ARTICLE AD BOX

<p>الشتاء النووي هو ظاهرة مناخية تسببها حرب نووية واسعة النطاق (أ ف ب)</p>
تنفس المتشائمون حول إمكان وقوع حرب نووية عالمية الصعداء بعد التوصل إلى اتفاق الهدنة بين الدولتين النوويتين بعد أربعة أيام من هجمات صاروخية ومدفعية وبالطيران المسير بين البلدين، أسفرت عن مقتل 60 شخصاً في الأقل ونزوح الآلاف من مواطني وجنود الطرفين، وكان التوتر تصاعد بصورة خطرة بعد الهجوم الباكستاني الذي أدى إلى مقتل 26 شخصاً في كشمير الهندية، فشنت الهند ضربات جوية داخل باكستان، وردت الأخيرة بإسقاط طائرات هندية وتهديدات بالرد.
الحرب النووية الضيقة كالموسعة
قبل إعلان الهدنة بين باكستان والهند تنافس السياسيون والإعلاميون والمهتمون بمحاولة استشراف إمكان وقوع حرب نووية بين البلدين، وما الذي يمكن أن يصيب العالم بأجمعه بسبب هذه الحرب، فكلا البلدين يمتلك ترسانات نووية ضخمة، وما يمنع الحرب النووية بينهما بعد ثلاثة عقود من النزاع هو ما يعرف بـ"الردع النووي" الناتج من امتلاك الطرفين السلاح النووي ما يردعهما من استخدامه بسبب العواقب الكارثية التي ستصيبهما.
إلا أن السيناريوهات التي تخيلها المتشائمون من وقوع حرب نووية مصغرة تبدأ من حدوث مشكلات صغيرة تتفاقم بسرعة بسبب سوء التقدير أو بسبب الحوادث غير المقصودة، كإنذار خاطئ أو تصرف متهور يفرط سبحة الردود المتقابلة والمتبادلة إلى ردود أكبر وأوسع تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
عام 2022 كاد إطلاق الهند عرضاً صاروخاً من طراز "براهموس" نحو الأراضي الباكستانية يتسبب في نشوب نزاع واسع لولا التوضيح الهندي بأن الصاروخ أطلق من طريق الخطأ ولم يكن مسلحاً ولم يؤد إلى وقوع ضحايا.
وسوء الفهم الذي قد يفتح الحرب تتزايد حظوظه كلما تصاعدت التوترات، على سبيل المثال، قد ينظر إلى مناورات عسكرية أو تحركات قوات العدو على أنها استعداد لهجوم، مما يدفع إلى رد فعل غير محسوب النتائج، ويشارك الضغط الشعبي والإعلامي في تصاعد التوتر حين يتعرض السياسيون إلى ضغوط للرد بقوة، مما يدفع إلى اتخاذ قرارات متسرعة بخاصة أن الثقة المتبادلة بين البلدين ضعيفة، وقد لا تكون كافية لمنع التصعيد التدريجي، بخاصة إذا استمرت الهجمات والردود من دون تدخل دبلوماسي فعال.
وتملك باكستان عقيدة نووية صريحة قائمة على "الردع الفوري" في حال شعرت بتهديد وجودي، أما العقيدة النووية الهندية فتقوم على الرد الفوري أو ما يسمى "ضربة انتقامية ضخمة".
والملف الكشميري لا يزال يمس مشاعر قومية ودينية ملتهبة بين البلدين منذ عام 1947، تاريخ انفصال باكستان عن الهند كدولة تضم المسلمين الهنود، إلا أن المتفائلين يرون أن قرار الحرب النووية ليس بهذه السهولة الافتراضية، وأن وجود جنرالات حكماء في الجيشين الهندي والباكستاني سيؤدي إلى استعادة الهدوء، وهذا ما حدث بالفعل وقد ساعد الضغط الدبلوماسي العالمي من كل الأطراف على الوصول إلى هذه الهدنة أيضاً.
حرب نووية بين الهند وباكستان
هذا السيناريو لن يؤدي إلى "يوم القيامة" في جنوب آسيا، بل إلى كارثة عالمية من الطراز الثقيل عكس ما يظن كثير من المعلقين بأن حرباً عالمية صغيرة قد لا تنتشر إلى سائر أنحاء العالم، وبأن تأثيرها سيطاول المناطق التي تقع فيها وحسب، وتوقع سيناريو واقعي أجرته جامعة برينستون عام 2019، بالتعاون مع باحثين من جامعات أخرى مثل روتجرز وكولورادو، يحاكي حرباً نووية بين الهند وباكستان النتائج المترتبة على هذا النزاع.
