ARTICLE AD BOX
انطلقت المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الشمال وعكار في لبنان عند الساعة السابعة صباحاً بتوقيت بيروت وسط تدابير أمنية مكثفة في محيط مراكز الاقتراع مع مواكبة أشرف عليها الرئيس جوزاف عون من غرفة العمليات لقوى الأمن الداخلي.
واعتبر عون أن "الانتخابات البلدية والاختيارية ليست بسياسية إنما إنمائية"، مناشداً المواطنين أن "يصوتوا ليس للشخص إنما للمشروع الذي يبقى الأساس في إنماء القرى والمدن"، متمنياً أن "يكون الإقبال كثيفاً". وقال عون "تمنياتي لأهلنا في الشمال أن يصوتوا وفقاً لقناعاتهم ومن يمثلها، ومن يمثل مشروعهم الإنمائي وهذا هو الأساس"، مشدداً على "عدم السماح للعامل المالي أن يندس في ما بينكم لأن من يشتريك الآن سيبيعك لمدة ست سنوات". وأكد رئيس الجمهورية أننا "نتطلع إلى أن يعطي هذا الأمر انعكاساً إيجابياً للانتخابات النيابية في مايو/أيار المقبل"، مشدداً على أن "الاستحقاقات الدستورية سوف تنفذ بوقتها".
من جهته، قال وزير الداخلية أحمد الحجار إنّ العملية الانتخابية انطلقت صباحاً بسلاسة وهدوء، وهناك عدد قليل من الأقلام لا يتجاوز 3 أو 4 حصلت فيها بعض النواقص وتمت معالجتها، مشيراً إلى أنْ "لا أحداث أمنية سجلت صباحاً"، آملاً أن يكون النهار هادئاً ومليئاً بممارسة الديمقراطية بكل حرية ونزاهة. وأعلن الحجار أنّ حالة رشوة انتخابية ضبطت صباحاً من قبل مديرية أمن الدولة، وجرى التحقيق فيها بالتنسيق مع القضاء المختص، بحيث تقدّم أحد المواطنين باعتراف واضح وصريح بذلك، داعياً إلى عدم مخالفة القوانين والتعليمات واضحة بعدم التهاون بأي مخالفات، متمنياً على المواطنين الإقبال بكثافة على الاقتراع لممارسة الحق الديمقراطي بعد سنوات من الانتظار.
ويطغى على الاستحقاق اليوم الطابع العائلي رغم دخول القوى السياسية التقليدية في بعض المعارك، ودعمها عدداً من اللوائح، على صعيد أقضية طرابلس، زغرتا، الكورة، بشري، البترون، المنية الضنية، وكذلك في محافظة عكار، مع تسجيل تحالفات لافتة، تجمع الأضداد من الأحزاب، ولا سيما في طرابلس، والبترون، خصوصاً أنّ أنظارها تتجه أكثر إلى الفوز برئاسة اتحاد البلديات، علماً أن الغائب الأبرز عن الانتخابات يبقى تيار المستقبل بقرار من رئيسه سعد الحريري بعدم التدخل بها، لا ترشيحاً ولا تأييداً.
وشهدت مراكز الاقتراع بمعظمها إقبالاً خجولاً في ساعات الصباح من قبل الناخبين، أكثرها، سُجّل في البترون، وسط توقعات بأن ترتفع بعد الظهر وقبيل إقفال صناديق الاقتراع عند الساعة السابعة مساءً مع تسجيل بعض الشكاوى من قبل المندوبين ما أسفر عن تأخير فتح عددٍ من الأقلام، إضافة إلى عدم جاهزية معظم المراكز لاستقبال الناخبين من ذوي الإعاقة وكبار السن.
ورصدت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي) العديد من المخالفات في ساعات الصباح الأولى، من بينها، غياب المعازل في أقلام الاقتراع في مدرسة بطرماز الرسمية – قضاء الضنية، فيما أدى الحضور الكبير لمندوبي اللوائح المتنافسة إلى فوضى وتدافع وإشكالات متكررة في مدرسة بخعون الفنية في قضاء الضنية، كما رصد حصول عمليات اقتراع خارج العازل مرات عدة في ثانوية مرياطة الرسمية في قضاء زغرتا.
