السودان: قوات الدعم السريع تنقل حربها إلى "المناطق الآمنة"

1 week ago 4
ARTICLE AD BOX

يُدخل نقل قوات الدعم السريع حربها على الجيش السوداني إلى مدن ومناطق جديدة في السودان، عبر شن هجمات مكثفة بالطائرات المسيّرة، مستهدفة المواقع العسكرية والمطارات ومحطات الكهرباء والسدود والموانئ والسجون، عدداً من المدن والمناطق التي كانت تصنف ضمن ما يعرف بـ"المناطق الآمنة" الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني في دائرة الحرب. أمر أثار موجة إدانات محلية ودولية وتحذيرات من حريق شامل يطاول جميع أجزاء البلاد، رغم عدم تمكن قوات الدعم السريع من الوصول إلى بعض هذه المناطق براً، وعلى رأسها مدينة بورتسودان شرقي السودان، وهي العاصمة البديلة ومقر الحكومة السودانية، والتي تعرضت للقصف بالمسيّرات لعدة أيام.

ويشهد السودان منذ 15 إبريل/نيسان 2023 صراعاً بين قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان. ويخضع كلاهما لعقوبات بسبب الحرب فرضتها الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي. وقد خلفت الحرب دماراً هائلاً في المدن والقرى والبنية التحتية للبلاد، ونتيجة لذلك بلغ عدد النازحين داخلياً أكثر من 10 ملايين، موزعين على 10336 موقعاً في 185 منطقة، بجميع ولايات السودان الـ18 حسب آخر إحصائية للمنظمة الدولية للهجرة. وبقي عدد من ولايات السودان خارج دائرة المعارك، مثل البحر الأحمر، وكسلا، والقضارف، والشمالية، ونهر النيل، إذ لم تتمكن قوات الدعم السريع من الوصول براً إلى هذه الولايات ما جعلها تلجأ للهجمات بالطائرات المسيّرة لقصف المواقع العسكرية أو محطات الكهرباء. وقد عمدت خلال الشهرين الماضيين إلى قصف سد مروي في الولاية الشمالية، ومقر الفرقة 19 مشاة التابعة للجيش في مدينة مروي، كما قصفت عدداً من المواقع في ولاية نهر النيل وعاصمتها مدينة الدامر، مستهدفة محطات الكهرباء، وأيضاً مدينة عطبرة في ذات الولاية.

ومنذ 4 مايو/أيار الحالي، بدأت قوات الدعم السريع شن هجمات مكثفة، هي الأولى منذ بداية الحرب، بالطائرات المسيّرة على ولايتي كسلا والبحر الأحمر شرق السودان. وقصفت مطار مدينة كسلا أكثر من مرة. كما شنت هجمات متواصلة بالمسيّرات على مدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر، وقصفت الميناء الرئيسي ومستودعات الوقود ومطار المدينة وبعض المواقع العسكرية، على رأسها قاعدة فلامنغو البحرية وقاعدة عثمان دقنة الجوية. واستهدفت السبت الماضي سجن مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، ما أدى إلى سقوط 20 قتيلاً و45 مصاباً من نزلاء السجن.

استهداف قوات الدعم السريع المناطق الآمنة

ويُطلق على الولايات التي لم تشهد عمليات عسكرية اسم "المناطق الآمنة"، وهي تستضيف عشرات الآلاف من النازحين الوافدين إليها من ولايات أخرى. لكن قوات الدعم السريع بدأت تستهدف بالطائرات المسيّرة المناطق الآمنة. وحسب إحصائيات الأمم المتحدة، التي نشرت أخيراً، تستضيف ولاية كسلا نحو 318 ألف نازح، والقضارف 852 ألفاً، والبحر الأحمر 244 ألفاً، ونهر النيل 935 ألفاً، والولاية الشمالية 567 ألف نازح.

