ARTICLE AD BOX
تلقّى الشارع الرياضي إعلان رفع العقوبات بسرور بالغ وتفاؤل كبير بإمكانية تحقيق نهضة حقيقية في القطاع الرياضي بشكل عام وكرة القدم السورية بشكل خاص.
عانى قطاع الرياضة في سورية طويلاً من حصار حقيقي أثر على النتائج والحضور الخارجي بشكل كبير، إضافة إلى الترهل الكبير الذي أصاب البنية التحتية للمنشآت الرياضية التي أصبحت في محافظاتِ كثيرة لا تصلح لإقامة أي نشاط رياضي، إضافة إلى الحظر الذي فرض على إقامة المباريات واستضافة الأحداث بشكل عام.
على مدى عقود خمسة، لم تشهد الرياضة السورية سوى ثلاث محطات رئيسية لإنشاء مدن رياضية وملاعب كروية على مستوى جيد، أولها في مطلع الثمانينيات من خلال تشييد ثلاث مدن رياضية في العاصمة دمشق (الفيحاء – تشرين – الجلاء) قبل تشييد المدينة الرياضية في اللاذقية في العام 1987 من أجل استضافة دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وأخيراً ملعب الحمدانية الدولي الذي يتسع لأكثر من 60 ألف متفرج والذي جرى افتتاحه في 2007... ولكن هذه المدن عانت (حتى في أوقات الازدهار والرخاء) من الإهمال، سواء على مستوى الصيانة أو التحديث، ما جعلها تصبح بعيدة كل البعد عن المعايير الدولية لاستضافة الأحداث الرياضية الدولية، علماً أن كثيراً من هذه الأحداث عرفت تنظيماً مخجلاً قبل 2011 لافتقارها إلى المرافق الأساسية والتكنولوجية، حيث كانت أكثر الملاعب السورية حتى وقت قريب جداً تفتقر إلى كراسي جلوس المتفرجين الذين كانوا يفترشون (الحجر) كي يتابعوا المباريات.
عانى القطاع الرياضي كثيراً من مسألة الحصول على دعم الاتحادات والدول الصديقة في تمويل أي مشروع لتطوير البنية التحتية والمنشآت الرياضية
ومع بدء الثورة السورية في 2011، فرض حظر شامل على استضافة المباريات والأحداث الرياضية لدواع أمنية وغيرها، ما أجبر المنتخبات السورية على اختيار أرض بديلة للعب فيها، فتنوّعت ما بين لبنان والأردن وماليزيا والسعودية وقطر وإيران، إضافة إلى الجانبين الأمني والمادي الصعب، ما فرض على هذه المنتخبات السفر عن طريق لبنان أو الأردن لإقامة المعسكرات والمشاركة في المباريات الخارجية، في حين كانت هناك صعوبة بالغة في استقدام الخبرات والمدربين الأجانب للعمل في سورية لأسباب تتعلق بالتمويل وكيفية تحصيل الأموال والأجور.
كيف تستفيد الرياضة السورية من رفع العقوبات؟
على مدى السنوات الأخيرة، عانى القطاع الرياضي كثيراً من مسألة الحصول على دعم الاتحادات والدول الصديقة في تمويل أي مشروع لتطوير البنية التحتية والمنشآت الرياضية، خوفاً من التعرّض للمساءلة تحت وطأة قانون قيصر والعقوبات الاقتصادية، إضافة إلى عزوف شركات رياضية عالمية كثيرة عن الاستثمار في سورية (خصوصاً اتحاد كرة القدم) الذي يملك قرابة ثمانية ملايين دولار من الأموال المجمّدة التي تخصّص لها من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في البنوك السويسرية. ولكن قرار رفع العقوبات سيكون من شأنه تحرير الأموال المجمدة وتحويلها إلى سورية والاستفادة منها من أجل تطوير القطاع الرياضي بشكل عام، سواء ما يتعلق منها بالمنشآت أو بإقامة الدورات وتأهيل الكوادر وتحسين مستوى البطولات المحلية واللاعبين. كما أنه سيسمح بتلقي المساعدات الخارجية من الاتحادات الصديقة بشكل علني من دون الخوف من تبعات ذلك بسبب وطأة العقوبات والتعامل مع المؤسسات السورية بشكل عام.
