ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">تواجد أمني في مقر حزب "جبهة العمل الإسلامي" بعد ساعات من حظر الجماعة (مواقع التواصل الاجتماعي)</p>
بعد مرور نحو شهر على قرار الحكومة الأردنية حظر جماعة "الإخوان المسلمين" واعتبارها كياناً غير مشروع، بدأت مؤشرات تحول هادئ تتسرب من داخل الجماعة، عبر سلوك سياسي متدرج وغير مسبوق لذراعها القانونية الوحيدة المتبقية وهو حزب "جبهة العمل الإسلامي".
الحزب، الذي وجد نفسه فجأة محاطاً بعزلة قانونية وسياسية متزايدة، بدأ يلمح إلى تنازلات غير معلنة أشبه بـ"إعادة التموضع السياسي"، وفق تعبير مراقبين يعتقدون أن لحظة الانفصال عن عباءة الجماعة التقليدية باتت ضرورة وجودية وليست خياراً أيديولوجياً.
وبينما تلتزم الجماعة الصمت الرسمي، تقرأ خطوات الحزب كنوع من التحول البراغماتي، في محاولة للبقاء ضمن المشهد السياسي الأردني المتغير والتكيف مع الحقائق القانونية الجديدة.
التجربة التركية
يأتي ذلك في ظل الحديث عن ميل القيادات الوازنة في الحزب إلى التفكير بتطبيق التجربة التركية ممثلة بـ"حزب العدالة والتنمية"، والتخلي تماماً عن أي ارتباط بالجماعة، والعمل عبر مظلة الحزب فقط من خلال منهج براغماتي محافظ مع دمج كوادر الجماعة المحظورة في قوائمه.
ويقول مراقبون إن هذا النموذج قد يكون طوق نجاة للإسلاميين في الأردن لضمان استمرار وجودهم حزبياً، لكنه يتطلب تغييراً إصلاحياً ومراجعات فكرية كبيرة للتحول من العمل ككيان مواز للدولة إلى العمل ضمن الدولة وتحت مظلتها، كما يتطلب الأمر خطاباً سياسياً أكثر انفتاحاً على الداخل والخارج مع المحافظة على القيم التقليدية.
ومع وجود مؤشرات إلى مراجعات داخل الحزب بعد حظر جماعة "الإخوان المسلمين"، إلا أن ثمة قيادات مؤثرة داخل "جبهة العمل الإسلامي" ما زالت تدين بالولاء الفكري لجماعة "الإخوان"، ولم تسلم بعد بحقيقة حظر الجماعة، مما يجعل من مهمة بناء شرعية جديدة للحزب أمراً صعباً، فحتى اللحظة، لم يعلن الحزب صراحة عن وثيقة مراجعة فكرية شاملة أو تحول تنظيمي جذري، كذلك فإن الحزب يدار حتى الآن من قبل الحرس التقليدي المرتبط تاريخياً بـ"الإخوان"، ولذلك فإن أحد التنازلات المتوقعة حصول انتخابات داخلية تفضي إلى تغيير شامل في الهرم القيادي لمصلحة التيار الشاب والأكثر انفتاحاً على الحكومة.
وإلى جانب السيناريو التركي، تقول مصادر في الحزب إن ما هو مطروح من سيناريوهات بديلة استمرار الجبهة بصيغتها الحالية، مع تلطيف الخطاب الموجه للحكومة والشارع الأردني وتهذيبه، وفي أسوأ الأحوال تفكيك الحزب وتلاشيه تدريجاً أو الاندماج مع أحزاب محافظة وشخصيات حزبية مستقلة.
غزل سياسي
ووفق مصادر تحدثت إلى "اندبندنت عربية" فإن البيان الذي أصدره حزب "جبهة العمل الإسلامي"، واصطف فيه إلى جانب الدولة الأردنية ضد منصات إعلامية إخوانية خارجية كان بمثابة غزل سياسي من قبل الحزب في محاولة منه لتلافي أي إجراء حكومي قد يطاوله مستقبلاً على خلفية الإجراءات ضد "الإخوان". وندد الحزب، بلغة قاسية غير مسبوقة، بتقارير صحافية صدرت، الأسبوع الماضي، وادعت تقاضي الأردن أموالاً جراء الإنزالات الجوية والمساعدات في إغاثة قطاع غزة، ورفض الحزب أي محاولة للمساس بالدور الإغاثي الأردني وخص بالذكر الدور الرئيس الذي تلعبه هيئة الإغاثة الهاشمية الأردنية.