نور الدين صلاح الدين: هناك تحول واضح في استراتيجية "الدعم" نحو تصعيد شامل للحرب

وتوعد رئيس المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع حذيفة أبو نوبة، في خطاب أمام عدد من مقاتليه في ولاية جنوب كردفان الأربعاء الماضي، بعدم ترك مكان آمن في السودان، وملاحقة قادة الجيش في كل مكان يذهبون إليه، معتبراً أنه "لا يوجد جيش الآن وإنما عصابة، ورأيتم ما يحدث هذه الأيام"، مشيراً إلى أنهم سيصلون إلى كل مكان يكون فيه البرهان ومساعدوه، معتبراً أنه "تمت هزيمتهم عسكرياً وسياسياً، وتجري حالياً هزيمتهم في إقليم كردفان وطردهم من كامل الإقليم". وكان أبو نوبة يتحدث من منطقة القوارير في ولاية جنوب كردفان أمام عدد من مقاتلي قوات الدعم السريع والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو التي تسيطر على عدد من المناطق في جنوب كردفان وعقدت مؤخراً تحالفاً مع "الدعم". ويضيف أبو نوبة أن رسالتهم إلى المجتمع الدولي هي أن قوات الدعم السريع لا يمكن أن تهزم، معتبراً أنه "بعد اليوم لا يوجد مكان آمن في أي ولاية في السودان، ونحن نزلنا الميدان شخصياً، ولا سياسة بعد الآن وعملنا معهم في الميدان فقط، والمرحلة المقبلة ستكون مختلفة".

وتسبب تصعيد قوات الدعم السريع في قطع العلاقات الدبلوماسية بين السودان والإمارات، إذ أعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني، الثلاثاء الماضي، إغلاق السفارة والقنصلية العامة في الإمارات واعتبارها "دولة عدوان"، وذلك بسبب اتهام الحكومة السودانية للإمارات بدعم وتسليح قوات الدعم السريع ومدها بأسلحة استراتيجية مكنتها من استهداف مدينة بورتسودان وعدد من المدن الآمنة، فيما أكدت أبوظبي عدم اعترافها بالقرار على "اعتبار أن هذه السلطة لا تمثل الحكومة الشرعية للسودان وشعبه".

كما أثار توسيع قوات الدعم السريع لدائرة الصراع إدانات محلية ودولية وقلقاً من قبل الأمم المتحدة ووكالاتها. وقالت منسقة الأمم المتحدة المقيمة للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا سلامي، في بيان في 6 مايو الحالي، إنها تشعر بصدمة وقلق بالغين إزاء تكثيف هجمات الطائرات المسيّرة على البنية التحتية المدنية في بورتسودان، المركز الإنساني الرئيسي في السودان، مضيفة أن من شأن مثل هذه الهجمات أن تؤدي إلى تعميق المعاناة والاحتياجات الإنسانية، فضلاً عن تفاقم التحديات اللوجستية والصعوبات التي يواجهها العاملون في المجال الإنساني في إيصال المساعدات المطلوبة بشكل عاجل إلى بقية أنحاء البلاد. وتوضح أنه منذ يناير/كانون الثاني الماضي، تسببت الهجمات على البنية التحتية، مثل محطات الطاقة ومحطات المياه الفرعية ومصافي النفط في جميع أنحاء البلاد في انقطاعات واسعة النطاق للكهرباء وتعطيل الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك مياه الشرب الآمنة للمدنيين والرعاية الصحية والإمدادات الغذائية، مضيفة: "تُشكل هذه الهجمات انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، الذي يحظر استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية. كما تعكس إخفاقاً مستمراً في الامتثال لمبادئ التمييز والتناسب والحذر".

تحول واضح في استراتيجية "الدعم"

يقول عضو المكتب التنفيذي للتيار الوطني (تنظيم سياسي) نور الدين صلاح الدين، لـ"العربي الجديد"، إن تصريح قوات الدعم السريع بأنها "لن تترك مكاناً آمناً بعد اليوم"، متبوعاً بهجمات على مدن ومناطق جديدة، يشير إلى تحول واضح في استراتيجيتها نحو تصعيد شامل للحرب، مضيفاً أن هذا النوع من التصعيد له عدة أبعاد وتأثيرات منها توسيع رقعة العمليات، وإدخال مناطق لم تكن ضمن دائرة الاشتباك سابقاً، ما يُنذر باتساع الحرب إلى مناطق جديدة، الأمر الذي يُرهق قدرات الجيش ويفتح جبهات يصعب السيطرة عليها. ويحذر صلاح الدين من أن هذا الأمر قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى والانهيار الأمني في مناطق كانت تُعتبر مستقرة نسبياً، كما أنه يشمل رسالة سياسية وعسكرية ويُظهر رغبة قوات الدعم السريع في فرض معادلة جديدة بالقوة، عبر التأكيد على قدرتها الوصول لأي منطقة. ويقول: "أيضاً فإن طبيعة الاستهدافات التي حدثت مؤخراً تهدد الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والوقود والاتصالات، ما ينذر بكارثة إنسانية أوسع". ويضيف: "بالنسبة لي، كمواطن أتبنّى موقفاً صفرياً من مليشيا الدعم السريع، فإن التصعيد الأخير الذي أعلنت عنه وشرعت في تنفيذه ـ تحت شعار لن نترك مكاناً آمناً بعد اليوم ـ يُمثّل امتداداً طبيعياً لمشروعها التخريبي، القائم على منطق السيطرة بالسلاح، وتوسيع رقعة الحرب على حساب المدنيين".

