التذكير بـ"كشمير"... مغامرة محسوبة أم قنبلة خرجت عن السيطرة؟

1 week ago 5
ARTICLE AD BOX

<p>جنود هنديون يفحصون موقع الهجوم الذي شكل شرارة الصراع،&nbsp;&nbsp;23 أبريل 2025 (أ.ب)</p>

الهجوم الدامي في باهالغام بكشمير الهندية، الذي أودى بحياة 26 سائحاً، معظمهم هنود، هز ليس فقط التوازن الهش بين الهند وباكستان، الجارتين النوويتين، بل هز مزيداً من الاستقرار الدولي والإقليمي المتصدع أصلاً.

وتبنت جماعة "جبهة المقاومة"، التي تربطها السلطات الهندية بـ"لشكر طيبة" العملية، مما أشعل فتيل تصعيد عسكري ودبلوماسي خطر، في وقت تثير عودة قضية كشمير، التي تعود جذورها إلى تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، إلى الواجهة، تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الأزمة مغامرة محسوبة لإحياء القضية أم بداية شرخ دولي جديد قد يهدد الاستقرار الإقليمي، يضاف إلى ذلك الدور الصيني وتداعيات معاهدة مياه السند، اللذان يشكلان محورين حاسمين في مسار الأزمة.

المخاوف من تفاقم الأزمة بين الجارتين حركت الدبلوماسية السعودية على رغم انشغالها بالترتيب لاستقبال الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يزورها كأول محطة خارجية له بعد انتخابه، نظراً إلى علاقاتها الاقتصادية المتينة مع الهند، وروابطها التاريخية مع باكستان، إذ أوفدت وزيرها للشؤون الخارجية عادل الجبير إلى كل من نيودلهي وإسلام آباد، مؤكداً أهمية التهدئة، بينما دعت القيادة السعودية منذ البداية إلى ضبط النفس، معربة عن استعداد البلاد للمساعدة في نزع فتيل الأزمة، يحفزها أكثر على ذلك حساسية العلاقة بين طرفي الأزمة وقضية كشمير عنوان الصراع لدى منظمة التعاون الإسلامي، ومقرها في جدة.

خيار المصالحة لا التصعيد

وفي حين تناقلت وسائل إعلام البلدين لقاء الجبير وزير الخارجية الهندي ورئيس الوزراء الباكستاني، لا تزال سحابة الصراع تخيم على أجواء البلدين، في حين شدد هو على ضرورة "وقف التصعيد وإنهاء المواجهات العسكرية الجارية والعمل على حل كل الخلافات من خلال الحوار والقنوات الدبلوماسية".

وبحسب الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد، فإن الوساطة السعودية بين الهند وباكستان تعد رداً عملياً على دعاة الفتنة، إذ تنطلق من مصلحة إقليمية واضحة في المصالحة لا التصعيد، "فالمنطقة الخليجية تحتضن أكثر من 15 مليون هندي وباكستاني يعيشون في سلام، مما يجعل أي تأجيج للنزاع بين البلدين تهديداً مباشراً للنسيج الاجتماعي والاقتصادي الخليجي"، ويشير الراشد إلى أن الجماعات المتطرفة تسعى إلى استثمار التصعيد وتحويل نزاع سياسي قديم إلى صراع ديني يعيدها إلى الواجهة.

كما يلفت الراشد إلى البعد الاستراتيجي والاقتصادي للعلاقة مع الطرفين، إذ "تعد باكستان دولة مهمة جيوسياسياً للخليج، بينما تعتبر الهند ثاني أهم شريك اقتصادي للمنطقة بعد الصين، وتبلغ صادرات السعودية إليها قرابة 30 مليار دولار سنوياً، وهو ما يتجاوز مبيعاتها مجتمعة إلى كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وباكستان"، من هنا، يرى الراشد أن النزاع الحالي، على رغم قدمه، قابل للاحتواء بالوساطة، لكن تدخل الأطراف الخارجية قد يوسعه ويهدد استقراراً إقليمياً هشاً.

