الخرطوم تتصدى لـ"عشوائيات الحرب" بمعركة مضادة

2 days ago 2
ARTICLE AD BOX

<p>ظل السكن العشوائي هاجساً مؤرقاً للسلطات على مدى سنوات طويلة (اندبندنت عربية - حسن حامد)</p>

تشن حكومة ولاية الخرطوم هذه الأيام حملات واسعة للقضاء على السكن العشوائي في جميع أنحاء الولاية بعدما ظل هاجساً مؤرقاً للسلطات الأمنية والعمرانية على مدى أعوام طويلة منذ ما قبل الحرب، لكن يبدو أن جراحة الاستئصال التي كانت مؤجلة طوال أعوام مضت عجلت بها تداعيات الحرب إثر انفجار كل المخاوف والمحاذير التي كانت تثار حول خطر "حزام الفقر" الذي يمثله السكن العشوائي المحيط بالعاصمة السودانية، ودوره الكبير في عمليات النهب والتخريب الواسعة التي شهدتها.

انفجار واستئصال

ضمن الحملة التي تجري الآن بالتنسيق مع جهاز حماية الأراضي مصحوبة بإجراءات أمنية مشددة، أعلنت ولاية الخرطوم اكتمال عمليات إزالة كافة العشوائيات بمنطقتي العزبة وطيبة الأحامدة بمحلية الخرطوم بحري.

وكشف الأمين العام لحكومة الخرطوم الهادي عبدالسيد، أن عمليات الإزالة جاءت استجابة للتحديات والأخطار والتهديدات الأمنية الناجمة عن تمدد السكن العشوائي في عدد من المحليات بالولاية.

وتشير دراسات سكانية إلى تفاقم التمدد الأفقي بالعاصمة السودانية نتيجة توالي الهجرات بسبب النزوح أو ضعف الخدمات الأساسية في الأرياف، مما ضاعف سكان الخرطوم من 5 ملايين إلى نحو 15 مليوناً في أعوام قليلة قبل الحرب، واستأثرت الخرطوم وحدها بأكثر من 30 في المئة من مجموع سكان المناطق الحضرية بالبلاد.

 

وأكد أمين الحكومة في تصريحات صحافية، أن الإشكالات المتراكمة للسكن العشوائي سيتم التعامل معها وفق قانون حماية الأراضي الحكومية في كل المناطق المحررة من قبضة ميليشيات "الدعم السريع" المتمردة، وبناء على سياسة الولاية في التعامل مع هذه الظاهرة وفق خطة متكاملة لإعادة تنظيم السكن المخطط.

وأشار إلى أن بعض المواقع العشوائية تحولت إلى بؤر للجريمة والفساد بعيداً من مظلة القانون، وأضحت مهدداً خطراً لكافة أرجاء الولاية ومدينة الخرطوم بحري بصفة خاصة، حيث تم هناك التعامل مع حالات لا تحصى من المجرمين.

بدوره أعلن مدير جهاز حماية الأراضي بولاية الخرطوم المهندس عبدالعزيز عبدالله، انطلاق حملات مماثلة في محلية شرق النيل خلال الفترة المقبلة، مؤكداً التزام الجهاز باتباع الإجراءات القانونية السابقة مع تكثيف الجهود لمنع تكرار مثل تلك التعديات مجدداً.

وكانت وزارة التخطيط العمراني بالولاية شرعت مع مصلحة الأراضي في إعادة تخطيط قرى الريف الشمالي مستهدفة 80 قرية، وبدأ التنظيم فعلياً في 15 قرية.

وأوضح والي الخرطوم المكلف، أحمد عثمان حمزة، أن حكومته تمنح الأولوية لإكمال ملف إعادة تنظيم قرى شمال كرري والريف الشمالي ووقف التعديات على الفضاء العام، مشدداً في اجتماع مع قيادات وزارة التخطيط العمراني على أهمية تفعيل قانون تنظيم المباني لوقف المخالفات والتعديات، وتكوين آلية مع الدفاع المدني لمراجعة المباني التي تأثرت بالقصف خلال فترة الحرب.

