إعلان ترامب رفع العقوبات عن سورية.. بداية لحل ملفات داخلية؟

2 weeks ago 7
ARTICLE AD BOX

مهّد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيّته رفع العقوبات الأميركية عن سورية، أول من أمس الثلاثاء، الطريق أمام انفراجات محتملة في العديد من الملفات الداخلية التي تواجه مستقبل البلاد، لا سيما القضايا التي لا تزال عالقة من دون حسم ما بين الحكومة في دمشق وبعض مكونات المجتمع السوري المذهبية والعرقية. ومع هذه الخطوة، تخففت الإدارة السورية من ضغوط خارجية وداخلية كانت تعيق التعاطي مع العديد من التحديات التي لا يمكن عزلها عمّا شهدته البلاد بعد إسقاط نظام الأسد من اضطرابات هددت السلم الأهلي والاستقرار الأمني أكثر من مرة. ومن المتوقع أن تنخرط هذه الإدارة أكثر في مقاربات مختلفة عن سابقاتها حيال ملفات كثيرة في مدى منظور؛ لعل أبرزها الشروع في العمل على بناء دستور دائم، توافقي بين مختلف المكونات السورية السياسية والمذهبية والعرقية، واختيار برلمان مؤقت يملأ الفراغ التشريعي الموجود في السلطة القائمة، كما نص الإعلان الدستوري المؤقت.

وحملت كلمة الرئيس السوري أحمد الشرع، مساء الأربعاء، الكثير من الرسائل للداخل السوري، فـ"سورية لن تكون بعد اليوم ساحة لتصفية الحسابات، ولا منصة للأطماع"، مؤكدا: "لن نسمح بتقسيمها أو بإعادة إنتاج سرديات النظام السابق"، مضيفا: "سورية لكل السوريين". وسرى تفاؤل كبير في الشارع السوري بعد إعلان الرئيس الأميركي نيته رفع العقوبات عن سورية بالتوصل إلى حلول لكل المشاكل والمعضلات السياسية في البلاد. ويأمل الشارع أن تكون هذه الخطوة بداية جديدة لمقاربات أكثر جدية مع الملفات الاقتصادية والسياسية، تحمل تطمينات عملية للأقليات في البلاد كيلا لا تتحول إلى أوراق ابتزاز سياسي لدى أطراف إقليمية ودولية تبحث عن مزيد من النفوذ في سورية.

ورأى الباحث السياسي زيدون الزعبي أن على الإدارة الجديدة في دمشق القيام بعدة خطوات وإجراءات بعد إعلان ترامب، مبيناً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن على الحكومة السورية "رفع مستوى التمثيل، وتحريك سرير الاقتصاد". وتابع: "علينا إنشاء جيش وطني والوصول إلى حلول مع مكونات المجتمع السوري كافة، وإطلاق عملية البناء الدستوري الدائم، وتشكيل سلطة تشريعية، وإبعاد المقاتلين الأجانب، وطرح قانون جديد للجنسية. هذه الإجراءات كلها يجب على الإدارة تنفيذها بسرعة شديدة".

ورحّبت كل الأطراف السورية بالإعلان عن توجّه أميركي لرفع العقوبات، ومنها شيخ عقل الطائفة الدرزية في سورية حكمت الهجري، الذي أمِل "أن ينعكس هذا الانفراج الاقتصادي خيرا على الشعب السوري ليرمم نفسه ويستعيد عافيته بعيدا عن الإقصاء والتهميش، لنعيش جميعا شركاء انتصارات تحت سقف سورية الواحدة المدنية، بكل إثنياتها وطوائفها وأعراقها وتلاوينها"، وفق بيان.

وكان للهجري موقف يُعتبر متشددا من الإدارة السورية الجديدة وصل إلى حد المطالبة بـ"حماية دولية" للدروز في سورية، متهما هذه الإدارة بـ"ارتكاب مجازر"، مغلقا الباب أمام أي تفاهم معها. بيد أن البيان الذي أصدره الخميس بعد رفع العقوبات حمل إشارات ربما تدلل على تغيّر في الموقف من دمشق، التي منحها التوجه الأميركي لرفع العقوبات واللقاء الذي جرى في الرياض بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب دفعة معنوية عالية قوّت موقفها في الداخل والخارج. وحتى اللحظة، لم تتبلور علاقة واضحة ما بين دمشق والسويداء التي ترفض تسليم السلاح، مبررة ذلك بالخوف من تجاوزات على أساس طائفي كتلك التي حدثت في الساحل السوري مطلع مارس/ آذار الفائت. وربما تفتح الأوضاع المستجدة باباً لحوار جديد ما بين المرجعيات الدينية والسياسية في السويداء والإدارة في دمشق من أجل التوصل إلى تفاهمات تفتح الباب أمام عودة كل مؤسسات الدولة إلى هذه المحافظة التي تتأرجح ما بين عدة تيارات سياسية في الوقت الراهن.