تبدأ المحاكاة بهجوم إرهابي كبير على البرلمان الهندي، مما يدفع الهند إلى تعبئة قواتها على طول خط السيطرة في كشمير، وترد باكستان بتعبئة مماثلة، ويتصاعد التوتر بسرعة، وفي ظل هذه الظروف، تتخذ باكستان قراراً باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد القوات الهندية المتقدمة، وترد الهند بضربة نووية إستراتيجية واسعة النطاق.
وتراوحت التقديرات لعدد القتلى نتيجة بدء هذا الهجوم بين 50 و125 مليون قتيل خلال الأسبوعين الأولين، وذلك بعد استهداف 250 مدينة في الهند وباكستان التي تُدمر بالكامل، وبدلاً من إكمال تعداد الأضرار الناتجة من استخدام السلاح النووي بشكل مباشر بين البلدين نعرض هنا للأضرار التي سيصاب بها كوكب الأرض ووجود البشر عليها بسبب الشتاء النووي الذي سينتج من حرب نووية بين الهند وباكستان.
ما الشتاء النووي؟
الشتاء النووي هو ظاهرة مناخية تسببها حرب نووية واسعة النطاق، وذلك حين يؤدي انفجار عدد كبير من القنابل النووية فوق المدن والمناطق الصناعية إلى اندلاع حرائق هائلة تطلق سحباً كثيفة من الدخان الأسود والسخام إلى طبقات الجو العليا (الستراتوسفير)، هناك، يبقى هذا السخام معلقاً أشهراً وربما أعواماً، حاجباً أشعة الشمس فارضاً ما يشبه فصل شتاء طويل وقاس وقاتل على كوكب الأرض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتسبب كل قنبلة نووية تنفجر فوق مدينة إلى حرائق ضخمة تصل حرارتها إلى آلاف الدرجات، وتحرق كل شيء من البلاستيك إلى الأسمنت والخشب والغازات الصناعية، ويُحول كل أنواع المياه الموجودة في الأنهار والبحيرات إلى بخار ماء، ولا يتلاشى السخام بسهولة من الغلاف الجوي لأنه لا يسقط مع المطر، فيشكل حاجباً لضوء الشمس وحرارتها مدة قد تصل إلى عقد من الزمن.
وينخفض ضوء الشمس بنسبة تصل إلى 60-70 في المئة في معظم المناطق، وتنخفض درجات الحرارة العالمية بمعدل درجة إلى 2.5 درجة مئوية، وتتأثر دورة الأمطار والرياح الموسمية، وفي أول عام قد تنخفض إنتاجية القمح والذرة والرز بنسبة 10 إلى 40 في المئة حول العالم.
وبحسب دراسة من جامعة روتجرز (2022)، فإن الحرب النووية بين الهند وباكستان يمكن أن تؤدي إلى مجاعة تصيب ما بين مليارين إلى 5 مليارات إنسان، حتى إن دولاً مثل الولايات المتحدة والصين ستعاني نقصاً حاداً في الغذاء.
أما من منظور بيئي عام فإن الشتاء النووي سيؤدي إلى موت الغابات وتراجع مخزون الأسماك بسبب اضطراب السلاسل الغذائية البحرية، وانقراض جماعي للكائنات الدقيقة والأساسية.
هذا النقص في الغذاء والتدفئة والحاجات الأساسية الضرورية سيؤدي إلى اضطرابات اجتماعية عالمية وإلى حروب أهلية بسبب نقص الغذاء، وبالطبع إلى ثورات وانقلابات في دول كثيرة من العالم الثالث والدول الأكثر فقراً، ويضاف إلى كل ذلك انطلاق موجات لجوء ونزوح وهجرة عالمية لا يمكن احتواؤها في طقس بارد جداً.
ويشير هذا السيناريو القيامي إلى أن معظم المدن الكبرى ستُدمر، والبنية التحتية في معظم الدول ستكون منهارة في مجالات الطاقة والطرقات والاتصالات والمستشفيات، بسبب الإشعاع النووي والدمار وكذلك بسبب الشتاء النووي.
وستنهار التجارة الدولية، وتصبح أسواق المال خارجة عن العمل ولا حاجة إليها، وستدخل اقتصادات الدول في حال ركود عميق قد يستمر عقوداً، كما ستنهار كثير من الحكومات حتى تصبح غير قادرة على السيطرة على الأوضاع فاتحة الطريق أمام نشوب حروب أهلية أو عرقية أو دينية وإلى صراعات اجتماعية بسبب نقص الموارد والانخفاض المستمر في درجات الحرارة وتدهور الأراضي الزراعية الذي قد يستمر عقوداً أو حتى قروناً.