ويعول الإسلاميون على هذا الموقف ومواقف أخرى لتخفيف حدة التوتر مع السلطات التي ألمحت، قبل أيام عبر الهيئة المستقلة للانتخابات، بوجود ملفات تتضمن مخالفات قام بها الحزب وأُحيلت إلى الادعاء والنيابة.
وبانتظار ما ستسفر عنه محاكمة الخلية الإخوانية من قبل محكمة أمن الدولة، فإن حزب "جبهة العمل الإسلامي" في مرحة ترقب وقلق، بخاصة أن ثلاثة من أفراد الخلية هم أعضاء في الحزب، وفي حال إدانتهم فإن ذلك يعني ضمنياً إدانة الحزب واهتزاز مركزه القانوني والحزبي، ولذلك فإن قيادات في الجبهة تحاول، منذ أيام، تأمين حوار مع الحكومة للنأي بنفسها عن أي استهداف في المستقبل، بموازاة لغة خطاب مهادنة للحكومة فهم منها أنها محاولة لإصلاح الضرر الذي تسببت به الجماعة على صعيد العلاقة التاريخية بين "الإخوان" والسلطات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صمت استراتيجي وانتظار
وعلى رغم قرار حظرها الرسمي والنهائي، فإن ثمة صمتاً استراتيجياً يُمارس بانتظار مخرج سياسي وقضائي للأزمة التي نجمت، بالأساس، عن تورط أفراد في الجمعية بالخلية الإرهابية التي ضُبطت.
ويعول الإسلاميون كذلك على توازنات داخلية وخارجية قد تفرض نفسها على خط الأزمة والرهان على تغيير ما في المزاج الرسمي، بحيث يمكنها إعادة التموضع مجدداً.
لكن مصادر داخل الحكومة تؤكد أنها ماضية في قرارها ولا عودة عنه بل أصبح أمراً واقعاً لا يمكن العدول عنه، بخاصة بعد توظيف وسائل إعلام ومنصات خارجية محسوبة على "الإخوان" لخطاب معاد للدولة الأردنية وقراراتها ونهجها السياسي.
فك ارتباط
ويؤكد المدير العام لمركز "ستراتيجكس" للدراسات حازم الضمور أن رسم مسارات المرحلة المقبلة يعتمد، بصورة أساسية، على التحقيقات الأمنية ومدى ارتباط حزب الجبهة بذلك، ويضيف "من شأن بقاء حزب جبهة العمل مرخصاً وفاعلاً، أن يخلق ديناميكيات جديدة للحركة الإسلامية، فهو يشكل ظهيراً أساساً للجماعة المحظورة بخاصة أن عدد أعضاء الحزب لا يتعدى 1230 عضواً، وبذلك، يجد الحزب نفسه أمام خيارات محدودة، أولها النأي بنفسه عن التطورات الجارية، وفصل ارتباطه بشكل حقيقي وكلي عن الجماعة المحظورة، لكن سيترتب عن ذلك فقدان القواعد الانتخابية التقليدية للجماعة المحظورة، وقدرتها على التعبئة والتحشيد، وحتى تمويل حملاتها الانتخابية"، ويشير الضمور إلى إمكان أن يلجأ الحزب إلى العمل بشكل صامت على استيعاب المتعاطفين والمؤيدين وأفراد الجماعة المحظورة غير الضالعين في قضايا أمنية بين صفوفه، سواء كان ذلك بالانتساب رسمياً إلى الحزب، أو من خلال فتح قنوات تواصل بديلة معهم عن الجماعة المحظورة.
فزاعة الملف المالي
في السياق ذاته أمهلت الحكومة الأردنية، مدة شهر واحد فحسب، تحت طائلة المسؤولية القانونية، كل من لديه أموال منقولة أو غير منقولة وتعود ملكيتها لجماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة بمراجعة اللجنة التي كلفت بمصادرة أموال الجماعة وإجراء تسوية لهذا الملف خلال أربعة أسابيع.
ويبدو أن حزب "جبهة العمل الإسلامي" حاول أن يستبق أي إجراء مالي ضده بسبب التداخل التنظيمي بينه وبين الجماعة، إذ اعتقل، قبل أسابيع، رئيس مجلس شورى الحزب أحمد الزرقان. ووفق مصادر في "جبهة العمل الإسلامي"، فإن من بين الإجراءات التي ينوي الحزب القيام بها لاسترضاء الحكومة وتجنب الصدام معها هو إجراء انتخابات داخلية تؤدي إلى تغيير المنظومة القيادية الحالية في الحزب، والتي يعدها مراقبون أحد أسباب التأزيم.
ويأتي هذا التوجه بموازاة حال من التجاذبات الحادة داخل الحزب الذي ينظر إليه باعتباره الوريث السياسي والقانوني لجماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة.