وتتعرض الطواقم أيضاً للاستهداف.

تتعرض طواقم الإسعاف في قطاع غزة للاستهداف الممنهج خلال محاولتها ممارسة عملها في إنقاذ المصابين والمرضى، وتتزايد المخاطر خلال المهام الليلية، إذ يكثف جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفه في ساعات الليل، كما تعاني فرق الإسعاف من نقص المعدات والمستلزمات اللازمة لإنقاذ المصابين، أو انتشال الشهداء.
بأدوات بسيطة، يصل أفراد الطواقم إلى المنازل المستهدفة. يحاولون بشق الأنفس الوصول إلى العالقين مستخدمين أدوات حفر يدوية لفتح ثغرات، كما يستخدمون مقصات يدوية قليلة وفرتها منظمات دولية، بعضها يعمل بواسطة المولدات، بينما يكون الوقت أمامهم محدوداً، فهم يسمعون صرخات مصابين يتشبثون بالحياة، أو يرون أيادي صغيرة يحاصرها الركام تمتدُ طلباً للإنقاذ، أو تشق صرخات قادمة من تحت الأنقاض قلوب الطواقم.
يعمل المسعف أحمد أبو ركبة ضمن طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، وتركز عمله خلال الأيام الماضية في شمال غزة، ويقول لـ"العربي الجديد": "كثف جيش الاحتلال غاراته على منطقة تل الزعتر بشكل لا يوصف، واستهدف نحو 12 منزلاً، ورغم الخطر توجهنا رفقة طواقم الدفاع المدني وأفراد الخدمات الطبية التابعة لوزارة الصحة إلى المكان، وحين وصلنا قصف جيش الاحتلال الطريق، فحوصرنا هناك لمدة ساعة، وكانت تصل إلينا نداءات استغاثة، لكننا لا نستطيع الاستجابة إليها، إذ يتعرض المحيط الذي كنا فيه للقصف الجوي والمدفعي". يضيف: "استطعنا إيجاد منفذ للخروج، وتوجهنا إلى منزل عائلة صالحة، حيث انتشلنا المصابين، وقد وصلنا قبل طواقم الدفاع المدني، ووجدنا شهيدة عالقة تحت ركام غرفة. بدأت بالحفر بيدي حتى وصلت طواقم الإنقاذ، وأخرجنا جثمانها. أحيانا تفرض عليك المهمة أن تكون مُسعفاً ومنقذاً".

يعمل مسعفو غزة في ظل نقص حاد بالمستلزمات الطبية

لم يتوقف الاستهداف في تلك الليلة الدامية التي فرضت على الطواقم أن يعملوا على مدار الوقت لإجلاء المصابين، ثم الانتقال إلى أماكن أخرى مستهدفة. يتابع أبو ركبة: "توجهنا لاحقاً إلى منطقة (التوام) شمال غربي مدينة غزة، فقام جيش الاحتلال باستهدافنا بشكل مباشر بإسقاط قذائف إلى جانب مركبات الإسعاف، وهذه إشارة إلى منعنا من دخول المنطقة، لكن كان هناك مصابون، واستطاع أربعة منهم القدوم إلينا، ونقلناهم إلى المشفى، وظل عدد من المصابين في أماكنهم. عدم تلبية النداء صعب علينا، لذا عدنا في الصباح إلى المكان، ووجدنا الجيران قد نقلوا المصابين إلى منازل لم تتعرض للقصف، وكان من بينهم شهداء، فنقلنا الجميع إلى المشفى".
وكحال كل طواقم الإنقاذ التي تعمل بأدوات بدائية، يعمل المسعفون في ظل نقص حاد بالمستلزمات الطبية، خصوصاً المحاليل الوريدية وأدوية ومستلزمات الإسعاف الضرورية، كما يتحكم توفر الوقود بعملهم، ما يدفعهم أحياناً إلى المفاضلة في الإسعاف. يقول المسعف أحمد أبو ركبة: "رغم أننا نعمل بأقل الإمكانات المتاحة لدينا، وفي ظل أوضاع خطرة، لكن لا يمكننا ترك المصابين، فهذا مبدأ إنساني يدفعك لخدمة أبناء شعبك".

يعمل الفلسطيني محمد إبراهيم طموس مسعفاً متطوعاً بجهاز الدفاع المدني في شمال قطاع غزة منذ بداية الحرب، وكان شاهداً على استهدافات ومجازر، وقبل أيام، وأثناء توجهه رفقة الطاقم لإسعاف مصابين بمنطقة "السلاطين" غرب بلدة بيت لاهيا، استهدف الاحتلال منزلا آخر بمحيط المكان عند وصولهم إلى المنزل المستهدف.
يحكي طموس لـ "العربي الجديد": "توزعنا على سيارتين، فانقطع الاتصال بالفريق الأول الذي كان بالمنزل المستهدف الأول، والذي كان يعمل على انتشال المصابين، وانقطع الاتصال بالفرق الأخرى، الأمر الذي أدى إلى استشهاد عدد من المصابين نتيجة انعدام الإمكانات التي نحتاجها في الميدان، خاصة لإزالة الركام. لا تتوفر مولدات متنقلة لتشغيل الإنارة، وبالتالي نعمل بأيدينا، ونستخدم المقص وأدوات حفر يدوية. في النهار يكون كافياً أن نخرج بسيارة واحدة للتعامل مع الإصابات وانتشال الشهداء، أما في الليل فنخرج بموكب ترافقه إسعافات من الهلال الأحمر الفلسطيني والخدمات الطبية، ومصيرنا في العادة مجهول، ولا نعرف دائماً ما الذي سيحصل معنا".
كثيرة هي المواقف التي واجهها طموس خلال عمله الليلي، ويروي: "في ديسمبر/ كانون الأول 2023، جاءنا نداء استغاثة حول استهداف منزل في بيت لاهيا، وبعد وصولنا بدأنا نعمل على إجلاء المصابين، فاستهدف الاحتلال المنزل مرة ثانية، واستشهد زميل لي كان يقف إلى جانبي. مكثت تحت الركام لنحو نصف ساعة، كانت أصعب 30 دقيقة مرت علي في حياتي، ومرَّ خلالها شريط الحياة أمامي، وأصبحت بحاجة إلى من ينقذني. لا نعلم سبب إصرار الاحتلال على استهدافنا، والهدف الواضح هو منعنا من مواصلة العمل، ومحاولة ثني الطواقم عن إنقاذ المصابين، لكننا نواصل العمل حتى لو بأقل الإمكانات".

