ARTICLE AD BOX

<p>الاتفاق التجاري بين بريطانيا والولايات المتحدة يعد إنجازاً لكير ستارمر (غيتي)</p>
يتعالى تهليل أنصار "بريكست"، يقولون إن الاتفاقين التجاريين الرئيسين اللذين جرى التوصل إليهما في أسبوع واحد دليل على مدى صواب موقفهم منذ البداية: أن بريطانيا لن تزدهر إلا بعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي.
بغض النظر عن أن الاتفاقين يثيران انتقادات – الاتفاق مع الهند بسبب إعفاء الموظفين الموفدين من شركات هندية إلى المملكة المتحدة من تسديد رسوم التأمين الوطني البريطاني، والاتفاق مع أميركا بسبب نطاقها الضيق ومحدودية تنازلات واشنطن – لا شك في أنهما يمثلان إنجازاً للسير كير ستارمر وفريقه.
لقد استغرق التوصل إليهما وقتاً طويلاً لكن هذا لا يجعلهما أقل جدارة بالثناء. نعم، إنهما يندرجان بالضبط في ذلك النوع من الاتفاقات الذي وعدنا به عندما غادرنا الاتحاد الأوروبي. لقد جرى التأكيد لنا في ذلك الوقت أن بريطانيا ستتمكن من المضي قدماً وحدها والتفاوض مع دول أخرى بعيداً من عوائق الكتلة الأوروبية.
فلماذا إذاً، في اليوم نفسه الذي أجرى فيه دونالد ترمب وستارمر محادثة هاتفية غير معتادة اتسمت بما يشبه الود، صرح محافظ بنك إنجلترا [مصرف بريطانيا المركزي] أندرو بيلي بأن على المملكة المتحدة أن تبذل كل ما في وسعها لإعادة بناء تجارتها مع الاتحاد الأوروبي؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قال بيلي، منتقياً كلماته بعناية: "سيكون وجود اقتصاد أكثر انفتاحاً على التجارة مع الاتحاد الأوروبي سيكون أمراً مفيداً، لأن تجارة السلع مع الاتحاد قد شهدت تراجعاً خلال الأعوام الماضية".
مما لا شك فيه أن بيلي تجنب إثارة خلاف وإعادة فتح جروح الاستفتاء على "بريكست"، فرفض تقديم تقييم لـ"بريكست". لم يكن في حاجة إلى ذلك. تتحدث النتائج عن نفسها: الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة، لكن في المجالات الرئيسة مثل المأكولات والمشروبات، انخفضت الصادرات بأكثر من الثلث منذ مغادرتنا الكتلة.
هنا تكمن الأعمال والمكاسب التي نحتاج إليها بشدة وتخلينا عنها طواعية. ولا يقتصر الأمر على ذلك، لكن حيثما لا تزال الرسوم الجمركية قائمة، تضطر الشركات البريطانية إلى التغلب على إجراءات إدارية وحواجز لم تكن موجودة عندما كنا جزءاً من الاتحاد.
هذا أمر يتجاهله أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي عمداً، بل إنهم وجدوا متعة في رؤية بيتر ماندلسون، أحد أبرز مناصري البقاء سابقاً، واقفاً ومبتسماً إلى يسار ترمب أثناء توقيع الرئيس على الاتفاق التجاري. كانت لحظة ساخرة بحق، ومع أن سفير المملكة المتحدة في واشنطن من المرجح أنه دبلوماسي بما يكفي لئلا يعبر عن رأيه صراحة، إلا أنه مع ذلك يأسف على اليوم الذي غادرنا فيه الاتحاد.
كان من الأفضل أن نبقى في الاتحاد وأن نتوصل إلى تسوية أكثر مرونة مع جيراننا. لكن ذلك لم يكن خياراً مطروحاً: كان الخيار بين الأسود والأبيض فحسب، وصوتنا لمصلحة الخروج.
أما ماندلسون، كحال بيلي، فيضطر إلى السير على حبل سياسي مشدود. أما في تجمعات قادة الأعمال في بريطانيا، فقلما نجد مثل هذا التوازن. فحتى بعد مرور خمسة أعوام على "الاستقلال"، عندما يسألون، كما يحدث كثيراً، عن رأيهم في "بريكست"، تكون الإجابة في الغالب الساحق سلبية.