ومن مدينة طرابلس، عاصمة الشمال، كانت جولة لـ"العربي الجديد"، على بعض مراكز الاقتراع، حيث تتنافس ستّ لوائح، وتعدّ المعركة الانتخابية فيها حامية، رغم أن غالبية القوى السياسية، بتنوعاتها وأضدادها، توحّدت في لائحة واحدة مكتملة، بينما يحاول المجتمع المدني أن يحقق نتائج تجعله يكسب بعض المقاعد أو يخرقها، رغم أنه فشل في تأليف لائحة واحدة، ما يقلّل حظوظه.
ولم تُسجَّل حركة ناشطة في ساعات الصباح الأولى في طرابلس نحو مراكز الاقتراع، هذه المدينة وإن ارتدت بمعظم شوارعها وأحيائها، صور اللوائح والمرشحين، بيد أن مواطنيها، عبّروا عن امتعاضهم من غياب أي رؤية إنمائية جدية، تواكب مشكلات الناس الذين يعانون البطالة والفقر ويواجهون يومياً تحديات مع ارتفاع معدلات الجرائم والحوادث والإشكالات الأمنية.
ورصد "العربي الجديد" العديد من المخالفات خلال جولته على المراكز في الثانويات الرسمية، خصوصاً لناحية دخول أشخاص مع ناخبين كبار السن إلى خلف المعزل، أو دخول مندوبين للإدلاء بصوتهم عنهم، وذلك في خرق لسرية الاقتراع، في حين كان لافتاً مرافقة العديد من العاملين في الماكينات الانتخابية التابعة لمرشحين للناخبين إلى داخل مراكز الاقتراع، وتوزيع المندوبين للوائح داخل مراكز الاقتراع وهو ما يشكل ضغطاً على الناخبين.
وتحدث "العربي الجديد"، إلى عددٍ من الناخبين أثناء خروجهم من مراكز الاقتراع، بحيث التقت آراؤهم على مطالبة المجلس البلدي الجديد بالقيام بمشاريع إنمائية للمدينة، معبّرين عن انزعاجهم بما أسموه "أكاذيب" المسؤولين حيال الوعود التي لا تنفذ ميدانياً، مشددين على حاجة المدينة إلى أبسط الخدمات على رأسها المياه، والكهرباء، مع ضرورة إزالة النفايات من الشوارع، وتشديد الأمن في ظلّ ارتفاع معدلات الإشكالات والحوادث الأمنية مع تفلّت السلاح وغياب المحاسبة والتدابير الرادعة.
ويقول أحد المواطنين وهو متوجه إلى مركز الاقتراع لـ"العربي الجديد"، إنه رغم عدم تفاؤله بحصول أي تغيير، في ظلّ الوجوه السياسية نفسها التي تحكم المنطقة وتتحكّم فيها، لكنه يريد ممارسة حقه الديمقراطي، ويريح ضميره الوطني، بالمشاركة بالعملية الانتخابية.
في المقابل، وأمام مقهاه الصغير، يجلس رجل سبعيني، ويشاهد التلفاز، مواكباً العملية الانتخابية، التي رفض المشاركة فيها، مكتفياً بالقول لـ"العربي الجديد": "مرّ عليّ العديد من المجالس البلدية، وكلها رفعت شعارات رنّانة ووعوداً وردية، بيد أنّها كذبت على الناس، وفشلت في تحقيق أي من المشاريع، وها هنا اليوم، لا نزال من المدن الأكثر حرماناً وتهميشاً وفقراً، رغم أنها في الوقت نفسه تضمّ أغنى الأغنياء وكبار رجال السياسة الذين تولوا أهم المواقع في الدولة، بينها رئاسة الحكومة، وهذه المشهدية ستبقى في ظل وجود طبقة سياسية تضع مصلحتها أولاً غير مكترثة بشعبها. فلِمَ أصوّت؟".
وحال هذا الرجل، كحال العديد من المواطنين الذين جلسوا في المقاهي، يتحدثون عن الاستحقاق البلدي، ويأملون أن ينتهي اليوم على خير، بلا أحداث أمنية، لكنهم يفضلون عدم المشاركة في العملية الانتخابية، لأن "لا أمل" على حدّ تعبيرهم بحصول أي تغيير، فالوجوه السياسية والزعامات التقليدية، هي نفسها، ستبقى، مهما أعلنت أنها لا تتدخل في الانتخابات، والمناكفات السياسية ستبقى على حالها.