في مهمة عمل أخرى، ومع محدودية وقت طواقم الإسعاف، قرروا بتر قدم مصاب عالق تحت الركام. يستذكر طموس تلك اللحظة قائلاً: "كانت القذائف تنهال على المكان، وتعج السماء بمسيّرات (كواد كابتر) وأصبح صوت الآليات الإسرائيلية قريباً، وفي الوقت نفسه، لا مجال لإخراج المصاب إلا عبر بتر القدم اليمنى، فخرجت من فتحة، وأخبرت الزملاء بأن قدمه عالقة ويجب بترها، وبعد تشاور، أعطوني الموافقة على البتر، فنزلت ووجدته قد لفظ أنفاسه الأخيرة شهيداً، فقمت بالبتر كي نتمكن من انتشال الجثمان. لم أتخيل أن أجد نفسي في هذا الموقف قط".
بدوره، يؤكد المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة، الرائد محمود بصل، أن وتيرة الاستهدافات تتصاعد خلال الليل، في سياسة ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب، محاولاً أن يخلف حالة من الخوف والإرباك. ويقول لـ"العربي الجديد": "نواجه صعوبات عدة في عمليات التدخل الليلي نتيجة غياب الإضاءة وتدمير مقدرات الجهاز، ونمارس مهام العمل بالحد الأدنى، وأحياناً لا تستطيع الطواقم رؤية كافة المصابين، فقد ينتج من القصف تطاير مصابين إلى الأماكن المحيطة".
يضيف بصل: "كان لدى جهاز الدفاع المدني 73 آلية قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ودمر الاحتلال 85% منها خلال الحرب، وتبقى في غزة والشمال (المحافظتان معاً) 4 آليات فقط للإنقاذ والإطفاء، إضافة إلى مركبتي إسعاف، ما يؤثر بشكل كبير على طبيعة العمل. 90% من عمليات الإنقاذ والانتشال تتم بأدوات بدائية، والاحتلال دمر كل المقصات والأدوات التي تعمل على الكهرباء. بسبب هذه الظروف تقوم الطواقم بالتدخل على أكثر من مرحلة في بعض الحالات، خصوصاً في حال كانت أعداد المصابين كبيرة أو الخطر كبيرا، وفي حال وجود مفقودين يقومون بالانتشال وفق المستطاع، ثم تعود الطواقم في الصباح لتكمل عملها".
يعمل الفلسطيني معتز أيوب ضابط إسعاف في جهاز الدفاع المدني الفلسطيني، ويقول لـ"العربي الجديد": "عندما تريد انتشال شخص عالق أسفل الركام، ولا تستطيع تشغيل جهاز القص الذي يعمل بالبطارية كونها نفدت، يحبطك الأمر، وقد تعرضت لكثير من المواقف المشابهة. في إحدى المرات أصابنا الصاروخ بينما كنا نسعف عائلة مصابة، فأصبت، وأصبحت بحاجة إلى من يسعفني، وكأن الأدوار تبدلت، وكانت لحظات قاسية، لكن هذا عملنا، وهو محفوف بالمخاطر، ولا ضمان لعودتك سالماً من أي مهمة".

بعد مدة من العلاج تعافي أيوب من الإصابة، وعاد لممارسة مهمته الإنسانية، ويوضح: "إسعاف المصابين خلال حرب إبادة من أعظم المهن، لذا نتحمل كل شيء لأجل فعل ذلك، ولا يمكن التخلي عن واجبنا ومسؤولياتنا. أصعب ما نواجهه خلال المهمات هو تعطل المركبات المتهالكة خلال الطريق، أو تعرض الإطارات للثقب نتيجة الركام المتناثر بالشوارع المدمرة، فلا يمكننا الوصول إلى المكان المستهدف، ولا نستطيع أن نعود، ونمضي الوقت في محاولة إصلاحها وإعادتها إلى العمل".
يتحرك أيوب رفقة طواقم الإسعاف والإنقاذ بحذر خلال ساعات الليل، إذ تكون شوارع غزة فارغة، وتنعدم فيها الحركة، ما يجعل حركتهم باتجاه المنازل المستهدفة مرصودة من طائرات الاحتلال. يقول: "ندرك ذلك، لكننا مصرون على تلبية نداء الاستغاثة. لا يمكن الجلوس في أماكننا في حين أن هناك من يستغيث بنا. المؤلم أن نضطر بسبب ضعف الإمكانات لإخراج بعض المصابين، ثم العودة في الصباح لإخراج بقية المصابين، أو انتشال شهداء".

Read Entire Article