ARTICLE AD BOX
لا يمكن فصل ما حدث من استهداف إسرائيلي لسفينة أسطول الحرية المتجهة إلى غزة من أجل كسر الحصار على القطاع، في الثاني من مايو/ أيار الحالي، عن سياق حرب الإبادة المستمرة على القطاع منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وسياسة التجويع التي تنتهجها حكومة الاحتلال منذ 2 مارس/ آذار الماضي، بإغلاقها كلّ المعابر، وإيقافها إدخال المساعدات الإنسانية والسلع إلى القطاع، وسط دعم واضح وصريح لمسؤولي ووزراء الاحتلال لسياسة تعميق المجاعة. ورغم المناشدات المكثفة من قبل مسؤولي تحالف أسطول الحرية والناشطين فيه، والداعمين للقضية الفلسطينية، لا تزال سفينة "الضمير" المتضررة قابعة منذ أكثر من أسبوع في المياه الدولية قبالة سواحل مالطا، التي ترفض حكومتها حتى الآن منح الإذن لرسوها في أحد موانئها بغية إصلاحها، وسط مخاوف من استهداف إسرائيلي جديد قد يطاولها. وتشير المحامية الفلسطينية الأميركية في مجال حقوق الإنسان، هويدا عرّاف، أحد منظمي أسطول الحرية، والمؤسسة المشاركة لحركة التضامن الدولية في حديث مع "العربي الجديد"، إلى تقارير تتحدث عن أن الاحتلال ضغط على مالطا لوقف أسطول الحرية وعدم السماح له بالرسو في موانئها، مطالبة بتحقيق شامل في كيفية تعاون مالطا مع إسرائيل وحقيقة هذا التعاون، وما إذا كانت على علم بالهجوم الإسرائيلي على الأسطول.
هويدا عرّاف: إنه لأمرٌ مخزٍ ومرعب للغاية أن تكتفي دول حول العالم بمشاهدة إسرائيل تجوّع شعباً بأكمله حتى الموت
تعامل مالطا مع أسطول الحرية
تروي عرّاف كيف تعاملت حكومة مالطا مع نداءات الاستغاثة التي أطلقها أسطول الحرية عقب استهدافه، قائلة: "لم تُقدّم الحكومة المالطية الاستجابة الطارئة لنداء الاستغاثة التي توقعناها، لأنها منعت دخولنا إلى مياهها الإقليمية. أطلق القبطان نداءات استغاثة فور إصابتنا. لم نتلقَّ أي رد من الحكومة المالطية. كانت قبرص أول من استجاب، ولم تتمكن من تقديم المساعدة التي احتجناها. في النهاية، ساعدت قاطرة في المنطقة طاقمنا على إخماد الحريق على متن السفينة".
وأجلت تركيا الاثنين الماضي ستة ناشطين أتراك كانوا على متن السفينة المستهدفة، وذلك عبر سفارتها في مالطا، وعادوا إلى بلادهم، في وقت بقي فيه الطاقم المؤلف من 12 فرداً على متن السفينة التي ما زالت تنتظر موافقة السلطات المالطية على الرسو في أحد موانئها. في السياق، تقول عرّاف إن "الحكومة المالطية عرضت إجلاء طاقم السفينة والناشطين، وهو ما لم يُرده أحد، لأنهم لو غادروا السفينة، لكانت عالقة في المياه الدولية، وكنا بذلك سنتركها عرضة للمصادرة من قِبل أي جهة أخرى"، مشيرة إلى أنه "كان من شأن التخلي عن المساعدات التي كانت على متن السفينة، أن يعرّض قدرتنا على مواصلة رحلتنا إلى غزة للخطر".
وتعلّق عرّاف في معرض حديثها عن موقف مالطا، على إعلان حكومتها الثلاثاء الماضي، أنها ستجري إصلاحات في المياه الدولية على متن السفينة المتضررة، واصفة الأمر بأنه "مسرحية"، ومشددة على أن عملية الإصلاح المطلوبة لا يمكن أن تحصل في المياه الدولية، خصوصاً مع حركة الأمواج الآن. وتعتبر أن على مالطا السماح برسوّ السفينة في مينائها، إذا أرادت حقاً المساعدة. وتستذكر عرّاف ما حصل مع أسطول الحرية العام الماضي، وتقول: "كنا قد جهّزنا ثلاث سفن للإبحار، بما في ذلك سفينة شحن تحمل خمسة آلاف طن من المساعدات، ولكن جرى إيقافنا بسبب التخريب البيروقراطي من الدول التي نرفع علمها، وتركيا أيضاً. الآن تمكّنا من تجهيز هذه السفينة الوحيدة، ولم نرغب في خسارتها، لذلك لم يكن أحد مستعداً للتخلي عنها".