استجابة حذرة لجهود الوساطة

 في غضون ذلك نفى وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف وجود أي تهديد نووي وشيك، قائلاً "ينبغي ألا نناقش حتى الأمر في السياق الحالي... قبل أن نصل إلى تلك النقطة، أعتقد أن الأمور ستهدأ"، وأوضح أنه لم يعقد أي اجتماع لهيئة القيادة الوطنية، ولم يحدد موعد لذلك. في السياق نفسه، أجرى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اتصالات مع قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير ووزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جيشينكار، داعياً الطرفين إلى "إعادة الاتصالات المباشرة لتجنب سوء التقدير"، وقد أكد جيشينكار بعد الاتصال "دائماً ما كان نهج الهند مدروساً ومسؤولاً وسيظل كذلك". ومن جانبها، قالت فيوميكا سينغ، وينغ كوماندر في سلاح الجو الهندي، إن الجيش الهندي "لا يزال في حال تأهب عملياتي عالية"، مضيفة "لوحظ أن الجيش الباكستاني يحرك قواته إلى مناطق متقدمة، مما يشير إلى نية هجومية... لكننا سنلتزم عدم التصعيد إذا قابلنا الجيش الباكستاني بالمثل". وذلك قبل أن يعلن الرئيس الأميركي أن الطرفين وافقا على وقف فوري لإطلاق النار.

بعد إعلان #ترمب عن موافقة نيودلهي وإسلام أباد على وقف كامل لإطلاق النار... ما هي عملية "البنيان المرصوص" التي شنتها #باكستان ضد #الهند؟ #نكمن_في_التفاصيل pic.twitter.com/YSemvGtrQ1

— Independent عربية (@IndyArabia) May 10, 2025

وألقت أطراف دولية عدة باللائمة على الهند بوصفها ردت بهجوم باكستان مباشرة على عملية إرهابية، نفت إسلام آباد أن تكون بإيعاز منها، على رغم صلاتها التي لا تنكرها بجهود حسم نزاع "كشمير".

أسباب عودة كشمير إلى الصدارة

تتزامن عودة كشمير إلى الواجهة مع سياق إقليمي ودولي مضطرب، إذ يتزامن الهجوم مع تصاعد الصراعات في فلسطين وأوكرانيا والساحل الأفريقي، مما يوفر للجماعات المسلحة فرصة لاستغلال الفراغ الدولي وإعادة إحياء قضاياها. كشمير، التي تراجع الاهتمام بها دولياً منذ إلغاء الهند الحكم الذاتي في الإقليم عام 2019، تظل نقطة اشتعال بسبب مطالبة باكستان بإجراء استفتاء بناءً على قرارات الأمم المتحدة. عضوية باكستان غير الدائمة في مجلس الأمن تعزز قدرتها على تسويق القضية، مما يجعل توقيت الهجوم استراتيجياً لإحراج الهند. داخلياً، تواجه الهند ضغوطاً سياسية للرد بقوة، بخاصة مع استهداف الهجوم سياحاً هندوساً، مما يغذي الخطاب القومي الهندوسي لحزب بهاراتيا جاناتا. في باكستان، تسعى الحكومة إلى استخدام القضية لتوحيد الجبهة الداخلية وسط تحديات اقتصادية وأمنية، بما في ذلك هجمات جماعات بلوشية.

طابع الهجوم محسوب أم استفزازي؟

يبدو الهجوم محسوباً بعناية، إذ استهدف رمزاً للسيطرة الهندية - سياحاً هنوداً في منطقة متنازع عليها - مما يشير إلى نية إحداث تأثير إعلامي وتعبئة السكان المحليين ضد الإدارة الهندية، التي فرضت قيوداً أمنية مشددة منذ 2019. رد الهند، من خلال عملية "سيندور" التي استهدفت تسعة مواقع في باكستان كان محسوباً لإظهار القوة من دون الانزلاق إلى حرب شاملة. الهند زعمت أن ضرباتها ركزت على "بنية تحتية إرهابية"، متجنبة المنشآت العسكرية الباكستانية لتفادي التصعيد. باكستان، من جانبها، ردت بإسقاط خمس طائرات هندية، مؤكدة قدرتها العسكرية وتبني خطاب "الدفاع عن النفس" لتجنب الانجرار إلى مواجهة نووية.

لكن التذكير بالصراع في كشمير ليس مجرد تصعيد حدودي، بل هو استدعاء لواحدة من أقدم وأعقد أزمات ما بعد الاستعمار، التي ظلت منذ 1947 رمزاً لتقاطع القومية والدين والسيادة في جنوب آسيا. فكل تصعيد في الإقليم، وإن بدا عسكرياً بحتاً، يحمل خلفه إرثاً من مشاعر الغضب والانقسام السياسي والديني، ويعيد إلى الواجهة فشل المجتمع الدولي في تقديم تسوية عادلة لشعب كشمير، الذي بقي معلقاً بين دولتين نوويتين من دون حق تقرير مصير فعلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالنسبة إلى باكستان، لا تعد كشمير مجرد منطقة متنازع عليها، بل تمثل "قضية شرف وكرامة وطنية"، كما جاء في تصريح رؤساء وزراء باكستان المتعاقبين أمثال شهباز شريف الحالي في أحد خطاباته، الذي قال فيه "كشمير ليست نزاعاً حدودياً، إنها صلب هويتنا الإسلامية ومشروعنا القومي" تشكل الغالبية المسلمة في كشمير عاملاً نفسياً وسياسياً مهماً، إذ ترى إسلام آباد أن تخليها عن مطالب الكشميريين يعني التنازل عن مبدأ تأسيسي للدولة الباكستانية نفسها.