وسيتيح رفع العقوبات مساعدة الكوادر السورية وخاصة في قطاع التحكيم للحصول على أموالهم التي يحصلون عليها مقابل قيامهم بقيادة العديد من المباريات الخارجية، بعد أن عانى كثيرون من تجميد أجورهم في البنوك الدولية منذ 2010.
كرة القدم المستفيد الأكبر
ستكون كرة القدم المستفيد الأكبر من قرار رفع العقوبات، إذ ستستفيد من تحرير أرصدتها البنكية والأموال التي يقدّمها برنامج (fifa forward)، إذ سيكون بالإمكان التصرّف بهذه الأموال ضمن القيود والمعايير المتعلقة بالأماكن والقطاعات المخصصة للإنفاق، حيث يقسم "فيفا" مساعداته المالية إلى عدة أبواب، يمكن إنفاق الأموال من خلالها بنسب محدّدة، إذ تقسم هذه الأموال إلى مصاريف تشغيلية وأخرى تتعلق بالبنية التحتية والتطوير وغير ذلك. وبعبارة أخرى، لا يمكن للاتحاد السوري لكرة القدم إنفاق كل أمواله المجمدة من خلال باب واحد فقط، كالتعاقد مع مدرّبين أجانب أو تطوير الملاعب فقط...
في المقابل، سيتيح رفع العقوبات للاتحاد السوري لكرة القدم الاستفادة من برامج الدعم المالي المقدّمة من الاتحاد الآسيوي، الذي أوقف تخصيص نظيره السوري بهذا الدعم منذ 2020، عبر برامج عدة أبرزها برنامج (enhance)، إضافة إلى سهولة تحويل المكافآت والأموال التي تحصل عليها المنتخبات والأندية السورية من مشاركاتها الخارجية، من دون محاولة الالتفاف على العقوبات المفروضة كما كان يحدث في السابق، حيث سيكون بالإمكان تحويل هذه الأموال مباشرة إلى حساب الاتحاد السوري لكرة القدم في البنوك السورية.
رفع العقوبات لن يعني في أي حال إمكانية عودة المنتخبات والأندية السورية إلى اللعب على أرضها مجدّداً في الوقت الحالي
العقوبات وملف رفع الحظر
شكلت العقوبات المفروضة على سورية عائقاً رئيسياً أمام استضافة سورية الأحداث الرياضية والكروية العربية والإقليمية والقارية، لكن قرار رفع العقوبات سيساعد ولو جزئياً في دعم ملف رفع الحظر عن الملاعب السورية، وهو الملف الذي عملت عليه الاتحادات المتعاقبة على مدار العقد الأخير، من دون أن تنجح إلا في أحداث قليلة جداً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وخاصة في رياضة كرة السلة. ولكن رفع العقوبات لن يعني في أي حال إمكانية عودة المنتخبات والأندية السورية إلى اللعب على أرضها مجدّداً في الوقت الحالي، فملف رفع الحظر لم يتعلق يوماً بجاهزية الملاعب وتوفر الأموال فحسب، وإنما يتعدّى ذلك إلى أمور أخرى، أساسها الوضعان الأمني والسياسي للبلاد، وهو ما أرفقته لجانٌ عديدة زارت سورية من الاتحادين الآسيوي والدولي في السنوات الأخيرة، وهي لجان كشفت على المنشآت الرياضية أولاً، وكذلك على المرافق والبنية التحتية للبلاد حيث يتطلب قرار رفع الحظر توفر الأمن أولاً والمطارات والفنادق والمواصلات والاتصالات وأمور أخرى تتعلق بالبنية التحتية للبلاد.
لكن الأكيد أن رفع العقوبات خطوة أولى نحو عودة شركات الطيران الأجنبية وبناء فنادق على مستوى عال، إضافة إلى أنه سيتيح لشركاتٍ عديدة الاستثمار في القطاع الرياضي وإعادة تأهيل الملاعب والصالات، بحيث تكون قادرة على استضافة الأحداث الرياضية وفق المعايير الدولية.
