ARTICLE AD BOX
يثير قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سورية، نقاشات واسعة بين الاقتصاديين والمسؤولين في سورية وخارجها، خاصة وأن البلاد تواجه انهياراً اقتصادياً حاداً يتسم بانخفاض قيمة العملة وركود النشاط الصناعي والتجاري. وفيما التقى ترامب الأربعاء بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، تساءل خبراء وصحف أميركية وأوروبية عن ارتدادات رفع العقوبات الأميركية على الاقتصاد السوري.
وأعلن ترامب مطلع العام الحالي رفعاً جزئياً للعقوبات التي كانت أداة رئيسية في عزل النظام السوري السابق. ووفقًا لبيان صادر عن وزارة الخزانة الأميركية حينها، يشمل الإعفاء الجزئي تسهيل التحويلات المالية والمساعدات الدولية للمنظمات الإنسانية العاملة في سورية، والسماح بأنشطة محدودة في الزراعة والأدوية ومشاريع البنية التحتية المدنية. بالإضافة إلى ذلك، تخفيف القيود على التحويلات المالية، مما يسمح للسوريين في الخارج بإرسال الأموال بحرية أكبر إلى أفراد عائلاتهم داخل سورية.
مع ذلك، بقيت العقوبات الأخرى سارية، وخاصة تلك المفروضة بموجب قانون قيصر، وهو أشدّ عناصر نظام العقوبات الأميركية على سورية، وتستهدف هذه العقوبات المسؤولين الحكوميين والبنك المركزي والكيانات التي تتعامل مع النظام وعدد من الجماعات المسلحة داخل سورية، وتطاول خاصة قطاعي النفط والغاز والقطاع العسكري والأمني.
ورأى تحليل لموقع "ذا ميديا لاين" الأميركي، أنه رغم ترحيب السوريين برفع العقوبات الأميركية، إلا أن ذلك "لن يؤدي على الأرجح إلى انتعاش اقتصادي فوري".
أوضح أنه "رغم أنه قد يُخفف العبء مؤقتًا على قطاعات معينة ويُحسّن قدرة السوريين على تلقي التحويلات المالية، إلا أنه من غير المرجح أن يُحدث انتعاشًا اقتصاديًا واسع النطاق، وإن كان سيُحفّز المشاريع الزراعية والخدمية الصغيرة".
خطة مارشال سورية ما بعد رفع العقوبات
ويشير تحليل لموقع "نيو لاينز ماغازين"، إلى أن سورية في حاجة ماسة إلى إعادة الإعمار بعد الحرب "على نطاق خطة مارشال". أوضح أن سورية مفتوحة للأعمال، وشعبها متشوق للاستثمار وإعادة الإعمار والاستهلاك، لكن العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة أصلاً على نظام الأسد المخلوع لا تزال تحول دون المضي قدماً في أي عملية إعادة إعمار جادة بعد الحرب، كما لا تزال سورية تعاني من الغارات الجوية الإسرائيلية، التي دمّرت البنية التحتية الدفاعية للبلاد، وتُعرّض حياة الناس وسبل عيشهم للخطر.
ونقل عن نائبين أميركيين زارا دمشق بشكل غير رسمي في إبريل/نيسان الماضي أن سورية الجديدة تستحق بداية جديدة مع رفع العقوبات الأميركية، وخطة مارشال. وعن هذا الموضوع قالت النائبة الجمهورية مارلين ستوتزمان من فلوريدا إن الحكومة السورية الجديدة تبدو ملتزمة باقتصاد مفتوح وسياحة مفتوحة وصحافة منفتحة، وسورية "لا تطلب من واشنطن مالاً أو مساعدات عسكرية"، بل فقط رفع العقوبات.
ونقلت عن "مسؤول حكومي سوري" قوله: "وصل الأمر إلى حد أن هناك عقوبات على قطاع الإعلام، ولا يمكننا الاشتراك في خدمات وكالات الأنباء، مثل أسوشييتد برس ورويترز، ولا يمكننا البث، ولا يمكننا استخدام الأقمار الاصطناعية أو إطلاق أقمارنا الخاصة لمحطاتنا التلفزيونية".
قتيبة إدلبي، وهو باحث بارز في مركز "أتلانتيك كاونسل" أو المجلس الأطلسي، أكد في تقرير للمركز أن قرار ترامب "فرصة ستفتح آفاقاً اقتصادية للشركات الأميركية في سورية" لمواجهة منافسين مثل روسيا والصين. وقال إن ترامب لطالما صوّر نفسه على أنه صانع صفقات، وهو الذي وقّع على قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية، الذي شلّ نظام الأسد ماليًا.
وأوضح أنه "في حال استمرت هذه العقوبات فإن الاقتصاد السوري سيظل في حالة انهيار حر، مما يجعله يعتمد بشكل متزايد على روسيا والصين وإيران"، لكن رفع العقوبات ودعم الولايات المتحدة والخليج لدمشق سيسمحان للشركات الأميركية بمنافسة الشركات الصينية على عقود إعادة الإعمار المتوقعة في سورية والتي تبلغ قيمتها وفق تقديرات الأمم المتحدة وعدد من مراكز الأبحاث الدولية 400 مليار دولار.
كما أن ازدهار سورية من شأنه أن يقلل من تدفق اللاجئين على أميركا. وفي هذا الصدد، يقول عمر أوزكيزيلجيك، الباحث والمحلل التركي في شؤون سورية، إن رفع العقوبات سوف يُمكن حلفاء واشنطن من الاستثمار في سورية، مما يمنع دمشق من الاعتماد على الصين وروسيا، اللتين قد تتمكنان من التحايل على العقوبات لكسب النفوذ.
دعم مالي ضروري
وتُحذر ليز دي كرويف، وهي مساعدة مشروع في مبادرة الحكم الاقتصادي بمركز "أتلانتيك كونسل"، من أنه "بدون دعم مالي ذي معنى، تخاطر الولايات المتحدة بالتخلي عن نفوذها في سورية".
وقد بدأت أوروبا والأمم المتحدة بتطوير نهج اقتصادي إيجابي، إذ تعهدتا بتقديم مليارات الدولارات على شكل منح وقروض ميسرة لدعم تعافي سورية، ومع ذلك، لم تُقدم الولايات المتحدة بعدُ دعمًا ماليًا هذا العام، مُشيرةً إلى توقعات بأن يتحمل الآخرون العبء، أي الخليج وتركيا.
أوضحت أن تركيا والسعودية وقطر وروسيا والصين، وسعت نفوذها بسرعة من خلال استثمارات في النفط والغاز والبنية التحتية ومشاريع إعادة الإعمار، وتسديد ديون سورية للبنك الدولي. وقال معهد كارنيغي إن تكلفة إعادة الإعمار تراوح بين 250 و400 مليار دولار.
ولا يزال أكثر من نصف السكان نازحين، ويعيش 90% منهم تحت خط الفقر، وفي عام 2024، سيحتاج 16.7 مليون شخص في سورية (أو 75% من السكان) إلى مساعدات إنسانية، وفقًا للأمم المتحدة.
ويلفت إلى أن إعادة الإعمار تحتاح إلى انتقال سياسي شامل يُهيئ الظروف لمشاركة مختلف قطاعات المجتمع وإيجاد ثقل موازن لمن هم في السلطة يُعمِّق ديمقراطية الفضاء السياسي السوري. وأخيرًا، تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لزيادة المشاركة الشعبية، لا سيما بين أضعف فئات المجتمع التي تواجه ظروفًا معيشية صعبة.