 من التصعيد المحدود إلى الشرخ الدولي

على رغم الحسابات الدقيقة، فإن الأخطار تظل قائمة. تمتلك كلتا الدولتين ترسانات نووية، وعقيدتا الهند ("رد شامل إذا ضربنا") وباكستان ("استخدام نووي إذا شعرنا بتهديد") تجعلان أي تصعيد غير محسوب كارثياً. تصريحات سابقة، مثل تحذير رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان من "حمام دم" عام 2019، تعكس خطورة الوضع. التداعيات الإقليمية تضاعف الأخطار، إذ أدى التصعيد إلى إغلاق الحدود وطرد دبلوماسيين وتعليق معاهدة مياه السند، التي تعد شريان حياة لباكستان. دعوات مجلس الأمن لتجنب الصراع وتعليقات الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف القتال تعكس قلقاً دولياً، لكن غياب وساطة فعالة قد يطيل الأزمة.

الدور الصيني مثار شك

الصين، التي تسيطر على 15 في المئة من كشمير (منطقة أكساي تشين) وتحتفظ بعلاقات استراتيجية مع باكستان، تضيف بعداً معقداً للأزمة. استثمارات الصين الضخمة في الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني (CPEC)، الذي يمر عبر كشمير الباكستانية، تجعلها طرفاً مباشراً. الهجوم في باهالغام، وما تبعه من تصعيد، قد ينظر إليه في بكين كتهديد لمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية. الصين دعمت باكستان دبلوماسياً في مجلس الأمن، مكررة دعوتها إلى "حل سلمي"، لكنها حذرت الهند من "الأعمال الأحادية"، في إشارة إلى عملياتها العسكرية. عسكرياً، عززت الصين وجودها على خط السيطرة في لاداخ، مما يثير مخاوف الهند من جبهة ثنائية (باكستان والصين). هذا الدور يجعل الصين لاعباً حاسماً، إذ يمكنها إما تخفيف التصعيد عبر الضغط على باكستان أو تأجيجه إذا رأت في الأزمة فرصة لإضعاف الهند، بخاصة في ظل التنافس الإقليمي معها. موقف الصين المستقبلي سيعتمد على مدى تأثير التصعيد في مشاريعها الاقتصادية وطموحاتها كقوة عالمية.

معاهدة مياه السند قنبلة موقوتة

معاهدة مياه السند الموقعة عام 1960 تنظم توزيع مياه الأنهار الستة بين الهند وباكستان، وهي حيوية للزراعة والاقتصاد الباكستاني، إذ تعتمد باكستان على 80 في المئة من مياه الري من هذه الأنهار. تعليق الهند التعاون في إطار المعاهدة، رداً على الهجوم، يمثل تصعيداً غير مسبوق، هذا الإجراء، الذي تضمن حجب بيانات تدفق المياه وتعليق اجتماعات اللجنة المشتركة يهدد بتفاقم الأزمة الاقتصادية في باكستان، حيث يعتمد 60 في المئة من سكانها على الزراعة. باكستان ردت بتحذيرات من "عواقب وخيمة"، مشيرة إلى أن المياه "خط أحمر". تاريخياً، نجت المعاهدة من حروب 1965 و1971، لكن التوترات الحالية، مع تهديدات هندية بمراجعة المعاهدة، تجعلها قنبلة موقوتة. أي تقييد فعلي لتدفق المياه، بخاصة في نهري السند والجهيلم، قد يدفع باكستان إلى رد عسكري، مما يحول النزاع من سياسي إلى وجودي. الصين، التي تمول مشاريع سدود في كشمير الباكستانية مثل سد نيلوم جيلوم، قد تجد نفسها منتظمة أكثر إذا استهدفت هذه البنى التحتية.