عروة الصادق: غالباً ما تفتح لحظات الذروة العسكرية، إن أُحسن استثمارها دبلوماسياً، نوافذ لاختراقات سياسية

ويشير إلى أن ما يحدث الآن ليس مجرد تحول عسكري، بل إعلان واضح عن نية لتفكيك ما تبقى من نسيج الدولة، وإغراق مناطق جديدة في مستنقع الحرب والفوضى. ويقول: "هذا التصعيد، في تقديري، لا يهدف لتحقيق مكاسب ميدانية فحسب، بل يرمي أيضاً إلى فرض واقع سياسي بالقوة، والتشويش على أي مساعٍ لحل حقيقي قائم على دولة القانون". ومن هذا المنطلق، يرى صلاح الدين أن أي محاولة لفهم ما يجري خارج إطار الإدانة الصريحة لقوات الدعم السريع كمليشيا خارجة عن القانون، متورطة في جرائم حرب، شكل من أشكال التواطؤ أو المساومة الأخلاقية. ويتابع: "لذلك، فإن موقفي واضح: لا يمكن الحديث عن سلام أو تسوية في السودان بوجود مليشيا مثل الدعم السريع دون نزع سلاحها، وتفكيكها، ومحاسبة قادتها. ولا يمكن تبرير نقل الحرب إلى مناطق جديدة بأي ذريعة، لأن المتضرر الحقيقي هو الشعب السوداني، الذي يدفع وحده ثمن هذا المشروع الدموي".

نقطة تحول في مسار النزاع

ويرى القيادي في حزب الأمة القومي عروة الصادق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التصعيد العسكري الأخير، الذي شهد نقل الحرب إلى مناطق كانت تُعد حتى وقت قريب آمنة، كمدينة بورتسودان وشرق السودان ونهر النيل والشمالية والنيل الأزرق، يمثل نقطة تحول حاسمة في مسار النزاع. ويقول: "ما نراه اليوم ليس مجرد امتداد جغرافي للقتال، بل هو انتقال للمعركة إلى طور استراتيجي جديد يسعى فيه كل طرف إلى كسر التوازن بالقوة، وتحقيق مكاسب ميدانية لإعادة تشكيل المشهد السياسي والتفاوضي". ويضيف: "لكن وكما في تجارب مشابهة، غالباً ما تفتح لحظات الذروة العسكرية، إن أُحسن استثمارها دبلوماسياً، نوافذ لاختراقات سياسية. وبالفعل توافرت معلومات موثوقة عن إرسال وفد سري إلى إحدى الدول المجاورة لبحث استئناف التفاوض، في ظل تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية لإعادة فتح مسار جدة (مايو 2023) أو أي بديل عملي، وهناك مبادرة هادئة للسفير السعودي (علي بن حسن جعفر) ببورتسودان جمعت سفراء ثماني دول".

ويعتبر الصادق أنه ورغم ذلك فإن طريق الحل ليس معبداً، "فالجماعات المتكسبة من استمرار الحرب، ومنظومة الفساد التي كرّسها الحزب المحلول (نظام الرئيس المخلوع عمر البشير)، بالإضافة لشبكة تمويل وإدارة الحرب من سدنة انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، بدأت على الفور حملة منظمة لقطع الطريق أمام أي تواصل أو تهدئة، مستخدمة أبواقها الإعلامية وصحافيي غرف الحرب في التحريض والتخوين والتأزيم. وهذه الجهات لا ترى في السلام فرصة للاستقرار، بل تهديداً لمصالحها المحمية بالنار والدخان". ويشير الصادق إلى أنه في المقابل، تشهد المنطقة تحركات حيوية، أبرزها زيارة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يسعى لإعادة طرح مفهوم "تصفير النزاعات" ضمن أجندة أوسع لإعادة ترتيب النفوذ الأميركي في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، مستثمراً إخفاق السياسات السابقة. ويعتبر أنه بناءً عليه يمكن القول إن التصعيد فتح الباب، لا لإغلاق الحل السياسي، بل لإعادة تعريفه ضمن سياق إقليمي ودولي أكثر جدية، و"الخطر الآن لا يكمن في التصعيد ذاته، بل في قدرة الأطراف المتصارعة على التقاط هذه اللحظة التاريخية، والتصدي بصرامة لمحاولات تخريب أي مسعى نحو سلام حقيقي وعادل".

Read Entire Article