استوديو بدوي... حكايات من تاريخ الإسكندرية في صورة

1 week ago 10
ARTICLE AD BOX

<p>مسيرة تأييد للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر صورها أحمد بدوي من نافذة الاستوديو في محطة الرمل بالإسكندرية (أرشيف بدوي)</p>

على مدى نحو 60 عاماً كان أستوديو بدوي الواقع وسط الإسكندرية، وتحديداً منطقة محطة الرمل، إحدى علامات المدينة ووجهة رئيسة لكل من يرغب في الحصول على صورة مميزة، سواء لتوثيق حدث معين مثل حفلات الزفاف وغيرها، أو عند الحاجة إلى صورة لإجراء بعض التعاملات الرسمية، أو للحصول على صورة للاحتفاظ بها وإهدائها للأحباء في وقت كان التصوير غير متاح بسهولة مثل عصرنا الحالي.

المصور الراحل أحمد بدوي المولود في عشرينيات القرن الماضي، بدأ ممارسة التصوير عام 1939، وتعلم على يد المصورين الأجانب الذين كانوا منتشرين في الإسكندرية (كوزموبوليتانية) ذلك الوقت، ومع مطلع الخمسينيات افتتح أستوديو تصوير خاص به عُرف باسم "أستوديو بدوي"، وعلى مدى أكثر من نصف قرن وثق ملامح عدة من تاريخ الإسكندرية على المستوى الاجتماعي والفني والسياسي، لتتحول هذه الصور مع مرور الأعوام إلى شكل من أشكال الأرشيف الشعبي للمدينة.

 

رحل بدوي وأغلق الأستوديو لأعوام وبعدها عاود الحفيد ممارسة مهنة الجد لكن بصورتها الحديثة، إذ يتوجه من حين لآخر إلى استديو جده المغلق، وفي إحدى زياراته يدفعه الفضول لاستكشاف قبو في المكان ليجد في انتظاره خبيئة من آلاف الصور وكثيراً من أفلام التصوير التي كانت تستخدم حينها، والكنز المصور الذي تركه الجد يحتاج إلى جهود كبيرة للفرز والتنظيم والترتيب، وهو ما قام به الحفيد بمعاونة اثنين من أصدقائه المصورين على مدى ثلاث أعوام، ليقرروا في النهاية أن هذه الصور لا بد من أن تُعرض على الجمهور باعتبارها جانباً من تراث المدينة، وهو ما تجلى أخيراً في مشروع "أرشيف بدوي" الذي عُرضت جوانب منه العام الماضي في الإسكندرية، وحالياً تعرض للمرة الأولى في القاهرة تواكباً مع أسبوع القاهرة للصورة.

مصر الستينيات بالصورة

ويقول عبدالعزيز بدوي، حفيد المصور الراحل، "صدفة فتحنا البدروم للبحث عن الكاميرات والمعدات القديمة فوجدنا كماً من الصور وأفلام التصوير التي تعود لفترة الخمسينيات مع بداية إنشاء أستوديو بدوي ولمدة عشرات الأعوام، فاستخرجنا عدداً من الصناديق وبدأنا في استكشافها لنجد كنزاً يوثق تاريخ الإسكندرية، وبدأنا العمل على تنظيمها والتعرف إلى محتواها، وحتى الآن كل ما جرى فرزه وأرشفته وعرض أجزاء منه هو فقط نتاج صندوق واحد، ولا نستطيع أن نتوقع ماذا سنجد في باقي الصناديق من صور لأحداث سياسية واجتماعية".

 

ويوضح، "كانت مفاجأة لنا أن نجد صوراً توثق تاريخ مصر خلال الستينيات، مثل مسيرة تأييد لعبدالناصر عام 1965 امتدت حتى مقر الحزب الاشتراكي في ميدان المنشية، إضافة إلى صور توثق جنازة شعبية لعبدالناصر في الـ 29 من سبتمبر (أيلول) 1970 امتدت على طول كورنيش الإسكندرية، وشاركت فيها أعداد كبيرة من أهل المدينة".

ويستكمل أنه "في العام الماضي عرضنا جانباً صغيراً من الصور في أحد متاحف الإسكندرية، واللافت أن قطاعاً من الزوار وقف أمام بعض الصور وتعرف إلى أصحابها الذين كانوا من عائلته أو أصدقائه، وآخرين تذكروا أنهم حصلوا على صورة في أستوديو بدوي أو أنه صوّر مناسبة عائلية تخصهم، فشعرنا وقتها أن هذا الأرشيف ملك لأهل الإسكندرية وليس فقط لنا، فهو يوثق تاريخهم وذكرياتهم، وهو جزء من الذاكرة البصرية للمدينة".

أرشيف شعبي

والمتأمل في ما عُرض من أرشيف بدوي يجده سجلاً يجمع بين ملامح من الحياة الاجتماعية والسياسية التي شهدتها المدينة على مدى النصف الثاني من القرن الـ 20، فقد عرض جوانب من النشاطات الشعبية لأهل الإسكندرية مثل دورة الفلكي الرمضانية لكرة القدم التي تعد الأولى من نوعها في مصر ولا تزال تقام منذ أكثر من 50 عاماً، ومثل بعض الطقوس الاجتماعية كالتنزه في الحدائق العامة التي كانت الوجهة الأولى للترفيه العائلي سابقاً، لتتحول الصور العائلية في الحدائق إلى ذكريات تبقى مع الأسرة طوال العمر.