السيناريوهات المستقبلية

حتى الـ10 من مايو (أيار) 2025 يبدو السيناريو الأرجح هو احتواء التصعيد ضمن حدود الضربات المحدودة والقصف المدفعي، من دون الانزلاق إلى حرب شاملة. كلا الطرفين يدرك الكلفة الباهظة للتصعيد النووي، والضغوط الدولية من الأمم المتحدة والولايات المتحدة قد تدفع نحو هدنة موقتة أو مفاوضات ثنائية. الهند تسعى إلى تأكيد سيطرتها على كشمير، بينما باكستان تهدف إلى إحياء قضية الاستفتاء، مما يجعل الأزمة جولة لتجديد الخطوط الحمر. دور الصين قد يكون حاسماً هنا، إذ يمكنها تهدئة باكستان للحفاظ على استقرار مشاريعها الاقتصادية، ومع ذلك هناك سيناريو أقل احتمالاً ولكنه كارثي يتمثل في تحول النزاع إلى حرب مفتوحة إذا استهدفت بنى تحتية حيوية، مثل سدود باكستانية أو إذا قيدت الهند مياه السند فعلياً. استمرار هجمات الجماعات المسلحة قد يعقد الحسابات، مما يزيد الفوضى ويفتح الباب أمام تدخل إقليمي أوسع.

سمو وزير الخارجية الأمير #فيصل_بن_فرحان @FaisalbinFarhan يجري اتصالين هاتفيين بكل من معالي وزير الشؤون الخارجية في جمهورية الهند الدكتور سوبراهمانيام جايشانكار، ومعالي نائب رئيس الوزراء وزير الشؤون الخارجية في جمهورية باكستان الإسلامية السيد إسحاق دار. pic.twitter.com/rtc6BzhWGg

— وزارة الخارجية  (@KSAMOFA) May 10, 2025

يمثل التذكير بكشمير في 2025 مزيجاً من مغامرة محسوبة من الجماعات المسلحة لإعادة القضية إلى الواجهة، وردود فعل متوقعة من الهند وباكستان لتأكيد مواقفهما، لكن الوضع يبقى هشاً بسبب القدرات النووية وتداعيات معاهدة السند والدور الصيني. تعليق المعاهدة يضيف بعداً وجودياً للأزمة، بينما موقف الصين قد يحدد ما إذا كانت الأزمة ستحتوى أم تتوسع إقليمياً. السياق العالمي المتوتر يحد من فاعلية التدخل الدولي، مما يجعل ضبط النفس بين الطرفين حاسماً لمنع تحول الأزمة إلى شرخ دولي.

العلاقات الاستراتيجية كأساس للوساطة

عودة إلى الوساطة السعودية فإنه على رغم التوتر البالغ الحدة بين الجارتين وحساسية ملف كشمير فإن علاقتها الخاصة مع باكستان، الحليف العسكري والسياسي، واقتصادها الاستراتيجي مع الهند، الشريك التجاري الرئيس في الطاقة والاستثمارات، قد يمكنانها من تسجيل اختراق في الملف المعقد. وكان وجود رئيس الوزراء الهندي مودي في الرياض أثناء اندلاع الأزمة يعزز فرص الرياض لفتح قنوات حوار مباشرة، مما يجعلها طرفاً موثوقاً لتهدئة التصعيد بين الدولتين النوويتين.

تملك السعودية أوراق ضغط اقتصادية ودبلوماسية في هذا الصدد، فهي تدعم باكستان مالياً عبر قروض واستثمارات، مما يتيح لها حث إسلام آباد على ضبط النفس، ومع الهند تصدر الرياض كمية كبيرة من حاجات نيودلهي النفطية يمكنها من تشجيعها على تجنب التصعيد، كما يمكنها، كرئيس لمنظمة التعاون الإسلامي، حشد دعم دولي لحل سلمي، والتنسيق مع الصين والولايات المتحدة لوساطة متعددة الأطراف.

استقرار الهند وباكستان كقوتين نوويتين حيوي للسعودية والخليج، فأي تصعيد نووي قد يؤثر في أمن الخليج وتدفقات الطاقة، ويعرض ملايين العمال الهنود والباكستانيين في المنطقة للخطر، مما يؤثر في الاقتصادات الخليجية، كذلك فإن تعليق معاهدة مياه السند يهدد بأزمة إنسانية في باكستان، مما قد يزيد الضغط على السعودية كداعم رئيس، لذا، تسعى الرياض إلى استغلال نفوذها الدبلوماسي، بدءاً من وجود مودي، لإطلاق مبادرة تهدئة تمنع تحول الأزمة إلى تهديد إقليمي.

subtitle: 
تحركت السعودية لاحتواء الصراع في وقت يحتضن الخليج نحو 15 مليون هندي وباكستاني وتربطه علاقات استراتيجية ومصالح اقتصادية حاسمة مع الجارتين النوويتين
publication date: 
السبت, مايو 10, 2025 - 15:15
Read Entire Article