ARTICLE AD BOX
رغم مرور أكثر من شهر على الإفراج عنه، لا يزال الأسير الفلسطيني المحرّر من سجون الاحتلال الإسرائيلي، مصعب قطاوي (26 عاماً)، يتذكر يوم الإفراج عنه في 10 إبريل/ نيسان الماضي، وقد رسم السجانون على رأسه قبيل الإفراج عنه نجمة داود بواسطة ماكينة حلاقة.
ما جرى مع قطاوي يعدّ مؤشراً على حجم التنكيل الذي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون حتى اللحظات الأخيرة من الاعتقال، علماً أن قطاوي خرج مع معاناة صحية ونفسية. منذ اعتقاله في إبريل 2022 من مدينته قلقيلية شمال الضفة الغربية، تعرض قطاوي لظروف قاسية في التحقيق الذي امتد 65 يوماً، من دون مراعاة لوضعه الصحي نتيجة إصابة سابقة في رأسه بسبب سقوطه من الطابق الثاني. وبعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تعرض كباقي الأسرى للتنكيل والضرب والتجويع، وأصيب بمرض الجرب الذي صاحبه لأشهر طويلة. ويصف يوم الإفراج عنه بأنه يفوق ما لاقاه في السجن.
أُرجئ لقاء "العربي الجديد" مع قطاوي مرات عدّة بسبب وضعه الصحي، كما قالت عائلته. يقول لـ"العربي الجديد" إنه لم يستوعب بعد وجود الناس حوله، وأحياناً لا يصدق أنه قد أفرج عنه، بل يشعر أنه لا يزال في كابوس.
يوم الإفراج عنه، أُخرج وزميله الأسير المقدسي المحرّر أحمد مناصرة من سجن نفحة عند السادسة صباحاً، لتستمر رحلة العذاب حتى المساء. يشرح أن رحلة الإفراج عنه بدأت بتقييد الأسرى الذين يجري نقلهم بالأصفاد في الأيدي إلى الخلف، والأرجل، وربطهم مع بعضهم في سلسلة حديدية، واعتداء القوات عليهم بضربهم على أرجلهم وصدورهم. ويقوم السجانون بشد الأصفاد إلى الحد الأقصى، ليشعر وكأن يديه ورجليه ستقطع، فيما يشعر بالألم وكأنه يصل إلى العظام. يتابع: "حتى الآن أشعر أن عظامي غير طبيعية".
يُبقي السجانون الأسرى الذين ينوون الإفراج عنهم حتى ينتهوا من نقل الأسرى الذين وجهتهم المحاكم، ثم تبدأ عملية تنكيل أخرى بنقلهم إلى مكان يلقونهم فيه على الأرض، ثم يحلقون شعر رؤوسهم بطريقة مهينة. وضع السجانون وجه قطاوي في سلة نفايات، وبدؤوا بحلق شعره وسط صراخ وشتم وإهانات. وأخيراً، رسموا نجمة داود على رأسه بماكينة الحلاقة، ثم أجبر على خلع ملابسه وارتداء ملابس أخرى كانت رائحتها نتنة، وكأنها جلبت من وسط مكب للنفايات.
وكان مصعب قبل حوالى عام وأربعة أشهر قد أصيب بمرض الجرب في سجن مجدو، يقول: "لم أشفَ حتى الآن من المرض. من يرى جسدي يشفق عليّ، فهو عبارة عن بقع من آثار المرض. وأعاني حكة شديدة... حتى تنزل الدماء، فأضطر إلى تغيير ملابسي".
حالياً، يتلقى العلاج والرعاية، لكن كل شيء كان مختلفاً في السجن؛ فالإهمال الطبي أدى إلى استمرار المرض كل هذه الفترة. يقول إنه ذهب إلى عيادة السجن بعد فترة طويلة من الإصابة، ليتعرض للإهانة والاعتداء في طريقه إليها، وليقال له فيها إنه يكذب. يضيف أنه حرم الذهاب مرة أخرى إلى العيادة، ومنح حبة دواء قيل له إن مفعولها يستمر 40 يوماً، ثم مرهم أدى إلى تحسس أكبر لجسده.
