البنزين المغشوش في مصر من النفي والمزاعم إلى الاعتراف والتعويض

1 week ago 7
ARTICLE AD BOX

خلال أقل من أسبوع كامل، انتقلت أزمة البنزين المغشوش في بعض محطات التزود بالوقود بمصر من خانة النفي الحكومي القاطع والحاسم، بل ووصف ما يتردد حولها بأنه مجرد مزاعم وشائعات يطلقها أهل الشر، إلى خانة الاعتراف الرسمي بالأزمة الجماهيرية والتي أثارت القلق داخل الشارع خاصة بين سائقي المركبات وحائزي السيارات بكل أنواعها، بل وقرار حكومي بمنح تعويض للمتضررين منها.

قبل أيام، خرجت علينا استغاثات من أصحاب السيارات بانتشار ظاهرة البنزين المغشوش، ووجود وقود غير مطابق للمواصفات في محطات التموين، وتصاعدت الشكاوى من حدوث تلف في "مضخة البنزين" بشكل مفاجئ، وارتفاع معدّلات الأعطال في محركات السيارات، وطالب هؤلاء كل من الحكومة والجهات الرسمية بالتحقيق في الأمر، وسحب عينات من محطات الوقود المنتشرة على مستوى الجمهورية لفحصها، ووضع حد لحالة الذعر المنتشرة في الأسواق، والتي دفعت بالبعض إلى التوقف عن تموين سياراتهم، والتعامل بريبة مع كل محطات الوقود بلا تفرقة.

صاحب حالة الذعر تلك حديث هامس حول دخول وقود منخفض الجودة يحتوي على نسب عالية من الشوائب والكبريت إلى مصر، مما تسبب في أعطال متكررة في طلمبات الوقود بالسيارات، مع حدوث تحول في سياسات استيراد الوقود، ولجوء الحكومة إلى أسواق بديلة مثل العراق وأذربيجان للحصول على شحنات وقود أقل جودة، بعد أن ألغت السعودية نظام الدفع الآجل واشتراط الدفع المقدم للشحنات.

في حين تحدث آخرون عن انتقال ملف استيراد المشتقات النفطية إلى جهات سيادية بالدولة، مما أدى إلى استحواذ شركات غير متخصصة على حصة كبيرة في سوق استيراد الوقود، وأسهم في إدخال نوعيات منخفضة الجودة خلال الفترة السابقة لحصد مزيد من الأرباح السريعة.

وبدلاً من تحرك الحكومة والوزارات التابعة لها مثل البترول والتجارة والتموين لوضع حد للأزمة سارعت كعادتها إلى نفيها في بداية الأمر، وتأكيد أن جميع المنتجات البترولية، بما في ذلك البنزين، تخضع لرقابة وفحوصات دورية دقيقة ضمن عمليات الإنتاج والتوزيع المختلفة لضمان مطابقتها للمواصفات القياسية، وأن نتائج الفحص حتى الآن مطابقة، سواء من مستودعات شركات التوزيع أو شركات التكرير المنتجة.

 وعاودت الوزارة قبل أيام تأكيد خلو النتائج الأولية للعينات المفحوصة من أي مخالفات على لسان الناطق باسمها معتز عاطف الذي أكد التزام الوزارة الشفافية والحفاظ على جودة الوقود المقدم للمستهلكين.

وزارة التموين والتجارة الداخلية سارت في اتجاه النفي حيث أكدت تنفيذها حملات تفتيش مباغتة يومية على محطات الوقود، وسحب عينات عشوائية لفحصها والتأكد من جودتها، ومطابقة كل العيّنات التي تم سحبها من محطات الوقود، بالمواصفات القياسية، وأنه لم يتم رصد أي مخالفات بها، وفق تصريحات أحمد أبوالغيط، معاون وزير التموين لشئون الرقابة على المواد البترولية.

بل إن الشعبة العامة للمواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية اتفقت مع ما ذهب إليه بيان وزارتي البترول والتموين قبل أيام، نافية صحة ما تردد عن الوقود المغشوش، وأكدت أنها لم تتلق أي شكاوى حول وجود بنزين مغشوش في الأسواق أو توزيع وقود غير مطابق للمواصفات. وقال رئيس الشعبة، حسن نصر، إنه اجتمع مع مسؤولي ثلاث شركات أكدوا عدم وجود وقود مغشوش، بل وأكد "صعوبة غش الوقود" خصوصاً في نطاق محافظات القاهرة الكبرى، نظراً إلى الإجراءات الصارمة المتبعة داخل شركات التكرير، حيث يتم تحليل ومطابقة العينات بدقة قبل توزيعها.

لكن وزارة البترول تراجعت اليوم الأحد عن موقفها واعترفت بوجود عينات من البنزين غير مطابقة للمواصفات في مناطق عدة بالقاهرة الكبرى والإسكندرية وصعيد مصر، في إطار ما سمته مبدأ الشفافية مع المواطنين. وأعلنت صرف تعويض مالي يصل إلى ألفي جنيه مصري، ما يعادل نحو 42 دولاراً، لأصحاب السيارات المتضررة من تعطل طلمبات الوقود، والناتجة عن وجود بنزين غير مطابق للمواصفات في الأسواق خلال الفترة من 4 إلى 9 مايو/أيار الجاري.

أزمة البنزين المغشوش نموذج صارخ لإدارة الحكومة ملف الأزمات المعيشية في مصر، التي تنكرها بداية وبقوة، وتنفي وقوعها بشكل قاطع، ثم تعترف بها في حال وجود ضغط جماهيري، وقد لا تعترف بها أصلاً، مكتفية بالقاء اللوم على أهل الشر الذين لا نعرف بالضبط من هم وأين يقيمون.

Read Entire Article