ARTICLE AD BOX
نظّم مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط، في مقره في وسط بيروت، يوم السبت، جلسة نقاشية تحت عنوان: "الطريق الشاق نحو الإصلاح المالي والاقتصادي في لبنان"، شارك فيها وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط، والخبير الاقتصادي والمحلل في السياسات العامة ألبير كوستانيان.
واستهلت مديرة المركز مها يحيا الجلسة بتأكيد أن العالم يمر بلحظة تحوّل كبرى، مشيرة إلى رمزية زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، والتي تعكس تغيّرات جوهرية في المشهد الإقليمي. واعتبرت أن لبنان يقف اليوم عند مفترق طرق، عقب الحرب المدمّرة مع إسرائيل، وتحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة وركود سياسي مزمن. وشددت في الوقت نفسه على وجود فرصة حقيقية للبنان لإعادة رسم مستقبله، خصوصاً في ظل الحديث عن رفع العقوبات عن سورية، واحتمال التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين واشنطن وطهران، ما قد ينعكس إيجاباً على مسار التعافي اللبناني.
في مداخلته، اعتبر وزير الاقتصاد عامر البساط أن النظام الاقتصادي العالمي بات محكوماً بالديناميات الثنائية والمصالح السياسية أكثر من العولمة التجارية التقليدية. وأشار إلى أن القرارات الاقتصادية لم تعد منفصلة عن الحسابات الجيوسياسية، في ظل تحولات متسارعة على مستوى الإقليم والعالم.
وفي عرضه لتفاصيل مشاركته في اجتماعات الربيع مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أشار البساط إلى أن توحيد الموقف اللبناني ساهم في تعزيز صورة لبنان أمام المجتمع الدولي. وتطرّق إلى تصريح الموفدة الأميركية موغان أورتاغوس التي أشارت إلى إمكانية تعافي لبنان من دون الحاجة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وقال:"إذا نفذنا الإصلاحات المطلوبة، فقد لا نحتاج فعلياً إلى التمويل الخارجي، فلبنان يمتلك طاقات وموارد، لا سيما من "الدياسبورا"، تتيح توليد استثمارات حقيقية ونمو اقتصادي يفوق بكثير ما قد نحصل عليه من الاقتراض الدولي". وأضاف أن لبنان نحن اليوم أمام فرصة تدفعه إلى التفاؤل الحذر، ويملك القدرة على مضاعفة حجم الاقتصاد خلال ست إلى سبع سنوات إذا نُفّذت الإصلاحات بجدية، بل إن تحقيق نمو بنسبة 10% إلى %15 سنوياً ليس مستحيلاً في هذه المرحلة.
من جهته، شدد الخبير الاقتصادي والمحلل في السياسات العامة ألبير كوستانيان على ضرورة أن يمتلك لبنان "رؤية 2030" واضحة المعالم، تربط الإصلاح الاقتصادي بإصلاح سياسي شامل، قائلاً: "لا يمكن الحديث عن نهوض اقتصادي فعلي دون معالجة السلاح غير الشرعي وإصلاح النظام الطائفي الذي يعوق فعالية الدولة".
وأكد كوستانيان أن صندوق النقد الدولي هو المسار الأكثر واقعية لتحريك عجلة الإصلاح، باعتباره يشكل في الوقت ذاته "العصا والجزرة" لدفع الحكومة نحو اتخاذ خطوات جدية. ورأى أن على لبنان أن يثبت أهميته في السياق الاقتصادي الإقليمي الجديد الذي بدأ يتشكّل، وقال: "السؤال الأساسي هو: هل ما زال لبنان مهماً؟ علينا أن نثبت ذلك بالفعل، لا بالقول."
وتركزت النقاشات على التحديات الكبرى التي تواجه لبنان بعد الحرب مع إسرائيل، وفي ظل التوترات الإقليمية المستمرة، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتعزيز الشفافية، واستعادة ثقة المجتمع الدولي. وطرحت الجلسة تساؤلات مهمة حول قدرة لبنان على الاستفادة من التحالفات الاقتصادية الإقليمية الجديدة، التي تقودها دول الخليج والولايات المتحدة، ومدى جهوزيته للانخراط في هذه المنظومة إذا ما أتمّ إصلاحاته السياسية والاقتصادية.
ويشهد لبنان منذ عام 2019 أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة، نتيجة تراكم سياسات اقتصادية فاشلة، وغياب الإصلاحات البنيوية، وانهيار النظام المصرفي، وعجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها. وقد أدّت هذه الأوضاع إلى فقدان الثقة بالقطاعين العام والخاص، وتآكل احتياطات المصرف المركزي، وتدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار، ما انعكس بشكل مباشر على معيشة المواطنين وسبل عيشهم.
وفي ظلّ استمرار الجمود السياسي، وغياب أي رؤية إصلاحية واضحة، يبقى لبنان عاجزاً عن استعادة ثقة المجتمع الدولي، خصوصاً أن أي دعم مالي مشروط بتنفيذ إصلاحات هيكلية تشمل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتحقيق الشفافية، ومكافحة الفساد. وتتزامن هذه التحديات مع تحولات إقليمية كبرى، من بينها الحرب الأخيرة مع إسرائيل، واتساع الشراكات الاقتصادية في المنطقة، ما يطرح تساؤلات حول موقع لبنان في النظام الإقليمي الجديد، وقدرته على استثمار الفرص المتاحة لتحقيق التعافي.
