الانتخابات المصرية: قوانين ثابتة ومعارضة منقسمة وأحزاب موالية مهيمنة

7 hours ago 2
ARTICLE AD BOX

رغم اقتراب موعد الانتخابات المصرية بعد أشهر (يفترض أن تجرى نهاية العام)، لم تُجر السلطات أي تعديلات جوهرية على قوانين الانتخابات النيابية، سواء لمجلس النواب أو مجلس الشيوخ. ويبدو أن النظام الانتخابي سيبقى على حاله في المشروع الذي تقدم به، أول من أمس، النائب عبد الهادي القصبي، زعيم الأغلبية التي تسيطر عليها أحزاب السلطة، وذلك بواقع 50% للقوائم المغلقة و50% للنظام الفردي في مجلس النواب المكوّن من 568 مقعداً، موزعة بواقع 284 للقوائم ضمن أربع دوائر، و284 للفردي موزعة على 143 دائرة. أما مجلس الشيوخ، فيُنتخب 200 من أعضائه بالقاعدة نفسها: 100 مقعد للقوائم المغلقة في أربع دوائر و100 للفردي في 27 دائرة، بينما يعيّن رئيس الجمهورية 100 عضو إضافي في الشيوخ و30 في النواب. كذلك، تُخصص 25% من مقاعد مجلس النواب للمرأة و10% في الشيوخ. وهو ما يكشف عن استمرار العمل بالقانون القديم نفسه، مع زيادة مقعدين فقط لقائمتي القاهرة والجيزة من قائمتي مطروح والدلتا.

تقف المعارضة، وخاصة الأحزاب المنضوية تحت مظلة الحركة المدنية الديمقراطية، في حالة من الترقب والعجز

وعلى الصعيد الميداني، وبينما تتسارع وتيرة التحضيرات داخل الأحزاب المحسوبة على السلطة، وتتشكل القوائم الانتخابية كأنها تستكمل مشهداً معروفاً مسبقاً، تعاني قوى المعارضة في مصر حالة من الشلل السياسي والانقسام الداخلي، وسط تأخر حاسم في إصدار التعديلات المنتظرة على قانون الانتخابات المصرية وتقسيم الدوائر، ما يجعل المشهد الانتخابي المقبل مكرراً سيناريوهات الهيمنة السياسية ومحدودية التنافس الحقيقي.

ورغم أن الاستحقاق الانتخابي البرلماني لا تفصل البلاد عنه سوى أشهر قليلة (يجب أن يجرى في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل) لم يصدر حتى الآن أي قانون ينظم العملية الانتخابية أو يُحدد شكل الدوائر أو النظام الذي ستجرى على أساسه الانتخابات. في المقابل، تبدو أحزاب الموالاة وكأنها في حلبة انتخابية شبه محسومة. فقد أعلنت هذه الأحزاب - وفي مقدمتها حزب الجبهة الوطنية - تشكيل لجانها المركزية والانتهاء من قوائمها الانتخابية الأولية. وبدأت في تفعيل حملاتها الميدانية، ما يعكس امتلاكها معلومات مسبقة، أو على الأقل تطمينات من جهات رسمية بشأن شكل مشهد الانتخابات المصرية المقبلة.

المعارضة في حالة ترقب وعجز

في المقابل، تقف المعارضة، وخاصة الأحزاب المنضوية تحت مظلة الحركة المدنية الديمقراطية، في حالة من الترقب والعجز، إذ لا تملك رؤية واضحة عن طبيعة المعركة ولا عن ضمانات المنافسة، ما يزيد من حدة التوتر والانقسام داخل صفوفها. وألقى اجتماع الحركة المدنية الديمقراطية، الذي عقد الأسبوع الماضي، الضوء على عمق الأزمة الداخلية التي تعصف بالمعارضة. فقد تناول الاجتماع مصير مشاركة الأحزاب المدنية في الانتخابات المصرية المقبلة، لكنه أظهر انقساماً بين تيارين داخل الحركة: الأول يدعو إلى المقاطعة أو الاشتراك بشروط واضحة تضمن الحد الأدنى من النزاهة والتعددية، والثاني يفضل المشاركة بأي ثمن، ولو عبر التنسيق مع أحزاب السلطة لضمان التمثيل النيابي.

هذا الخلاف ليس جديداً، لكنه بات أكثر حدة في ظل الضغوط الزمنية وصعوبة الرهان على أي إصلاح تشريعي أو سياسي قبل بدء الانتخابات. وقد أبدت بعض أحزاب الحركة، مثل حزب المصري الديمقراطي وحزب الإصلاح والتنمية، مرونة تجاه فكرة الدخول في قوائم مشتركة في الانتخابات المصرية مع أحزاب السلطة أو أحزاب قريبة منها. وفي المقابل، تحفظت أحزاب أخرى، مثل الكرامة والتحالف الشعبي الاشتراكي، من هذا الخيار، معتبرة إياه نوعاً من "التمويه السياسي" الذي يمنح شرعية لعملية انتخابية تفتقر إلى مقومات التنافس الحر.


