الصومال: اعتراف بولاية جديدة يثير مخاوف على النظام الفيدرالي

2 weeks ago 8
ARTICLE AD BOX

أثارت مخرجات المنتدى التشاوري بين الشركاء السياسيين في الصومال، الذي عُقد نهاية الأسبوع الماضي في مقديشو، والذي شارك فيه ثلاثة رؤساء ولايات فيدرالية من أصل 5 ولايات، إلى جانب رئيس الصومال حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء حمزة عبدي عبري، جدلاً واسعاً في الصومال، خصوصاً بعد اعتماد إقليم خاتمو ولاية رسمية في النظام الفيدرالي المعمول به في البلاد، إذ اعترضت حكومة صوماليلاند (إقليم انفصالي غير معترف به دولياً) على هذا القرار باعتبار أن هذا الإقليم جزء من كيان صوماليلاند. كذلك أبدت ولاية بونتلاند رفضها الشديد لنتائج المؤتمر الذي غاب عنه رئيسا ولايتي بونتلاند وجوبالاند (سعيد عبد الله دني وأحمد إسلام مدوبي) نتيجة الخلافات السياسية بين الولايتين والحكومة الفيدرالية حول التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان الفيدرالي عام 2024 وشرعية انتخاب رئيس جوبالاند أحمد إسلام مدوبي أواخر العام الماضي.

وخلص المنتدى التشاوري الوطني في الصومال إلى ضرورة توحيد البيت الداخلي وتكثيف الجهود لدعم القوات المسلحة في محاربة الجماعات الإرهابية (حركة الشباب وتنظيم داعش) واحترام المؤسسات الدستورية والعمل في إطار القانون والدستور الصومالي، إلى جانب التعاون والتكامل بين الحكومات الإقليمية واللجنة الانتخابية لتوسيع عملية تسجيل الناخبين تمهيداً لإجراء انتخابات حرّة ونزيهة، وكذلك الترحيب بالتعددية السياسية، وتشجيع الأحزاب السياسية على التسجيل والمشاركة في الحياة السياسية، وأخيراً الاعتراف رسمياً بإدارة ولاية خاتمو عضواً في الحكومة الفيدرالية، والدعوة إلى عقد المؤتمر العام المتفق عليه بشأنها بالتعاون بين الحكومة المركزية والإدارة المحلية.

وبحسب مراقبين، فإن ضمّ ولاية خاتمو ضمن إطار النظام الفيدرالي في الصومال، واعتبارها عضواً في مخرجات المؤتمر التشاوري الوطني، هدفه الحد من أصوات المعارضة من ولايتي بونتلاند وجوبالاند وإكساب زخم شرعي لقرارات ونتائج المنتدى التشاوري، وهي خلافات تتصاعد داخلياً بعد زيارة رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري إلى مدينة لاسعانود (خاتمو) في إبريل/ نيسان الماضي، وتدور تلك الخلافات حول مكانة ولاية خاتمو في النظام السياسي راهناً في الصومال.

عدنان عبدي علي: الرئيس حسن شيخ محمود سينجح في طرح شكلٍ انتخابي جديد لا صلة له بالانتخابات غير المباشرة

استقطابات حادة في الصومال

وفي هذا السياق، يقول الصحافي الصومالي عدنان عبدي علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تأثير غياب رئيسي ولايتي بونتلاند وجوبالاند عن المؤتمر ورفضهما قرارات المنتدى باعتراف خاتمو ولاية رسمية، تزامن في وقت حساس جداً يضغط فيه المجتمع الدولي نحو التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في البلاد ومع اقتراب دخول إدارة الرئيس حسن شيخ محمود عامها الأخير (15 مايو/ أيار 2026) الذي دائماً ما يشهد استقطابات سياسية حادة جداً. ويضيف: أفرز البيان الختامي للمؤتمر شرعنة إدارة خاتمو، ما يعني ولادة ولاية فيدرالية جديدة في شمال شرق البلاد لكسر أطماع الانفصاليين (صوماليلاند) والتمرّد السياسي المزمن لولاية بونتلاند ضد الحكومة المركزية خلال عقدين ونصف. ويشير إلى أن خاتمو أمامها مسار طويل من الإصلاحات، حيث تنتظرها خطوات سياسية وفنية ابتداء من تنظيم مؤتمر شامل لسكان المناطق الواقعة تحت سيطرتها وكتابة دستور رسمي لها وتنظيم انتخابات لاختيار قيادة جديدة تحت إشراف وزارة الداخلية الفيدرالية.

أما على مستوى المعارضة السياسية في الصومال ورؤيتها لمخرجات المنتدى التشاوري، يرى عدنان عبدي علي أن المعارضة السياسية ليست منظّمة وليست لديها أوراق ضغط كافية أو حتى استعداد حقيقي ملموس للجم أجندات الحكومة الأمنية والسياسية، وتراهن على التدخلات الخارجية لتوجيه السلطة الحالية نحو تبني سياسة توافقية في الملفات الأمنية والسياسية، أبرزها مكافحة الإرهاب وطرح نموذج انتخابي يحظى بموافقة أغلبية الأطراف. لكن برأيه، فإن ما يحرك إدارة الرئيس حسن شيخ محمود يكمن في ضعف موجود من ناحية التعبئة السياسية وفشل المعارضة لبناء تحالفات جديدة تعيد تشكيل المشهد وتقديم بديل يتمتع بثقل كبير في الداخل والخارج.

