التلوث الضوضائي.. خطر صامت يطوّق حياة العراقيين

14 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

 سجى رياض / بغداد

في معظم الأيام، يستقبل العراقيون صباحاتهم بأصوات صاخبة متداخلة، تصنّف ضمن أشكال «التلوث الفيزيائي» وتحديدًا «التلوث الضوضائي». تبدأ رحلة المواطن اليومية من محل سكنه إلى مكان دراسته أو عمله، ليواجه خلالها موجات من الأصوات المزعجة، لا تقل حدّة عن أصوات العيارات النارية، أبرزها عوادم السيارات والدراجات النارية التي تملأ الشوارع.
عند حلول الظهيرة، يعود المواطن إلى منزله آملاً بالراحة، إلا أن الضجيج يلاحقه حتى غرف النوم. فالباعة المتجولون يستخدمون مكبرات الصوت وهم يتنقلون على عرباتهم، يليهم صوت سيارة بيع الغاز، ثم أصوات مركبات جمع النفايات، ليكتمل مشهد يومي يفتقر للهدوء.

قياسات مقلقة
أكد رئيس المركز الستراتيجي لحقوق الإنسان، الدكتور فاضل الغراوي، في بيان صحفي، أن التلوث الضوضائي في العراق لا يقل خطورة عن تلوث الهواء. وبيّن أن أجهزة قياس الضوضاء في العاصمة بغداد سجّلت نسبًا تتجاوز المعدلات المسموح بها من قبل منظمة الصحة العالمية.
وقال الغراوي إن «أجهزة التحسس التابعة للمنظمة سجلت مستويات من التلوث الضوضائي تراوحت بين 37.5 إلى 76 ديسيبل، وهو ما يفوق الحد المسموح به في المناطق السكنية والمحدّد بين 45 إلى 55 ديسيبل». وعزا الغراوي أسباب هذه الزيادة إلى عدة عوامل، منها ارتفاع معدلات النمو السكاني، وانتشار الورش والمعامل داخل المناطق السكنية من دون مراعاة الاشتراطات البيئية، فضلًا عن تضخم أعداد السيارات التي يستخدم بعضها منبهات ومضخمات صوتية أو أنابيب عادم معدّلة (مخرومة)، وانتشار المولدات الكهربائية غير المزوّدة بكواتم للصوت، بالإضافة إلى ضوضاء الطائرات.
وأشار إلى أن تقارير منظمة الصحة العالمية توصي بألا يتجاوز الحد الأقصى للتعرض اليومي للضوضاء 85 ديسيبل لمدة أقصاها ثماني ساعات، محذرًا من أن تجاوز هذا الحد قد يؤدي إلى أضرار صحية جسدية ونفسية خطيرة.

أضرار بيئية
أوضح الخبير البيئي ثائر يوسف في تصريح لـ(المدى)، أن التلوث الضوضائي يؤثر على التوازن البيئي، مشيرًا إلى أن «الأحياء المائية التي تعتمد على تحديد الموقع بالصدى تتعرض للارتباك، كما أن الحشرات الملقحة تهرب من مناطق الضوضاء، مما يؤثر سلبًا على عمليات التلقيح». وأضاف أن «الضوضاء تؤثر كذلك على التربة من خلال إرباك حركة جزيئاتها والتسبب بتدمير مساميتها». ودعا إلى اتخاذ خطوات للحد من هذه الظاهرة، منها «إعادة تنظيم توزيع المجمعات السكنية وتقليل الكثافة السكانية، مع زيادة مساحة الحدائق على حساب البناء، بحيث تُخصص 200 متر مربع كمساحات خضراء لكل 100 متر مربع من البناء».
وشدد يوسف على أهمية «زراعة مصدات الأشجار لتعمل كحواجز صوتية على جوانب الطرق، خاصة في المناطق القريبة من المدارس والمستشفيات، ونقل المصانع والورش خارج المدن، مع بناء المطارات بعيدًا عن التجمعات السكنية».

آثار صحية مقلقة
من جانبها، حذّرت اختصاصية الأنف والأذن والحنجرة، الدكتورة آية قتيبة عبد الإله، في حديثها لـ(المدى)، من الأضرار الصحية المرتبطة بالتلوث الضوضائي، مؤكدة أن «التعرض المستمر للأصوات المرتفعة قد يؤدي إلى فقدان تدريجي أو مفاجئ في السمع، لا سيما في حالات الانفجارات أو الضوضاء الشديدة».
وأضافت أن التلوث الضوضائي «يسبب الصداع والتوتر والقلق بسبب تنشيط الجهاز العصبي باستمرار، كما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم ومشكلات في القلب نتيجة إفراز الجسم لهرمونات التوتر». ولفتت إلى أن اضطرابات النوم وطنين الأذن من الآثار الشائعة أيضًا.
وأشارت إلى وجود «عدد كبير من الحالات الموثّقة سريريًا لأشخاص فقدوا حاسة السمع كليًا أو جزئيًا نتيجة تعرضهم المستمر للضوضاء، خاصة في أماكن العمل غير المحمية»، مؤكدة أن دراسات طبية عديدة أثبتت العلاقة المباشرة بين الضوضاء وفقدان السمع.

The post التلوث الضوضائي.. خطر صامت يطوّق حياة العراقيين appeared first on جريدة المدى.

Read Entire Article