وتضيف: "ما نطلبه بدلاً من ذلك، هو أن تسمح لنا مالطا بدخول مياهها الإقليمية، لأن إسرائيل ضربت سفينتنا في المياه الدولية، وليس لدينا أي ضمانات بأنها لن تضربنا مجدداً. لكن ضربنا في المياه المالطية سيُسبب "حادثة" كي لا نقول "أزمة" دبلوماسية لإسرائيل، لأنها تكون بذلك قد قصفت أراضيَ أوروبية، وبالتالي هذا الأمر سيوفر الحماية لجميع من كانوا على متن السفينة، ليتمكنوا من دخول المياه الإقليمية المالطية، وقد رفضت مالطا هذا الطلب باستمرار. في الواقع، أردنا الرسو في ميناء مالطا لنتمكن من إنزال الجميع من السفينة، والتأكد من أنهم بخير، ثم البدء في عملية إصلاح السفينة". وتتابع: "رُفض ذلك بالتأكيد، وعندما قلنا لاحقاً إن السفينة يُمكن أن تقترب بضعة أميال لأنها مكشوفة هنا، ونخشى أن تُقصف مرة أخرى، رُفض ذلك أيضاً. لذا، كان ردهم مخيباً للآمال للغاية، ولم يفوا بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي، حيث تعرضت سفينة مدنية للقصف، وأصدرت نداء استغاثة، وكان على مالطا، باعتبارها الدولة الأقرب إليها، التزام تقديم المساعدة لها ولجميع من على متنها"، مشددة على أنه لا يوجد عذر لموقف مالطا.
ما زال حوالي 70 ناشطاً من حوالي 21 دولة متجمّعين في مالطا حيث يتلقون تدريبات
إصرار على متابعة الرحلة إلى غزة
ما زال حوالى 70 ناشطاً من حوالى 21 دولة متجمّعين في مالطا حيث يتلقون تدريبات، وكان يفترض بهم أن ينضموا إلى أسطول الحرية، لكن الاستهداف الإسرائيلي أخّر العملية، في وقت كان فيه على متن السفينة المستهدفة ستة ناشطين، بالإضافة إلى 12 من أفراد الطاقم، وفق عرّاف. وعلى الرغم مما حصل، تصرّ عرّاف على أن أسطول الحرية لن يتوقف عن محاولة الوصول إلى غزة، رغم اعترافها بأن الهجوم سيؤخرهم لمدة غير معلومة بعد، بسبب عدم القدرة على إصلاح السفينة التي باتت عاجزة عن الإبحار دون إصلاح، قائلة: "من المحزن أن نقول إن جميع دول البحر الأبيض المتوسط تعرقل جهودنا للوصول إلى غزة"، مشددة على أن هذه الدول هي التي يجب أن تتحدى الحصار الإسرائيلي، وأن تضع المساعدات على السفن، وتصرّ على الوصول إلى غزة، لكنها لا تفعل ذلك، فهي تمتثل للحصار الإسرائيلي المميت وغير القانوني، ولا يقتصر الأمر على كونها لا ترسل مساعداتها الخاصة، بل إنها تمتثل أيضاً للمطالب الإسرائيلية الأميركية بمنعنا من تحدي الحصار.
وتضيف عرّاف: "إنه لأمرٌ مخزٍ ومرعب للغاية أن تكتفي دول حول العالم بمشاهدة إسرائيل تجوّع شعباً بأكمله حتى الموت، بالإضافة إلى كل هذا القصف والدمار الهائل الذي لم نشهده في حياتنا. لكن أن تُعلن علناً أنك تُجوّع سكاناً مدنيين في أسلوب حرب، وتكتيك للضغط، للحصول على تنازلات سياسية، فهذا بلا شك غير قانوني، وجريمة حرب. لا يُسمح لك بتجويع سكان مدنيين عمداً، ولا يُسمح لك بتوجيه تكتيكات عسكرية وهجمات على المدنيين"، مشيرة إلى أن دول العالم، وبالتأكيد الدول الكبرى التي لديها القوة والنفوذ لتغيير سلوك إسرائيل، وتحديداً الولايات المتحدة، وكذلك الدول الأوروبية، لا تفعل شيئاً حيال ذلك، قائلة: "بعض الدول الأوروبية تبدي قلقها وتصدر إدانات، لكن هذه مجرد عبارات مبتذلة، فما نحتاجه هو الفعل، ما نحتاجه هو فرض المساعدات على غزة"، مشددة على أن معظم دول العالم شريكة ومتواطئة في هذه الإبادة الجماعية.
وتتوجّه عرّاف برسالة إلى الدول العربية "التي لم تُصدر سوى شعارات فارغة لا قيمة لها"، قائلة إن "بإمكانها أن تفعل شيئاً إزاء ما يحصل في غزة، وكلنا نعلم أنها تستطيع ذلك إذا توحدت الدول العربية والإسلامية، وإذا شكلت كتلة قوية قادرة على الوقوف في وجه الولايات المتحدة وأوروبا، وإجبار إسرائيل على إنهاء حصارها واحتلالها واستعمارها للأرض الفلسطينية، لكنها أيضاً تواطأت بشكل مخجل، وكشفت عن نفسها أمام شعوبها والعالم أجمع، وأنا شخصياً، بكوني شخصاً نشأ على الفخر والشرف العربي، لا أرى ذلك في سلوك هذه الدول العربية. إنه لأمر مؤسف. إنه إجرامي، والتاريخ بالتأكيد لن يرحمها".