محمد أنور السادات: الكل ينتظر صدور القانون الانتخابي وتقسيم الدوائر

ويرى خبراء ومراقبون أن تأخر إصدار قانون الانتخابات المصرية يضرب في الصميم قدرة المعارضة على التخطيط الاستراتيجي. فحتى هذه اللحظة، لا تعرف الأحزاب ما إذا كانت الانتخابات المصرية ستُجرى بالنظام الفردي بالكامل، أو بنظام القوائم، أو بمزيج منهما. كما لا تتوفر معلومات دقيقة حول توزيع الدوائر أو عدد المقاعد أو نسب تمثيل المرأة والشباب والمصريين في الخارج. ولا يعيق غياب هذه المعلومات فقط عملية إعداد المرشحين، بل يفقد المعارضة قدرتها على بناء تحالفات انتخابية حقيقية أو تنظيم حملات تعبئة فعالة. وبحسب مصادر داخل الحركة المدنية، فإن التواصل مع مؤسسات الدولة للحصول على ضمانات تنظيمية فشل في تحقيق أي اختراق، في وقت تعمل فيه "أحزاب الدولة" وكأن القانون أصبح في جيبها.

ملامح الانتخابات المصرية المقبلة

وفي ظل هذا الواقع، تبدو ملامح الانتخابات المصرية المقبلة أقرب إلى مشهد منضبط ومغلق يُعاد إنتاجه بإتقان، حيث يقتصر التنافس الفعلي على دوائر محدودة، وتُعاد هيكلة البرلمان بطريقة تضمن السيطرة على مخرجاته التشريعية والسياسية. ومع غياب فاعلية المعارضة، وتفكك صفوفها، وتضاؤل فرصها في بناء خطاب بديل أو تقديم قوائم منافسة، يتحول استحقاق الانتخابات المصرية المرتقب إلى مجرد إجراء شكلي لا يحمل أي أمل في التغيير أو التوازن السياسي. ويقول خبراء إن أخطر ما تكشفه هذه التطورات هو أن العملية الانتخابية لم تعد ميداناً للتفاعل الديمقراطي، بل أداة لإعادة إنتاج السلطة بشكل محكم، تحت مظلة من الشرعية الشكلية، فيما تقف المعارضة على الهامش، تعاني الانقسام وتفتقر إلى الرؤية والموارد والأمل.

الكل ينتظر قانون الانتخابات

وفي السياق، يقول رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات إن ملف الانتخابات المصرية المقبلة، سواء لمجلس النواب أو مجلس الشيوخ، لا يزال في مرحلة الترقب والانتظار، مشيراً إلى أن غالبية الأحزاب بدأت التحضير فقط على مستوى المقاعد الفردية من خلال اختيار كوادرها ذات القدرة على المنافسة، في حين لم تُحسم بعد أي تحالفات حزبية، سواء داخل الحركة المدنية أو خارجها، بسبب عدم وضوح الصورة القانونية والتنظيمية. ويوضح السادات، لـ"العربي الجديد"، أن "الكل ينتظر صدور القانون الانتخابي وتقسيم الدوائر الانتخابية، المتوقع الإعلان عنه خلال الأيام العشرة المقبلة، بحسب ما يتردد"، مضيفاً أن "معرفة شكل القوائم، وما إذا كانت ستُعتمد على مستوى المحافظات أو بنظام آخر، هو ما سيفتح الباب أمام المشاورات حول التحالفات المحتملة".

ويشدد السادات على أن الحديث عن تحالفات سياسية في هذه المرحلة لا يزال سابقاً لأوانه قائلاً: "لن تبدأ أي تحركات جدية في هذا الشأن إلا بعد ظهور الشكل النهائي للانتخابات، سواء من حيث القانون أو طبيعة تقسيم الدوائر". ويؤكد أن الأحزاب تنتظر أيضاً ما ستتضمنه القواعد المنظمة من ضمانات قانونية ودستورية تتولاها الهيئة الوطنية للانتخابات، مثل ضبط الدعاية السياسية، وضمان الشفافية، ومراقبة المال السياسي، وتوفير مناخ إعلامي محايد، مشيراً إلى أن "كل هذه العوامل ستحدد في النهاية ما إذا كانت الأحزاب ستشارك فعلياً وبأي صيغة، أم ستتراجع عن ذلك".