ضغوط ورضوخ

في السياق أوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة بولاية الخرطوم بشرى حامد، أن السكن العشوائي بالولاية تحول خلال الفترة السابقة إلى ما يشبه المؤسسة، من خلال حملات التأليب التي تحرض فيها بعض الجهات مؤسسات المجتمع الدولي على الحكومة بدعاوي انتهاك حقوق الإنسان والمواطنة وحماية من تسميهم بالمهمشين.

وأضاف حامد "للأسف كانت الحكومة ترضخ لتلك الحملات والضغوط وتقوم بتخطيط الأراضي السكنية في تلك المناطق، مما حول السكن العشوائي إلى مصدر مالي لممارسات فاسدة، إذ يتم بيع القطع المخصصة للمستهدفين ليعودوا فيطالبوا مرة أخرى بالحصول على قطع جديدة"، مشيراً إلى أن التمدد العشوائي أسهم بشدة في تشويه الوجه الحضاري للعاصمة، مما عمقته لاحقاً محاولات المعالجة التي زادت الوضع تشويهاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتبر أمين البيئة، أن حال الطوارئ التي تعيشها البلاد فرصة جيدة لتنفيذ المخطط الهيكلي السكني لولاية الخرطوم، وضرورة التعامل مع السكن العشوائي في هذه الظروف، متابعاً "كانت هناك مجموعات مسلحة تحمي مجرمي السكن العشوائي، وجهات جاهزة تتبناهم سياسياً، لكن بعد الحرب أصبح لا بد من التعامل مع الأمر كمهدد بيئي وأمني واقتصادي وفق قانون الطوارئ، فضلاً عن أن البعد البيئي للمعالجة يحتاج إلى عمل حاسم على المستوى الاتحادي عبر قوانين رادعة، بعيداً من الروتين الذي ظل يؤجل معالجة السكن العشوائي لأعوام طويلة".

عقب تحرير الخرطوم من قوات "الدعم السريع" ضبطت السلطات الأمنية والعسكرية كثيراً من المنهوبات والمسروقات مخزنة في مناطق عدة بأطراف المدينة والمناطق العشوائية على وجه الخصوص، وحتى ما قبل الحرب تحول بعضها إلى أوكار وحواضن للجريمة في العاصمة السودانية.

أحزمة الفقر

على الصعيد نفسه أوضح المهندس المدني منتصر مبارك، أن الهجرة من الأرياف وتمدد السكن العشوائي زاد من الضغط على المرافق بالعاصمة، وتحول الأمر إلى كارثة مجتمعية بعدما وجدت الخرطوم نفسها محاصرة من أطرافها بما يسمى "حزام الفقر"، وفقدت كثيراً من ملامحها الحضرية كمدينة.

وأوضح مبارك، أنه وبعد اندلاع الحرب منتصف أبريل (نيسان) 2023، بدأت السلطات تنتبه لخطر حزام السكن العشوائي بعدما أسهم بقدر واسع في عمليات النهب وسرقات المصانع والمتاجر والأسواق وممتلكات المواطنين كما تتهمها السلطات نفسها، إلى جانب انتساب كثير من تلك العشوائيات إلى قوات "الدعم السريع" تحت الإغراء المادي.

 

وأردف "بعد الحرب في الخرطوم تمكن المقتدرون على تحمل كلف النزوح من مغادرة الخرطوم والبلاد، وكان قدر الفئات الفقيرة أن تظل عالقة وسط القتال، لتستفيد من فرار كثير إما لحراسة المنازل مقابل راتب معلوم، أو نهب وسرقة محتويات البيوت الفارغة.

وشدد مبارك، على ضرورة أن تترافق مع عمليات مكافحة السكن العشوائي رؤية للتخطيط الحضري الشامل لاستيعاب التوسع السكاني في مواقع مناسبة ومهيأة بالبنية التحتية اللازمة، منوهاً إلى أن ضعف التخطيط العمراني المتكامل لتوسيع العاصمة بصورة منظمة هو ما جعل المساكن العشوائية تملأ الفراغ وبخاصة في ظل غياب حلول بديلة عادلة.

ولفت إلى أن إزالة السكن العشوائي في الخرطوم تواجه عدداً من العقبات، أبرزها الظروف الاقتصادية الصعبة وتفشي الفقر والبطالة، مما يجعل من الصعب على السكان الانتقال إلى مساكن بديلة أو تحمل كلف السكن النظامي، فضلاً عن عجز الحكومة عن توفيره في الوقت الحالي".