في مناسبة استضافتها لندن، وحضرتها شركات خاصة صغيرة ومتوسطة من مختلف أنحاء بريطانيا كلها، كان الرفض برفع الأيدي شاملاً، باستثناء شخص واحد جلس في الصف الأمامي كان عضواً محافظاً في مجلس اللوردات وناشطاً في حملات التشكيك في الاتحاد الأوروبي. وقد بدا عليه الحرج، وقال إنه لم يكن أمامه خيار آخر، إذ إن عدم تأييده سيوصمه بالنفاق.
ومع ذلك لن نعاود الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولو توافر الخيار، لن يتوافر في أي وقت قريب. لا فائدة من التخبط في الماضي، كما يفعل كثير من دعاة البقاء في الاتحاد الأوروبي، ولا من تخيل باب الكتلة مفتوحاً بما يمكننا بطريقة ما من التسلل ومتابعة عضويتنا كما لو أن شيئاً لم يكن. لقد تجاوزت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ما جرى، ولا تزال المشاعر المناهضة للاتحاد الأوروبي مستعرة، ليس فقط هنا لكن في أنحاء أوروبا كلها. واليوم فهي مدفوعة بالمخاوف في شأن الهجرة، كما يتضح من صعود نايجل فاراج وحزب "ريفورم" هنا وبروز أشخاص وأحزاب مشابهين في الدول الأعضاء في الاتحاد.
هذا الأسبوع فحسب، وجد استطلاع للرأي في إيرلندا أن دعم عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي يسجل أدنى مستوى له منذ عام 2012. واستشهد الاستطلاع بسياسات الهجرة باعتبارها السبب الأكبر الذي يجعل الناس يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي يسير في الاتجاه الخاطئ. تقع إيرلندا، على غرار المملكة المتحدة، في قبضة أزمة إسكان. للمخاوف من الأزمة وحركة الناس أسبقية على سهولة حركة المنتجات.
مع ترمب، كانت بريطانيا أول من توصل إلى تفاهم. إنه يتحدث لغتنا، ونعرف كيف نجامله، وهو يعشق الارتباط بالملكية، وقد ألمحنا له إلى أن احتمال عودة ملعبه للغولف في تيرنبري، اسكتلندا، إلى جدول بطولة بريطانيا المفتوحة قد ازداد — نعم، هذا مهم بالفعل في النظام الترمبي الجديد. لكن ذلك لا يعني أننا سنظل وحدنا، فدول أخرى ستسير على النهج نفسه، منها الاتحاد الأوروبي. قد يرى أنصار "بريكست" في ذلك تبريراً لاختياراتهم، لكنه تبرير في غير محله. لقد سبقنا الآخرين وحسب، لا أكثر.
يذكرنا ما يجري بالجائحة واللقاحات. وقتذاك، قيل لنا إن عزلتنا التي فرضناها على أنفسنا مكنتنا من إيجاد حل لمكافحة كوفيد. وهذا ما حدث بالفعل، لكن الفارق لم يتجاوز بضعة أسابيع، إذ سرعان ما لحق الاتحاد الأوروبي بالركب. لم يكن ذلك انتصاراً بريطانياً فريداً كما حاول بعضهم تصويره، مستحضرين مجدنا الماضي المليء بالابتكار والتفوق العالمي.
هذه هي حالنا مع ترمب. الحقيقة، كما ذكر بيلي، تفيد بأننا يجب أن نتوصل لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي. الاتفاقات مع الولايات المتحدة والهند وأي دول أخرى لن تكون كافية. نحن نريدها، بالطبع نريدها، لكن ما نحتاج إليه هو اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
في قلب لندن التجاري، يمتدح المرء على ما سيبرمه من صفقات وليس على ما أبرمه منها. هذا هو النهج الذي يجب أن يتبناه ستارمر وآخرون. ابتهجوا بكل ما لديكم من طاقة بالتوافق مع ناريندرا مودي – حاولت إدارات حزب المحافظين السابقة ذلك وفشلت – وبالمثل، بالتوافق ترمب. لكن بعد الاحتفال، اسعوا إلى توافق مع الاتحاد الأوروبي. عندها فقط يمكن تعويض بعض الأضرار الناجمة عن "بريكست".