خاتمو وإجراءات الفدرلة

وحول نموذج الانتخابات المباشرة الذي أقرَّه المنتدى التشاوري، يعتقد الصحافي الصومالي أن "الاقتراع المباشر بمعاييره المتعارفة عليها دولياً، ليس ممكناً في الصومال، لكن الرئيس حسن شيخ محمود سينجح في طرح شكلٍ انتخابي جديد لا صلة له بالانتخابات غير المباشرة كما جرت العادة في الاستحقاقات السابقة، وليس الاقتراع المباشر، وهذا يحقق تقدماً جيداً في مسار التحول الديمقراطي في الصومال والرئيس قادر على خوض محادثات سياسية صعبة مع الأطراف المعارضة وإقناع المجتمع الدولي بنتائجها".

وحول شرعية انضمام خاتمو ولاية رسمية في النظام الفيدرالي، يقول الباحث في القانون الصومالي، موسى أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن خاتمو أضحت ولاية فيدرالية قانونية من الناحية الدستورية ومن حيث الأسس التي جرى اعتمادها للاعتراف بالولايات الفيدرالية منذ عام 2013، وذلك لأن كل ولاية فيدرالية تستمد شرعيتها من الدستور ومن الحكومة الفيدرالية، التي تنص على أن الولاية عضو في الحكومة الفيدرالية، خصوصاً من خلال مجلس الوزراء. ومن الجدير ذكره أن القانون الفيدرالي الذي يُفصل إجراءات الفدرلة في البلاد لم يصدر حتى الآن.

وبحسب موسى أحمد، فإنه عند النظر إلى هذه الجوانب كافة، يتبين أن ولاية خاتمو هي الولاية الوحيدة التي مرّت بأكثر الإجراءات المعقولة التي يمكن اتباعها للاعتراف بإدارة إقليمية، وذلك للأسباب التالية: أولاً، فهي ولاية فدرالية تتكون من ثلاثة أقاليم من أصل 18 إقليماً كانت تشكل الدولة المركزية الصومالية التي انهارت عام 1991، وهي أقاليم سول، سناغ، وتوغدير (ويُطلق على الأخير حالياً اسم عين)، وبالتالي مرت الولاية بمرحلة انتقالية دامت سنتين بدأت في 6 فبراير/ شباط 2023، حين أُعلن عن تأسيس الإدارة، وانتهت في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 عندما اعترفت بها وزارة الشؤون الداخلية الفدرالية بعد أن تبين أنها قادرة على إدارة نفسها. كذلك اعترف بها مجلس الوزراء كولاية فدرالية بعد زيارة رئيس الوزراء حمزة إلى مدينة لاسعانود، عاصمة الإدارة، في 15 إبريل/ نيسان الماضي، وفق أحمد.

محمد سعيد: الدستور المؤقت لا يدعم مطالب الطبقة السياسية ووجهاء العشائر لخاتمو

ويرى مراقبون أن ولاية خاتمو تتكون فقط من إقليم واحد فقط وهو إقليم سول، بينما تسيطر أجزاء فقط على إقليمي عين وسناغ، رغم زعم خاتمو أن الإقليمين تابعان لهما إدارياً وجغرافياً، حيث تتواجد فيهما أيضاً إدارة صوماليلاند، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة يواجهها النظام الفيدرالي في حال بروز أقاليم أخرى تسعى لتأسيس ولايات فيدرالية في وسط وجنوب البلاد.

وفي هذا السياق، يقول الباحث الصومالي محمد سعيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الدستور المؤقت لا يدعم مطالب الطبقة السياسية ووجهاء العشائر لخاتمو، إذ ينص على عدم جواز تأسيس ولاية فيدرالية تتكوّن من أقل من محافظتين. ويضيف: رغم هذه التحديات الدستورية التي واجهت الولاية أخيرا، فقد حصلت على اعتراف رسمي من مجلس الوزراء، وكذلك من المنتدى التشاوري الأخير، ما يشير إلى أن "فيلا صوماليا" (مقر قصر الرئاسة في مقديشو) ارتأت في ذلك فرصة سياسية للضغط على كل من بونتلاند وصوماليلاند في آن واحد، وقد استُخدمت هذه الورقة السياسية بمهارة حتى الآن. وفي الأيام المقبلة، وفق سعيد، من المتوقع أن ترتفع وتيرة السعي نحو تأسيس ولايات فيدرالية جديدة في الصومال، لا سيما في ظل التجاذبات السياسية المتصاعدة بين أبناء إقليم هيرشبيلي، والوضع الداخلي غير المستقر في جوبالاند، وهو ما قد يفضي إلى تأسيس ولاية فيدرالية جديدة تناقض بنود الدستور الصومالي.

Read Entire Article