قمع وتدمير

على نحو متصل، وصف المحامي في مجال حقوق الإنسان المعز حضرة، التحركات والمحاولات في شأن إزالة المساكن العشوائية التي تتم في كل من العاصمة الخرطوم أو المناطق الأخرى التي يسيطر عليها الجيش، بأنها "سلوك خطر يغلب عليه الطابع الجهوي"، لافتاً إلى أنه "بعد تحرير ولاية الجزيرة توجهت الأنظار مباشرة إلى الكنابي (مجمعات سكنية تنتشر في الجزيرة) باعتبارها مساكن عشوائية، كما تمت أيضاً عمليات قتل خارج القانون".

وأضاف أن "هذا الوقت ليس مناسباً لتنظيم الخرطوم، لأن هؤلاء في النهاية مواطنون سودانيون يحق لهم أن ينالوا السكن، ومن واجب الدولة أن تقنن أوضاعهم، أما طردهم وتكسير منازلهم بهذه الطريقة التي يغلب عليها الطابع الجهوي والعنصري، فمثل هذه الإجراءات تفتت وحدة البلاد ولا تبني بلداً".

 

واعتبر حضرة، أن طريقة القمع والتكسير التي تتم بها عمليات الإزالة "غير مجدية، باعتبار أن الأمر يحتاج إلى دراسات اجتماعية معمقة ومقننة بحيث يشعر أصحاب السكن العشوائي بأنهم ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة ليعاملوا بمثل تلك الطريقة".

وأردف، "من ضمن المشكلات التي أفرزتها الحرب أن أحزمة الفقر تحيط بالخرطوم من الداخل والخارج، وأن عدداً من سكان قرى هذه الأحزمة هم من نفذوا جزءاً كبيراً من السرقات والنهب ولم تقم بها كلها قوات ’الدعم السريع‘".

وشدد حضرة، على أن مثل هذه الظواهر تحتاج إلى معالجات اجتماعية باعتبارها الأفضل والأمثل، قبل أن تكون إجراءات قانونية، لأن الأوطان لا تبنى بالقمع والملاحقات التي تتعارض مع حقوق الإنسان وتعتبر نوعاً من التمييز غير المرغوب فيه.

ترهل سكاني

ويجمع متخصصون على أن هناك عوامل عدة أسهمت في تفاقم ظاهرة هجرة سكان الريف والبوادي إلى الخرطوم مما أنتج تضخماً سكانياً هائلاً وتسبب في انتشار العشوائيات والأنشطة الاقتصادية الهامشية، أبرزها تهميش الأطراف وتركز الخدمات في العاصمة والمدن الكبرى دون الأرياف، فضلاً عن تفشي الحروب والنزاعات المسلحة والفقر والجفاف وغيرها.

ويرجح المتخصصون، أن الهجرة غير المسبوقة من الأرياف إلى العاصمة الخرطوم تسببت أيضاً في مضاعفات اقتصادية نتيجة تدهور الحياة في الأرياف وهجران النشاط الزراعي في وقت يلجأ الوافدون إلى الخرطوم للعيش في مناطق عشوائية غير مخططة، وداخل مجاري السيول والوديان، مما نتجت منه مشكلات بيئية وصحية وأمنية، في وقت لم تكن العاصمة نفسها مهيأة لاستيعاب التدفقات المتوالية نحوها مع محدودية المخططات السكنية والخدمات والأنشطة التجارية والاقتصادية الأخرى.

في الأعوام الأخيرة ازدادت معدلات الهجرة من الريف إلى ولاية الخرطوم، متسببة في زيادة سكانية هائلة بالعاصمة السودانية حتى وصل تعدادها البشري إلى أكثر من 15 مليون نسمة يتوزعون على محليات الولاية السبع (الخرطوم، الخرطوم بحري، أم درمان، أم بدة، كرري، جبل أولياء وشرق النيل).

subtitle: 
حملات واسعة لإزالتها من محيط العاصمة وسط انتقادات حقوقية لغياب المعالجة الاجتماعية للظاهرة
publication date: 
السبت, مايو 17, 2025 - 15:45
Read Entire Article