إنتخابات 2025 البلديّة.... واستحالة التغيير في لبنان

6 days ago 3
ARTICLE AD BOX

 الدكتور سمير حسن عاكوم

 

في أعقاب صدور نتائج الانتخابات البلدية، ومع تأكّد استمرار هيمنة تحالف ميليشيات سلطة المحاصصة على مفاصل القرار المحلي في العاصمة وغيرها من المناطق، يتكرّس من جديد واقع لبناني معقّد تعجز أدوات التغيير التقليدية عن اختراقه. لم تكن هذه النتائج مفاجئة بقدر ما كانت كاشفة. لقد أظهرت بما لا يقبل الشك أن ما يُعرف اصطلاحًا بـ"قوى الأمر الواقع" نجحت في تحويل صناديق الاقتراع إلى أدوات لإعادة إنتاج منظومة السلطة نفسها في إطار دولة عميقة متشعّبة تُمأسِس نفوذها على أنقاض فكرة الدولة.
وراء الانقسامات الظاهرية التي تملأ الخطاب السياسي، تقف بنية متكاملة من المصالح العابرة للطوائف والانتماءات، تتّحد على هدف واحد هو حماية نظام الهيمنة السياسية الاقتصادية. هذا النظام يستند إلى توازنات شيطانيّة وتستخدم الدولة كمجرد واجهة لتثبيت سلطة اللادولة. من قوى تهيمن بالسلاح وتفرض توازنًا رادعًا لأي تغيير، قوى تحكم بالمال والنفوذ المصرفي وتحتكر مفاتيح الاقتصاد، قوى تتحصّن خلف الإعلام والجيوش الإلكترونية وقوانين انتخابية مفصّلة على المقاس وأخرى توظف الطائفة والمقدّسات لفرض واقع لا يُمسّ. كلّها تلتقي ضمن عقد ضمنيّ مشترك بين المتناقضات، يغلّف المصالح الخاصة بغطاء "الاستقرار" ويمنع تحوّل أي لحظة انتخابيّة إلى محطة سياسيّة انقاذيّة.
إن المعضلة اللبنانية ليست فقط أزمة إدارة أو فساد، بل هي أزمة بنيوية مركّبة تُفرغ المؤسسات من مضمونها الوظيفي والدستوري، وتُخضعها لمنطق الغلبة والمحاصصة لا الكفاءة والمساءلة. فالسلطة التشريعية رهينة احتكار زعامة طائفية لا المصلحة العامة، السلطة القضائية مكبّلة ومحرومة من الاستقلال الفعلي، الإدارات العامة مثقوبة بثقافة الزبائنيّة والشخصنة، اللامركزية الإدارية غائبة أو مشوّهة ولا تخدم إلا مراكز النفوذ. وبالتالي العملية الانتخابية تخضع لسطوة المال وألاعيب الضغط الممنهج لقوى الميليشيات المنظمة.
إن التغيير لا يمكن أن يتحقّق بمجرد خوض الانتخابات ضمن النظام القائم بل بتعديل الأدوات نفسها. وأولى الخطوات تتمثّل بإدخال المكننة والرقمنة في عمليّات الاقتراع والفرز (ميغاسنتر، اقتراع إلكتروني...) لكسر حلقات تعقيدات الهيمنة اللوجستيّة والسياسية وزواريبها المظلمة، واستكماله بتحصين النظام الانتخابي ضد التخريب التقني والاختراقات الماليّة والإعلاميّة لم يعد رفاهيّة أو مجرد خيار.
هذا المسار لن يكون سهلًا، إذ إن القوى المستفيدة من الواقع القائم لن تقبل بإدخال أدوات تُضعف سطوتها، بل ستسعى لتشويه التجربة أو تخريبها. 
إن التغيير الحقيقي كما تبيّن من التجارب المتتالية، لا يمكن أن يتم من داخل المنظومة التي تحتكر وسائل النفوذ وتضع القواعد بما يخدم إعادة إنتاج سلطتها. فقوى الأمر الواقع تمتلك كل ما يمنع التغيير من مال، تنظيم، إعلام، القدرة على التخريب وممرات تغيير المسارات، نفوذ عابر للمؤسسات و... 
وفي مواجهة كل هذا، يجد المواطن اللبناني نفسه أمام معادلة قاسية إما اللامبالاة وإما الاستسلام. لكن التاريخ لا تصنعه الشعوب الحياديّة بل تلك التي تملك الجرأة على خوض معركة الدولة ضد اللادولة، الدستور ضد التسوية، السيادة ضد المحاصصة، مصلحة المواطن ضد مصلحة... قوى الأمر الواقع.
نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة لم تكن مفاجئة، نحن أمام لحظة حاسمة تهدّد لبنان. وإذا لم يتم تغيير هذا المسار عبر إصلاح جذري للأدوات الانتخابية وتعديل البنية المؤسساتية وتحديثها، فسنظل ندور في حلقة الانهيارات المتتابعة.
بيروت لا تحتاج إلى تسويات بين متناقضات اللادولة، بل إلى مشروع حقيقي لاستعادة الدولة من قبضة من صادرها وإعادة الاعتبار لصوت المواطن.
والسؤال الملحّ هل ننتظر الكارثة القادمة، أم نتحول الى قوة تُحرك النظام السياسي بوسائل غير تقليديّة لتحقيق الخلاص؟

 

المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية

Read Entire Article