ARTICLE AD BOX
لم يكن إعلان حزب العمال الكردستاني، اليوم الاثنين، حل نفسه وإلقاء سلاحه أمرا سهلا، ولم يصل إليه الحزب في فترة قصيرة، بل عبر مراحل وعقود من الصراع، ومحاولات عديدة للحل، كان أبرزها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأعلن "الكردستاني" عن حل الحزب وإنهاء الصراع المسلح استجابة لمؤسسه المسجون عبد الله أوجلان، وذلك بعد أيام من إعلانه عقد مؤتمره العام في 5-7 مايو/أيار الجاري. وجاءت الخطوة التي من المتوقع أن تسدل الستار على صراع استغرق 47 عاما، بعد مسار عسير ومعقد منذ ظهور الحزب في سبعينيات القرن الماضي حتى اليوم.
ظهور حزب العمال الكردستاني
على مدار عقود طويلة أرقت القضية الكردية تركيا والمنطقة، حيث تسببت الانقلابات في البلاد في ستينيات وثمانينيات القرن الماضي، ومرحلة الصراع مع "الكردستاني" الذي تأسس عام 1978، بفرض قانون الطوارئ الذي سمح للقوى الأمنية بصلاحيات أكبر، خصوصاً الجيش، وهو ما تسبب بقمع الأصوات التي تخالف الانقلابيين.
تحولت القضية الكردية المعروفة باسم "قضية الشرق"، إلى مسار جدل في تركيا، وفي الفترة ما بين 1925 و1938 شهدت المنطقة 17 تمرداً، وفي الفترة 1950-1980 وانقسام البلاد إلى يمين ويسار تأثرت القضية الكردية في تركيا سياسياً، فيما شهدت المنطقة منذ العام 1978 إلى العام 2002 فرض قانون الطوارئ.
شكّل عبد الله أوجلان مع مجموعة من منابع الثوار الأكراد الثقافية (DDKO)، حزب العمال الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي من مجموعة من الطلاب، وأجرت المجموعة لقاءات مع البعثات الأجنبية في تركيا، ونفذت نشاطات في جنوب شرقي البلاد قبيل فرار أوجلان إلى سورية في العام 1979، ما جعله يفلت من اعتقال منفذي انقلاب العام 1980. وتشتت حزب العمال الكردستاني وبات يعمل عن بعد، ليبدأ بالنشاط المسلح في العام 1984، ما ترك تأثيراً في الرأي العام، فيما استمرت العمليات العسكرية وصولاً لاعتقال أوجلان في العام 1999.
أعلن الحزب وقف إطلاق النار بعد اعتقال أوجلان، لكن ذلك انتهى عام 2004 وعاد للعمل المسلح. وأطلقت الحكومة التركية عام 2012 حواراً سرياً مع الحزب في النرويج، وفي العام التالي أطلقت مرحلة السلام وشكلت لجنة الحكماء. لكن العمليات المسلحة تواصلت ودخلت مرحلة جديدة من الصراع تجاوزت الحدود بشكل كبير لتشمل شمالي سورية والعراق، فيما حققت القوات التركية نجاحات كبيرة، دون أن تؤدي للقضاء على الحزب.
مساعي الحل
ويمكن تقسيم مساعي حل القضية الكردية في تركيا خلال العقود السابقة إلى مرحلتين، الأولى ما قبل حكم حزب العدالة والتنمية (2002)، والرئيس رجب طيب أردوغان، والثانية خلال حكم الأخير. في المرحلة الأولى سيطرالتعامل العسكري البحت على القضية الكردية عبر فرض قانون الطوارئ في المنطقة، وترك الأريحية للقوات المسلحة، ما ضيق هامش الحكومات التركية المتعاقبة، إذ لم تقدم على خطوات هامة في تحقيق المطالب الكردية، أهمها الاعتراف بالأكراد وبلغتهم وحرية استعمالها وحريتهم السياسية. أما المرحلة الثانية، فشهدت حراكاً فاعلاً تجاه حل مشاكل الأكراد، من خلال رفع حالة الطوارئ من جهة، ومساعي الحكومة عبر تنفيذ مشاريع تنمية في المنطقة واستخدام القوة الناعمة بهذا الإطار، إلى جانب إجراء إصلاحات شملت تأسيس إعلام وطني ناطق باللغة الكردية. وإثر ذلك، تأسست قناة تي آر تي باللغة الكردية عام 2008، ودخلت مادة اللغة الكردية الاختيارية في المدارس عام 2012. لكن هذه الممارسات والمشاريع الخدمية في المنطقة من افتتاح المطارات والمدارس ومشاريع التنمية لم تساهم بحل القضية الكردية في تركيا، كما لم تنهِ حزب العمال الكردستاني، مع استمرار حظر الأحزاب السياسية الكردية واعتقال السياسيين وحرمانهم من العمل السياسي.