#متابعة | الأسير المحرر مصعب قطاوي من قلقيلية عقب الإفراج عنه:
"تعرضنا أنا والأسير المحرر أحمد مناصرة للتنكيل قبل الإفراج عنا، حيث وُضعت رؤوسنا داخل حاويات القمامة وحُلق شعرنا بالكامل بشكل مؤلم".. pic.twitter.com/7e1LoGsDuZ
يقول قطاوي إن سبب المرض هو قلّة النظافة، والحرمان من مواد التنظيف والملابس؛ فقوات القمع بعد السابع من أكتوبر صادرت كل ممتلكات الأسرى ومتعلقاتهم الشخصية. وكانت إدارة السجن تزودهم بأكياس صغيرة فيها شامبو وصابون. لكنها بدلاً من مساعدته في النظافة، كانت تؤدي إلى تحسس جسده، ويوضح أنه في بعض الأحيان، كان يحرم من الاستحمام مدة شهر، وتبديل ملابسه لا سيّما الداخلية، وأصبح الأسرى يضطرون إلى خياطة تلك الملابس الداخلية التي اهترأت بعد فترة طويلة من استخدامها دون بديل.
ويعاني مصعب ألماً شديداً في البطن والخاصرة وإسهالاً، وأكد أطباء إن ذلك بسبب طبيعة الطعام الذي كان يأكله، وهو عبارة عن ملعقتي حساء وأرز، وملعقتي لبنة وعدد قليل من شرحات الخبز. أحياناً، كان يجمع الكميات الصغيرة لأيام عدة حتى يأكل وجبة مشبعة، علماً أنه كان يلحظ تكون العفن عليها، خاصّة الخبز.
وكان لزنازين التحقيق التي احتجز فيها خمسة وستين يوماً، تأثيرٌ كبيرٌ عليه وعلى وضعه الصحي، كان يعاني مشكلة في رأسه نتيجة إصابة سابقة بسبب سقوطه من الطابق الثاني، ولم يراعِ المحققون ذلك، ووضعوه في زنازين صغيرة وسط تعذيب نفسي، ما أدى إلى نقله إلى المستشفى. يقول إنه في إحدى المرات، وضع في حمام لثلاثة أيام، في ظل تحقيق قاسٍ وتعذيب نفسي، كما وضع فترة طويلة في ما يعرف بالمقابر، وهي غرف مغلقة تماماً، وكان يتنفس من خلال فتحة التكييف المركزي فحسب، ويصفها بالقبر الفعلي، وقد تمكن المحامي من تخفيف حكمه بعدما أثبت أن فترة التحقيق القاسية أدت إلى معاناته من مشاكل صحية ونفسية صعبة.
يضيف أنه يتحسن تدريجياً منذ الخروج من السجن، علماً أنه لا يزال غير مصدّق لكل ما حدث، حين يدخل إلى المنزل، يتخيّل أنه في السجن، ويرتاح أكثر حين يخرج إلى الهواء الطلق. يناشد قطاوي العالم بإيجاد حل لواقع الأسرى الصعب، محذراً من وصول أنباء عن استشهاد أسرى بالجملة بسبب سوء الأوضاع، ومنها الاقتحامات المتكررة للأقسام برفقة الكلاب البوليسية.
يتذكر قطاوي عدداً من الاقتحامات الصعبة التي تبدأ برش الغاز المسيل للدموع، ليشعر معه بأنه فارق الحياة، ثم ترش قوات القمع شيئاً يقول إنه كالأكسجين، ليشعر معها الأسير أنه عاد إلى الحياة، وبعد السيطرة على الأسرى يجري تجميعهم في مكان مقيدين، مع ضربهم بالعصي والأدوات الحديدية.