علاء الخيام: النتائج تُطبخ في غرف مغلقة تحت إشراف الأجهزة الأمنية

من ناحيته، يقول المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية عمرو هاشم ربيع، لـ"العربي الجديد"، إن قانون الانتخابات المصرية المقبلة سيصدر، على الأرجح، على نحو مفاجئ، كما جرت العادة في القوانين السياسية الكبرى منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، موضحاً أن "قوانين الأحزاب والطوارئ والنقابات والمجتمع المدني كانت تصدر دائماً من دون تشاور حقيقي أو تمهيد، وبالتالي، لا جديد في أن يصدر قانون الانتخابات المصرية بالطريقة نفسها". ويضيف ربيع أن الحوار الوطني كان أوصى بضرورة اعتماد نظام القوائم النسبية المغلقة في الانتخابات البرلمانية المقبلة باعتباره أكثر عدالة وتمثيلاً، لكنه استدرك قائلاً: "من الواضح أن ذلك لن يحدث، وأننا سنعود إلى النظام الانتخابي القديم نفسه، الذي يُصمم لتكريس نفوذ أحزاب بعينها، وعلى رأسها حزب مستقبل وطن" الموالي. ويشير إلى أن القانون المنتظر "سيهبط بالبراشوت"، كما وصف، ومن المتوقع أن يحتفظ حزب مستقبل وطن بمكانة معتبرة داخل التشكيل البرلماني، لا سيما بعد إنفاقه مبالغ ضخمة على إعداد قوائم مرشحيه، مؤكداً أن هذا الترتيب يضمن له مكاناً في "القائمة الوطنية" التي يُرجّح أن تستأثر مجدداً بالمشهد الانتخابي.

ويلفت إلى أن الخطاب الإعلامي الذي يصاحب هذه اللحظات معروف مسبقاً، حيث يُروّج لفكرة أنه "لا يوجد بديل"، وأن "البلد لا يحتمل التغيير"، وأن "الرئيس صاحب الخبرة هو الوحيد القادر على مواجهة التحديات"، وهي العبارات نفسها التي كانت تُقال في الماضي عن مبارك، وتُكرَّر الآن مع السيسي، بحسب قوله. ويشير إلى أن غياب أي بوادر لإعداد قيادة بديلة، أو تصعيد شخصية سياسية أو عسكرية جديدة في المشهد، يؤكد أن النظام لا يفكر حالياً في أي انتقال منظم للسلطة، مضيفاً: "لو كانت هناك نية للتغيير، لكنا رأينا مؤشرات مثل تعيين نائب للرئيس، أو تمكين شخصية جديدة من دوائر القرار. لكن حتى الآن، لا شيء من هذا يحدث".

علاء الخيام: اللعبة تُدار خارج إطار الشفافية

من ناحيته، يقول علاء الخيام، منسق تيار "الأمل" وعضو الحركة المدنية الديمقراطية، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن ما يجري على الأرض من تحركات لأحزاب مثل ما يُعرف بـ"الجبهة الوطنية"، في ظل الغياب الكامل لقانون الانتخابات المصرية وتأخر تقسيم الدوائر، لا يمكن اعتباره نشاطاً طبيعياً في سياق ديمقراطي، بل هو "مؤشر واضح على أن اللعبة تُدار خارج إطار الشفافية، وأن ثمة من يمتلك معلومات لا تُتاح لبقية الفاعلين السياسيين". ويضيف أن التحرك المبكر والعلني لتلك الأحزاب، قبل الإعلان عن القواعد المنظمة للعملية الانتخابية، يكشف بوضوح أن "الخريطة مرسومة سلفاً، وأن النتائج تُطبخ في غرف مغلقة تحت إشراف الأجهزة الأمنية"، معتبراً أن ذلك يمثل "امتداداً لنهج مصادرة الإرادة الشعبية واحتكار المجال العام".

ويقول الخيام: "نحن أمام مشهد لا يدع مجالاً للشك: هناك محاولة ممنهجة لإخضاع السياسة لوصاية أمنية شاملة، وتفريغ الانتخابات المصرية من مضمونها، وتحويلها إلى عرض شكلي لإنتاج برلمان مطيع بلا شرعية". ويشدد على أن المعارضة المصرية لم تعد تملك رفاهية التردد أو التشتت، مؤكداً أن "المطلوب اليوم، وبإلحاح، هو موقف موحد وتشكيل جبهة ديمقراطية واسعة ترفض هذا العبث، وتطالب بضمانات حقيقية لأي استحقاق انتخابي، تبدأ برفع القبضة الأمنية عن الحياة السياسية، وفتح المجال العام، والإفراج عن المعتقلين السياسيين". ويتابع: "إما أن نتوحد دفاعاً عن الحق في التغيير السلمي، أو نُترك فرادى في مواجهة مشهد مغلق يُدار بالكامل لصالح قوى بعينها. هذه لحظة اختبار حقيقية للمعارضة المصرية: إما أن تكون، أو لا تكون".

وفي السياق، يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور سعيد صادق، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط، ومن بينها مصر، تفتقر إلى مبدأ الفصل بين السلطات، إذ تهيمن السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، ما يُفرغ فكرة التوازن المؤسسي من مضمونها. ويضيف صادق أن "الأحزاب التي توصف بأنها موالية للسلطة، أو تلك التي تتحرك بتوافق واضح معها، لا يمكن تصنيفها أحزاباً معارضة حقيقية، بل هي امتداد للسلطة نفسها ضمن هيكل سياسي مغلق". ويشير إلى أن هذه الأحزاب بدأت استعداداتها الفعلية مبكراً بهدف ضمان أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية مستفيدة من حالة الارتباك والانقسام التي تعاني منها قوى المعارضة.

Read Entire Article