ARTICLE AD BOX
صباح اليوم الاثنين، أطلقت جمعية منظمة الصحة العالمية أعمال دورتها الـ78، التي تمتدّ لأسبوع، في جنيف السويسرية. وفي إطار هذه الجمعية، تطرح الوكالة التابعة للأمم المتحدة اتفاق الجوائح التاريخي المُعَدّ على دولها الأعضاء، في ظلّ اقتطاعات كبيرة في ميزانيتها تقيّد أنشطتها في مجالات عدّة، ولا سيّما عقب وقف التمويل الأميركي. وبعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب بلاده من منظمة الصحة العالمية فور عودته إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية، لم ترسل الولايات المتحدة الأميركية مندوبين لها إلى هذه الجمعية، بحسب ما تُبيّن قائمة المشاركين التي لم يُدرَج فيها كذلك اسم الأرجنتين. لكنّ اسم الولايات المتحدة الأميركية يتردّد على كلّ لسان، ولا سيّما بعد قرارها تجميد المساعدات الدولية على نطاق واسع.
ومن المرتقب، في خلال جمعية منظمة الصحة العالمية التي تختتم أعمالها في 27 مايو/ أيار الجاري، أن "تنظر البلدان في اتفاق الجوائح على أمل اعتماده"، في لحظة هي "فعلاً لحظة تاريخية"، بحسب ما وصفها المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس في كلمته الافتتاحية. أمّا الهدف من هذا اتفاق الجوائح المرجوّ إقراره فهو التأهّب بطريقة أفضل للجوائح المقبلة وتعزيز سبل مكافحتها، وقد أُعدّ هذا الاتفاق في ضوء الفشل الجماعي في التعامل مع جائحة كورونا التي أودت بحياة الملايين وقوّضت الاقتصاد العالمي وخلّفت تداعيات أخرى كثيرة على أكثر من صعيد.
وينصّ اتفاق الجوائح، الذي أُنجزت النسخة النهائية منه بالتوافق في 16 إبريل/ نيسان الماضي والذي سوف يُطرَح على الدول الأعضاء غداً الثلاثاء، على آلية تنسيق عالمية مبكرة وأكثر فعالية في آن واحد للوقاية والرصد والاستجابة لأيّ مخاطر قد تؤدّي إلى جائحة، وذلك بطريقة أسرع. كذلك يهدف إلى ضمان الإنصاف في الحصول على المنتجات الصحية في حال حدوث جائحة ما مستقبلاً، علماً أنّ هذه المسألة شكّلت موضع تظلّم للبلدان الأكثر فقراً في خلال جائحة كورونا، عندما احتكرت الدول الثرية اللقاحات وفحوصات التشخيص.
ومن شأن اتفاق الجوائح أن يُعزّز كذلك الترصّد متعدّد القطاعات ونهج "صحة واحدة" (للبشر والحيوانات والبيئة). وهو يقيم خصوصاً آلية لـ"إتاحة مسبّبات مرض ما وتشارك المنافع" تُعرف بـ"بابز"، من شأنها أن "تُتيح تشاركاً سريعاً جدّاً ومنهجياً للمعلومات الخاصة ببروز مسبّبات لمرض ما قد تؤدّي إلى تفشّي جائحة"، بحسب ما أوضحت السفيرة الفرنسية للصحة آن-كلير أمبرو التي شاركت في إدارة المفاوضات الخاصة بالاتفاق المذكور للوقاية من الجوائح والتأهّب والاستجابة لها.
في هذا الإطار، أفاد مصدر دبلوماسي فرنسي بأنّ "خاصيّة هذه الآلية (بابز) هي أنّ كلّ ما يُعرف بالتدابير الطبية المضادة، أي منتجات التشخيص والأدوية العلاجية أو اللقاحات التي تُنتَج على أساس هذه المعلومات المتشاركة، سوف يجري في المقابل تشارك" جزء منها بمبادرة من الشركات التي تنضمّ إلى الآلية. لكنّه ما زال يتوجّب التفاوض على التفاصيل الدقيقة في اتفاق الجوائح، على أمل اختتام المفاوضات في هذا الخصوص بحلول الجمعية المقبلة في مايو من عام 2026.
وإلى جانب اتفاق الجوائح الذي لم تنجح منظمة الصحة العالمية ولا مديرها العام في إقراره بعد، على الرغم من كلّ الجهود التي يبذلها غيبريسوس في هذا السياق، لا شكّ في أنّ مالية المنظمة وإعادة هيكلتها سوف تحظيان بحصّة كبيرة من مناقشات الجمعية الـ78. يأتي ذلك في وقت ترفض فيه إدارة ترامب دفع اشتراكات عامَي 2024 و2025، بالإضافة إلى تجميد المساعدات الأميركية الخارجية برمّتها تقريباً، بما في ذلك جزء كبير من مشاريع الصحة في العالم أجمع.
وكان غيبريسوس قد حذّر، في أواخر إبريل الماضي، من أنّ الاقتطاعات المالية الأميركية سوف تخلّف عجزاً يقتضي تخفيض الأنشطة وعدد الموظّفين، لا سيّما أنّ الولايات المتحدة الأميركية كانت أكبر الجهات المانحة للمنظمة. وقد صرّح، حينها، أمام المندوبين: "نواجه عجزاً في نفقات الموظّفين يتخطّى 500 مليون دولار أميركي للعامَين المقبلين (2026 و2027)". وتسعى منظمة الصحة العالمية إلى تخفيض النفقات الخاصة برواتب الموظّفين بنسبة 25%، كذلك تبحث في نقل عدد من أقسامها إلى مدن أقلّ غلاءً من جنيف، بالإضافة إلى تقليل عدد مكاتبها. كذلك أعلن مديرها العام عن تخفيض الطاقم الإداري من 14 فرداً إلى سبعة أفراد، وعدد الأقسام من 76 قسماً إلى 34.
وفي خلال الأيام المقبلة، من المتوقّع أن تبتّ البلدان في رفع نسبة الاشتراكات الإلزامية بواقع 20%، بعدما سبق أن وافقت في عام 2022 على زيادتها تدريجياً إلى "50% من الميزانية". وقال غيبريسوس إنّ "من الضروري" أن "تقبل بهذه الزيادة الجديدة". وسوف تُعتمَد الميزانية في ظلّ تراجع المساعدات الإنسانية والتنموية. وقد خفّضت المنظمة سقف ميزانيتها من 5.3 مليارات دولار إلى 4.2 مليارات، علماً أنّها ميزانية "متواضعة" بقيمة 2.1 مليار في السنة، أي ما يوازي "ثمن طائرة مقاتلة شبح"، على حدّ قول غيبريسوس الذي شدّد على ضرورة جمع 1.7 مليار دولار لتغطية أبواب الميزانية المنقّحة التي تعادل كذلك ميزانية مستشفى كبير. ومن المزمع عقد اجتماع للجهات المانحة غداً الثلاثاء، وقد قدّمت سويسرا 80 مليون دولار في هذا الإطار اليوم.
(فرانس برس، العربي الجديد)