بحلول العام 2013 قاد حزب العدالة والتنمية أبرز مشاريع حل مسألة حزب العمال الكردستاني بعد حوار عبر جهاز الاستخبارات في أوسلو قبلها بعام. فأطلقت مرحلة السلام، واستضيف فنانون ممنوعون من الدخول إلى تركيا، وقرئت رسائل أوجلان بالتركية والكردية لـ"الكردستاني" بإلقاء السلاح في احتفالات النوروز بديار بكر، جنوب شرقي تركيا. وبالفعل أعلن الحزب الكردي عزمه على إلقاء السلاح، وتبعت ذلك تعديلات دستورية من قبل الحكومة في العام 2014 وتشكلت لجنة الحكماء وقدمت تقريرها بعد أشهر من العمل. كما جرت لقاءات بين حزب الشعوب الديمقراطي والقيادات في قنديل، شمالي العراق، وصولاً للعام 2015 والانتخابات التشريعية التي جرت حينها. لكن لم تنجح هذه الجهود لأسباب داخلية وخارجية، أهمها التطورات في سورية، وتشكل خريطة قوى جديدة في المنطقة وظهور الوحدات الكردية، إلى جانب الصراع بين حكومة العدالة والتنمية وجماعة الخدمة المتغلغلة في الدولة. فحصل تفجير في أحد تجمعات حزب الشعوب الديمقراطي بديار بكر عام 2015، وبعدها حصل تفجير آخر بمنطقة سوروج، جنوب شرقي تركيا، أيضاً، فانطلقت عمليات عسكرية لـ"العمال" ضد الجيش التركي.
كل ذلك لحقه إعلان مناطق حكم ذاتي في عدة ولايات ذات أغلبية كردية من قبل حزب العمال الكردستاني في العام 2015، أسوة بالتي شكلتها الوحدات الكردية بسورية. وتخلل هذه المرحلة أيضاً حصول "أحداث كوباني" إبان هجوم تنظيم داعش عام 2014 على مدينة عين العرب (كوباني، وهي امتداد جغرافي لسوروج) السورية، ما أدى إلى إعادة تدويل قضية الأكراد. ومع الصراع الداخلي بين الحكومة التركية وجماعة الخدمة، عاد الصراع المسلح بين "العمال الكردستاني" والجيش عام 2015، وبعدها طورت الحكومة استراتيجيات جديدة حيال المنطقة و"الكردستاني" وتكثف العمل العسكري، وصولاً للمبادرة الأخيرة التي أطلقت قبل بضعة أشهر.
مسار الحال النهائي
المرحلة الأخيرة انطلقت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمصافحة زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي نواب حزب ديم الكردي في افتتاح البرلمان، وهو ما أدى لرد فعل إيجابي من الحزب الكردي، قبل أن يدعم الرئيس أردوغان المرحلة الجديدة في التاسع من الشهر نفسه، قائلا "لا يمكن ممارسة السياسة بيد واليد الأخرى تمسك السلاح".
وفي 15 أكتوبر/تشرين الأول بدأت ملامح المرحلة الجديدة بخطاب من باهتشلي وتخييره حزب ديم ما بين "السياسة أو الإرهاب"، وتبعت ذلك بعد أسبوع دعوة صريحة وواضحة بأن "يأتي أوجلان للبرلمان ويعلن حل الحزب وإلقاء السلاح والاستفادة من حق الأمل"، لتنطلق مرحلة جديدة من اللقاءات بين حزب ديم وأوجلان في محبسه. وكان اللقاء الأول في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تبعته لقاءات بين حزب ديم والأحزاب السياسية.
اللقاء الثاني مع أوجلان جرى في 22 يناير/كانون الثاني، ثم تواصلت اللقاءات بعدها بين حزب ديم والأحزاب، وجرت زيارة لإقليم كردستان العراق، لتأتي دعوة أوجلان التاريخية لإلقاء السلاح وحل الحزب عقب الزيارة الثالثة في 27 فبراير/شباط الماضي. والتقى أردوغان لأول مرة بوفد من حزب ديم في العاشر من إبريل/نيسان الماضي، وفي 21 من الشهر نفسه أجرى حزب ديم رابع لقاءاته مع أوجلان، ليعلن الحزب في التاسع من مايو/أيار عقد مؤتمره العام، وصولا إلى إعلان قراره حل نفسه وإلقاء السلاح اليوم الاثنين.