لتشبيك سياسي واجتماعي

وبرأي الباحث نورس عزيز في حديث مع "العربي الجديد"، فإنه "لن تكون السويداء خاصرة رخوة للعاصمة دمشق"، مشيرا إلى أن خطاب الشيخ الهجري الحاد حيال الإدارة التي تسلمت مقاليد الأمور في البلاد قبل أكثر من خمسة أشهر "مرده القلق على الطائفة الدرزية، لا سيما بعد المجازر التي حدثت في الساحل". وتابع عزيز: "يجب على جميع الأطراف التوقف عن اختلاق المشاكل الداخلية في سورية والبدء في إعمار البلاد. يجب أن تكون السلطة في سورية تشاركية تضم كل مكونات الشعب السوري الطائفية والدينية والعرقية سواء في السويداء أو في الساحل أو الشمال الشرقي". وأشار الباحث السوري إلى أن المرحلة القادمة "تتطلب تشبيكا اجتماعيا وسياسيا عميقا في سورية"، مضيفا: "يجب التوصل إلى صيغة إدارية للحكم في سورية تضمن عدم ظهور إشكاليات في المستقبل".

كما رحّب قائد قوات "سوريا الديمقراطية" (قسد) بإعلان الرئيس الأميركي بشأن العقوبات، مؤكدا التزامه بتنفيذ الاتفاق الذي وقعه مع الشرع في العاشر من مارس الماضي لدمج هذه القوات ذات الصبغة الكردية في المنظومة العسكرية للبلاد. وكان الجانب الكردي رفع سقف مطالبه من دمشق مؤخرا بعد مؤتمر عقد في مدينة القامشلي طالب بإقرار مبدأ "اللامركزية" في البلاد، ومطالب أخرى دفعت الرئاسة السورية إلى إصدار بيان حمل نبرة انتقاد واضحة لهذه المطالب التي تُعد "غير واقعية" لدى قطاع واسع في الشارع السوري، وغير قابلة للتفاوض.

وتشي تطورات المشهد السوري بأن كل الأطراف معنية اليوم بالتوصل إلى حلول جدية قابلة للصمود، خاصة في ما يتعلق بمخاوف أقليات طائفية، مثل الدروز في جنوب سورية، والعلويين في الساحل، وأخرى عرقية في الشمال الشرقي من البلاد، حيث ينتشر أغلب السوريين الأكراد.

"كثير من التغييرات"

وفي هذا الصدد، رأى الباحث السياسي المقرب من الإدارة الذاتية الكردية إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إعلان واشنطن توجهها لرفع العقوبات عن سورية "سيدفع باتجاه حل الكثير من الإشكالات ما بين الإدارة السورية وقوات قسد والكرد عموما". وتابع: "كل الأطراف الدولية، بما فيها واشنطن، طالبت الإدارة بضم قوات قسد لتكون جزءا منها". ورجّح مسلم أن تشهد الساحة السياسية السورية في الفترة المقبلة الكثير من التغييرات على ضوء الموقف الأميركي الجديد. وتوقع تغيير "الإعلان الدستوري" الذي صدر في الثالث عشر من مارس/ آذار الفائت، ولم يكن على مستوى تطلعات الأكراد الذين يطالبون بإعادة النظر فيه ليضم مواد تضمن حقوقهم السياسية والثقافية. وقال: "الأكراد مكون أصيل من مكونات الشعب السوري، ولا تستطيع أي جهة إلغاءهم وإقصاءهم. أعتقد أن تغييرات ستحدث بناء على الاتفاق الذي وُقع بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي".

وإضافة الى هذه المعطيات الداخلية، يتخوف البعض من إقدام جهات خارجية، وإسرائيل خاصة، على محاولة التشويش على التطورات في سورية من خلال افتعال مشكلات أو تحريض أطراف معينة على التعاطي السلبي مع حكومة دمشق، بغية دفع أصحاب القرار في واشنطن إلى التريث في تطبيق قرار رفع العقوبات أو تطبيقه جزئيا فقط، بغية إبقاء حكومة دمشق في موقف ضعيف، وذات قابلية للابتزاز الإسرائيلي، خاصة مع ظهور معطيات تفيد بأن حكومة نتنياهو حاولت ثني إدارة ترامب عن هذه الخطوة، لكن الأخيرة أعطت إذنها لحلفاء واشنطن الآخرين في المنطقة، وليس لإسرائيل.

Read Entire Article