وتستطرد: "المحزن في الأمر أن الأوان قد فات على الكثير من الفلسطينيين، حتى لو دخل الطعام الآن، فقد وقع الضرر على كثيرين، ليس فقط على من ماتوا، بل على من جُوّعوا لأسابيع وأشهر، فقد لحق الضرر بأجسادهم وعقولهم ومستقبلهم. لقد دمّرت إسرائيل جيلاً كاملاً من الأطفال، بينما العالم منغلق على نفسه عمداً ولم يفعل شيئاً، إنها حالة مروعة يعيشها عالمنا، لكننا لن نقبلها، وسنواصل العمل ليلاً نهاراً، بكل ما أوتينا من قوة لتغيير ذلك. ليس الأمر سهلاً لأننا نواجه قوى عظمى، لكننا نؤمن بأن علينا أن نفعل شيئاً، وسفينة أسطول الحرية من هذه الأمور".
فاروق المغربي: يمكن للجمعيات التي تعرضت للهجوم أن تقوم بإيصال مستنداتها إلى المحكمة الجنائية الدولية
خطوات محاسبة إسرائيل
على الرغم من فشل تجارب سابقة في محاسبة إسرائيل، يصرّ أسطول الحرية على استخدام كل الوسائل والأدوات المتاحة له لمحاسبتها على هجومها على سفينته، وتقول عرّاف في هذا السياق: "نحن نضغط الآن مع السياسيين، وننسق مع النقابات العمالية والحملات الأخرى، لتطبيق الضغط اللازم، كذلك قُدِّمَت شكاوى من قبل المحامين الداعمين في مختلف المحافل الدولية إلى المحكمة الجنائية الدولية"، مضيفة: "نحن نناشد ونرفع التقارير، وننسق مع كل مجموعة ومكان، وألقى أحد أعضائنا خطاباً أمام البرلمان الأوروبي، وهناك برلمانيون جاؤوا وما زالوا يتوافدون إلى مالطا، فضلاً عن وجود دعوات مختلفة للمساءلة، وسنواصل الضغط باستخدام أي شيء وكل شيء، وأي استراتيجية وتكتيك في وسعنا للدفع، ليس فقط من أجل إنهاء الحصار على الفور، لأن هذا هو تركيزنا الرئيسي، ولكن بالطبع المساءلة عن جميع جرائم إسرائيل وأولئك الذين يدعمونها".
من جهته، يشير المحامي فاروق المغربي، في حديثه عن الخطوات التي يمكن من خلالها محاسبة إسرائيل، إلى أن الخطوة الأولى تقوم بها بالفعل المحكمة الجنائية الدولية، مذكّراً بأن مذكرات الاعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الأمن الإسرائيلي السابق يوآف غالانت أساسها كان قائماً على تجويع الفلسطينيين، وهذا أمر ثابت، ويُعتبر بمثابة جريمة حرب. ويضيف: "بالنسبة إلى الخطوات الآن، يمكن للجمعيات التي تعرضت للهجوم أن توصل مستنداتها إلى المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن اللجوء إلى لجنة تقصي الحقائق الخاصة بفلسطين، التي يمكنها أن تلعب دوراً في عملية التوثيق، ويبقى هناك الاختصاص العالمي للمحاكم المحلية"، مشيراً كذلك إلى أنه يمكن للضحايا والمتضررين تقديم دعاوى فردية ضد القانون الإنساني الدولي، وانتهاكات جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وحقوق الإنسان أمام محاكم أخرى، في دول ثانية في أوروبا أو آسيا مثلاً.
ويلفت المغربي إلى أن الاتفاقيات التي خرقتها إسرائيل بهجومها على سفينة أسطول الحرية هي الاتفاقيات المرتبطة بالقانون الإنساني الدولي، بالإضافة إلى اتفاقية روما التي أنشئت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية. ويوضح أن الغرفة الابتدائية في المحكمة أصدرت قراراً في عام 2015، يؤكد أن اختصاصها يشمل كامل الأراضي الفلسطينية على حدود عام 1967، وبالتالي فهي مختصة في ما يحصل بغزة. ويشدد على أن إسرائيل خرقت كل الاتفاقيات التي وقّعت عليها، المرتبطة بالقانون الإنساني الدولي، وهي ملزمة لكل الدول، بالإضافة إلى الاتفاقيات المرتبطة بحقوق الإنسان، وأهمها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. يذكر أن أسطول الحرية أطلق عريضة يطالب بموجبها بتحقيق مستقل في الهجوم الإسرائيلي على سفينته، فضلاً عن إنهاء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، مطالباً الناشطين بالضغط على دولهم وحكوماتها لإدانة هذا الهجوم غير المسبوق.
