ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">كير ستارمر مع دونالد ترمب في المكتب البيضاوي بواشنطن. فبراير 2025 (رويترز)</p>
تهانينا إذاً لكير ستارمر. لقد نجحت فيما فشل فيه كل من ريشي سوناك وليز تراس وبوريس جونسون وتيريزا ماي. فعلى رغم أن الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة متواضع نسبياً، فإنه يعد إنجازاً دبلوماسياً وسياسياً كبيراً لحكومة حزب العمال.
أعلن عن الاتفاق في توقيت كاد يكون مختاراً بعناية تزامناً مع الذكرى الـ80 لنصر الحلفاء في أوروبا أواخر الحرب العالمية الثانية - وبعد فترة وجيزة من الإعلان عن إبرام معاهدة اقتصادية واعدة وأوسع نطاقاً مع الهند.
لكننا ينبغي ألا نفقد موضوعيتنا. بالمجمل، إن التحسينات المحققة بشق الأنفس في مجال التجارة، والتي أنجزتها هذه الحكومة والحكومات السابقة لها، بإنشاء منطقة الشراكة عبر المحيط الهادئ (التي تشمل اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا)، وبإبرام الاتفاقين التجاريين مع أستراليا ونيوزيلندا، والآن بالتوصل إلى الاتفاقين التجاريين مع الهند والولايات المتحدة، هي إنجازات تستحق الثناء، لكنها لا تعوض بأي حال عن الخسائر الجسيمة التي لحقت بالاقتصاد البريطاني نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
فتيسير وصول البضائع وخفض الرسوم الجمركية في عدد محدود من القطاعات لا يقارن مطلقاً، بل هو في مرتبة أدنى بكثير، من عضوية الاتحاد الأوروبي الكاملة، الذي لا يزال، ككتلة موحدة، أكبر وأهم سوق لبريطانيا، ومصدراً رئيساً للإمدادات، والاستثمارات، واليد العاملة. لا شيء يضاهي، ولن يضاهي أبداً، الإمكانات الكامنة في السوق الموحدة والاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي.
وهنا تكمن المفارقة: كل اتفاق تجاري جديد تبرمه بريطانيا – على رغم كونه خبراً ساراً في حد ذاته - يزيد من صعوبة العودة للاتحاد الأوروبي. ولا يشذ الاتفاق مع الولايات المتحدة عن هذه القاعدة: فقد أجهز فعلياً على أي أمل في التراجع عن "بريكست".
قد يكون من الممكن، لو حالفنا الحظ كثيراً، صياغة اتفاقات تجارية تتماشى مع عضوية السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، أو حتى مع "إعادة الضبط" التي لا يزال ستارمر يسعى إليها (على رغم أن ذلك أيضاً سيواجه تعقيدات حتمية). أما العودة للاتحاد الجمركي الأوروبي فهي مستحيلة تماماً ما دام لدى بريطانيا اتفاقات تجارية مستقلة مع أطراف ثالثة. فهذا هو جوهر الاتحاد الجمركي: فرض تعريفة جمركية موحدة على الواردات من خارج التكتل، مما يسمح بالتجارة الداخلية من دون رسوم أو حصص.
ولو قررنا العودة للاتحاد الأوروبي (وهو احتمال واقعي مع مرور الوقت وتزايد وضوح تبعات "بريكست")، فسنضطر إلى إلغاء المعاهدات القائمة مع الهند وأستراليا ونيوزيلندا والشراكة عبر المحيط الهادئ، إضافة إلى الترتيبات الجديدة مع الولايات المتحدة. وسيجعل ذلك عملية التفاوض أكثر صعوبة، ويخلق موجة جديدة من عدم اليقين في شأن مستقبل الاقتصاد البريطاني، مما سيكون له أثر سلبي في الاستثمار وثقة الشركاء الدوليين في بريطانيا كطرف موثوق به على المدى الطويل.
هذه هي الديناميكية السامة لـ"بريكست" تعاود الظهور: لقد أفقر البلاد، مما دفعها إلى البحث المحموم عن صفقات تجارية. وكانت اتفاقات أستراليا ونيوزيلندا قد أبرمت على عجل لأسباب سياسية، لأن جونسون وتراس أرادا "انتصارات سريعة لـ(بريكست)".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والآن، في غياب ثقل تفاوضي يعادل ما كان يتيحه أكبر سوق موحدة في العالم، اضطرت بريطانيا إلى قبول ما عرض عليها من شروط من القوى الاقتصادية الكبرى مثل الولايات المتحدة والهند.
لكن في الفوز بتلك الصفقات، تصبح العودة للاتحاد الأوروبي أصعب. فهي في الواقع تكرس "بريكست" كواقع دائم في الحياة الاقتصادية البريطانية.
ومن الناحية النفسية يفقد البريطانيون تدريجاً شعورهم بأن مصيرهم يكمن في أوروبا، على رغم استمرار الضغوط الدفاعية والأمنية والاقتصادية التي تجعل من الاندماج الأوروبي الخيار الأذكى والأكثر واقعية لمستقبل الطموحات البريطانية. إن الاتفاقات مع الهند والولايات المتحدة، على رغم أنها تبدو مرحباً بها ومغرية على السطح، تحوي ما يشبه "حبة سم" عندما يتعلق الأمر بمصير بريطانيا في أوروبا.
عذراً على إفساد أجواء الاحتفال.