وفي الوقت نفسه يرصد الأرشيف جوانب من تطور فن التصوير نفسه، فجرى عرض جزء من الكاميرات القديمة وأفلام التصوير والكروت التي كانت تطبع عليها الصور، وفي الوقت نفسه فإن الصور المعروضة للأشخاص والعائلات في الأماكن العامة والحدائق جديرة بالتأمل في طابع المكان وشكل الناس الذي كان متقارباً بدرجة كبيرة على رغم اختلاف الطبقات الاجتماعية.

 

ويقول المصور أحمد ناجي دراز إنه "خلال مرحلة تجهيزنا الصور للعرض فكرنا أننا لا نرغب في مجرد تقديم صور أرشيفية أو صور قديمة، ولكن في توضيح القصة من جوانب عدة، مثل كيف فكر المصور حينها؟ وكيف فكرنا نحن حالياً؟ وكيف طبع الزمن بصمته على الصور؟ ومن هنا جاء اختيار الاسم 'ثلاثية بصرية من أرشيف بدوي' وبعض الصور قدمناها كقصة، والقاعة التي تضم صور جمال عبدالناصر بدأنا الحكاية بصورة بورتريه شخصي التقطه المصور لنفسه مروراً بتتابع الأحداث حتى لحظة مرور عبدالناصر أمام أستوديو بدوي، وهي الصورة الأكبر باعتبارها هي الحدث، مروراً بمجموعات من الصور من زوايا مختلفة، والأمر نفسه للجنازة الشعبية التي لا يعرف كثير من الناس شيئاً عنها، وحكت هذه الصور قصتها".

ويضيف دراز أن "هذه الصور تمثل قيمة للناس والباحثين باعتبارها أرشيفاً شعبياً يفتح مجالات للبحث مستقبلاً، وهنا نحن كسرنا المركزية، فالجميع يعرف جنازة عبدالناصر في القاهرة لكن لا أحد يعرف ماذا حدث في باقي المحافظات، وقد عرضنا صوراً ملونة باليد، وكانت هذه حينها تقنية تحتاج إلى مهارة وحرفية شديدة وتحتاج إلى وقت طويل، لكن نتائجها كانت مميزة، وفي مقابلها عرضنا صوراً قمنا بتلوينها بالذكاء الاصطناعي يجري تنفيذها في لحظات مع عرض الصورة الأصلية القديمة، وتركنا المشاهد يتأمل في الفارق بين نتائج البشر ونتائج الآلات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المصور صديق العائلة

في زمن سابق كان الحصول على صورة يتطلب أن يتأنق الشخص ويرتدي أفضل ملابسه ويذهب لواحد من أستوديوهات التصوير ليلتقط له المصور الصورة، ثم ينتظر أياماً للتحميض والطبع، وحالياً في أي مكان وفي كل الأوقات نجد الناس رافعين هواتفهم المحمولة ليلتقطوا صوراً لا نهائية بعد أن أصبحت هناك كاميرا في يد كل شخص بصورة فعلية لا مجازية، فكيف اختلف شكل وطابع الصورة والتصوير بين الماضي والحاضر؟

يقول المصور حازم جودة "قديماً كان التصوير يمر بخطوات ومراحل كثيرة مما عزز قيمة الصورة، إضافة إلى أن الصور ارتبطت بالعلاقات الإنسانية وذكريات ومواقف، فكانت ترسل مصحوبة بكلمات رقيقة للعائلة والأصدقاء، والأجيال الجديدة لا تعرف ألبوم صور العائلة الذي كنا نتصفحه من حين لآخر، ونتذكر الأحداث التي أخذت فيها الصور والمشاعر التي طغت علينا حينها، أما الصور حالياً فأصبحت كثيرة وليست محدودة مثل الماضي، ففقدت الصور كثيراً من القيمة والمشاعر وأصبحت اللحظات المميزة تتوه وسط هذا الكم الكبير من الصور".

 

ويضيف، "في زمن سابق كان المصور صديق العائلة يعرف الأطفال وأعمارهم وأعياد الميلاد، ويعرف جانباً من شخصياتهم ويوثق جميع مناسباتهم، وهكذا كان الراحل بدوي، وإذا تأملنا صور الزفاف المعروضة فسنجدها تلقائية وتعكس حال الناس ومشاعرهم على اختلاف الطبقات الاجتماعية، فهناك صور معروضة لحفلات زفاف للطبقة المتوسطة وأخرى لطبقات شعبية في حقبة الستينيات، وهي مؤشر لطابع حياة الناس وقتها، أما الآن فصور الزفاف منمقة للغاية وبجودة عالية جداً، لكنها تختلف تماماً عن الصور القديمة، فالجميع يرفع هاتفه للتصوير ويفتقد أن يعيش اللحظة، وهذا أصبح واقعاً بالفعل".

وهنا يشير عبدالعزيز بدوي إلى أن "الأمر لا يزال يحتاج إلى كثير من الجهد والعمل، ولدينا كثير من المشاريع وعلى رأسها إطلاق موقع إلكتروني لأرشيف بدوي يعرض تراثه الفني مع تحويله بالكامل للصور الرقمية، فبعض الصور حالياً تجاوزت مفهوم الصورة وتحولت إلى شكل من أشكال الوثائق، ويمكن أن تفتح مجالاً للبحث والتعمق في مواضيع معينة على كل المستويات".

subtitle: 
وثقت عدسته ملامح عدة من تاريخ المدينة اجتماعياً وفنياً وسياسياً وأعماله تعرض للمرة الأولى وسط القاهرة
publication date: 
الاثنين, مايو 12, 2025 - 12:30
Read Entire Article