ARTICLE AD BOX
يثير تواتر حوادث الانتحار في إقليم شفشاون شمالي المغرب مزيداً من القلق بين السكان الذين يبحثون عن تفسير لأسباب الظاهرة ودوافعها، إذ لا يكاد يمر أسبوع من دون سماع خبر انتحار في المنطقة، الأمر الذي دفع النائبة عن حزب العدالة والتنمية المعارض سلوى البردعي إلى أن توجه سؤالاً كتابياً إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية بشأن الظاهرة.
وبدا لافتاً في السؤال البرلماني اعتبار النائبة أن "ظاهرة الانتحار في شفشاون باتت تشكل أزمة إنسانية واجتماعية تتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الصحة"، مطالبةً بالكشف عن الإجراءات الملموسة التي تعتزم الوزارة اتخاذها للحد من هذه الظاهرة المتفاقمة، خاصة على مستوى الوقاية والعلاج النفسي، كما تساءلت عن إمكانية عقد شراكات فعالة مع المجتمع المدني من أجل تعزيز الصحة النفسية.
ويسجل إقليم شفشاون سنوياً ما بين 30 إلى 36 حالة انتحار، وخلال الأيام الأخيرة، كشفت وسائل إعلام محلية عن تسجيل حالات انتحار عدة في شفشاون، كان آخرها في منطقة مركز باب تازة، في 17 إبريل/ نيسان الماضي، حينما استفاقت المنطقة على فاجعة صادمة، بعدما أقدم رجل على وضع حد لحياته في ظروف يلفها الغموض.
وقبلها، عُثر في الخامس من إبريل الماضي على شخص في العقد الرابع مشنوقاً على جذع شجرة بالقرب من منزل أسرته في جماعة بني صالح، وصباح الثالث من الشهر نفسه، انتحر شاب شنقاً داخل أحد مقاهي مدينة شفشاون.
وترجع النائبة البردعي ظاهرة الانتحار إلى مجموعة من الأسباب المتداخلة، من بينها هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وانتشار الاضطرابات النفسية بين الشباب، إضافة إلى غياب المواكبة النفسية والاستشفائية الكافية، لا سيما في المناطق القروية والجبلية التي تشكل جزءاً كبيراً من الإقليم. "التحولات المجتمعية والضغط الناتج عن البطالة والإقصاء الاجتماعي، من بين العوامل التي تساهم في تفاقم الأزمات الإنسانية، رغم بعض المبادرات المدنية الهادفة إلى التوعية، ومن بينها حملة (شباب ضد الانتحار)".
من مدينة شفشاون، يقول الناشط الحقوقي جمال الدين ريان لـ"العربي الجديد": "شهد إقليم شفشاون خلال السنوات الأخيرة ارتفاعاً في حالات الانتحار، والتقارير تظهر أن 70% من حالات الانتحار في الشمال المغربي تسجل في شفشاون، ما يبرز حجم المشكلة التي تعاني منها المنطقة. الإقليم يسجل حالة انتحار كل أسبوع تقريباً، ما يثير قلقاً عميقاً بين السكان، ويستدعي التحرك السريع".
ويرجع ريان تفشي الانتحار في المنطقة إلى عوامل عدة، من بينها نمط الإنتاج القائم على زراعة القنب الهندي، والذي يعتبر أحد العوامل السلبية المؤثرة على المجتمع، إضافة إلى معاناة المنطقة من سياسات التهميش التي تزيد من حدة الأزمة، وكذلك معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب. "هناك عزلة تامة لبعض مناطق الإقليم، حيث تنعدم البنية التحتية كالطرق والمستشفيات والمدارس، وصمت السلطات المحلية والمركزية إزاء ظاهرة الانتحار يثير استياء كبيراً بين المنظمات الحقوقية، ويزيد من القلق بشأن أوضاع حقوق الإنسان الأساسية، ولا سيما الحق في الحياة".
يتابع: "تكرار حالات الانتحار يؤثر على المجتمع المحلي، ويشعر الكثير من الشباب باليأس والإحباط، ما يدفعهم إلى اتخاذ قرارات مأساوية. هذا الوضع يدفع المجتمع المدني إلى إطلاق بعض المبادرات للتوعية، ومحاولة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي. ظاهرة الانتحار في شفشاون تعتبر قضية معقدة تتطلب تدخلاً عاجلاً، وتعاوناً بين السلطات والمجتمع المدني لمعالجة الأسباب الجذرية، وتقديم الدعم اللازم للمحتاجين".
وبحسب دراسة حول ظاهرة الانتحار بإقليم شفشاون نُشرت العام الماضي، فإن العوامل النفسية تقف على رأس الأسباب، وهي تتمثل في مجموعة من الاضطرابات النفسية المعقدة؛ أبرزها الاكتئاب الحاد، واضطراب ثنائي القطب، واضطراب ما بعد الولادة والإجهاض. وأبرزت الدراسة، المنجزة من قبل الباحثين مصطفى العوزي وعبد ربه البخش، من "جمعية أصدقاء السوسيولوجيين" و"وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال"، أن "هذه الظاهرة المركبة يتداخل فيها ما هو نفسي بما هو اجتماعي، وما هو بيولوجي بما هو سوسيو اقتصادي".
وكشفت الدراسة أن العوامل الاجتماعية تعد من المسببات الرئيسية لظاهرة الانتحار، ومن أهم هذه العوامل العنف المنزلي الذي يخلف آثاراً نفسية خطيرة على نفسية الفرد، وخاصة النساء، وإلى جانب العوامل النفسية والاجتماعية، تعتبر الهشاشة الاقتصادية أحد العوامل المسؤولة عن تكرار ظاهرة الانتحار، وإحدى الحالات التي تمت دراستها، كانت لشاب انتحر نتيجة تحول في طبيعة النشاط الاقتصادي الذي يزاوله سكان المنطقة، وهو زراعة القنب الهندي، بعد أن عرف ترويجه تراجعاً مع مرور الوقت، وأصبح يشكل ثقلاً على نفسية الأفراد.
وتشير الدراسة إلى أن غياب الوعي بأهمية الصحة النفسية يعتبر عاملاً مساهماً في بروز ظاهرة الانتحار؛ ذلك أن العديد من الأفراد ممن يعانون اضطرابات نفسية غير واعين بها، كما أنهم غير واعين بأهمية التدخل الطبي والعلاج النفسي، مشيرة إلى أن الانتحار في المجتمع المغربي، لا سيما في إقليم شفشاون، يمكن أن يفهم على أنه نتيجة لعمليات التغيير الاجتماعي الأكثر شمولاً، وهي في الواقع الإشارة الأكثر وضوحاً لعملية التحديث والعولمة.
