ARTICLE AD BOX
يهدف مشروع قانون العمالة المنزلية الذي كشفت عنه الحكومة المصرية أخيراً إلى توسيع الحماية الاجتماعية لتشمل مزيداً من العمالة غير المنتظمة.
عند الثامنة صباحاً، تطرق "أم ملك" باب عائلة تتولى تنظيف منزلها في يوم الاثنين من كل أسبوع، وهي تنهي عملها غالباً بحلول الثالثة عصراً، وأحياناً تتأخر لفترة إضافية، وتتقاضى في هذه الحالة خمسمئة جنيه بدلاً من ثلاثمئة، تكرّر الثلاثينية المصرية هذا الأمر في أربعة منازل مختلفة تقوم بتنظيفها كل أسبوع.
تحكي "أم ملك" أنها لا تأمن العمل في تنظيف منازل أشخاص لا تعرفهم، وتقول لـ"العربي الجديد": "أعرف زبائني منذ سنوات طويلة، وأشعر أحياناً أنني جزء من العائلة، إذ أشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ولا أتعامل مع غرباء إلّا في حدود ترشيحات هذه الدائرة الموثوقة نظراً لخطورة عملي".
ورغم أنها حاصلة على شهادة تعليم متوسط، إلّا أنها لا تعرف الكثير عن القوانين والتشريعات، أو أهمية وجود مظلة تأمينية لها، وبالتالي لا تعلم "أم ملك" شيئاً عن مشروع قانون العمالة المنزلية الذي طرحته الحكومة مؤخراً على البرلمان، وتداولته العديد من المراكز البحثية والقوى السياسية بمناقشات مطوّلة، رغم أنه يمس عملها مباشرةً، وهي ترى أن "بعض الأعمال والمهن تعتمد على المهارة والعلاقات والسمعة الحسنة، وهي مصدر توفير حياة كريمة في ظل الأوضاع المعيشية السيئة في مصر".
وأعلن مجلس الوزراء المصري، الأربعاء الماضي، بدء العمل على تمرير مشروع قانون العمالة المنزلية في البرلمان، بعد إجراء حوار مجتمعي حوله، وسبقت هذا الإعلان دعوة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مشاركته في احتفال "عيد العمال" في الأول من مايو/أيار الجاري، إلى إجراء حوار مجتمعي بشأن تشريع جديد ينظم شؤون العمالة المنزلية، ضمن رؤية لإصلاحات عاجلة لأوضاع سوق العمل.
وجاءت دعوة السيسي لتحسم الجدل الشعبي حول مشروع اعتبر البعضُ طرحَه "وصمة عار" بالنسبة للمرأة أو الرجل الذين يعملون في خدمة البيوت، بينما تدعمه تيارات ليبرالية ويسارية، معتبرة أن العمل في المنازل مهنة لا تتوافر بسهولة، ويمكنها استقطاب فئات عاطلة عن العمل، وأن التوجه نحو تنظيمها يحمي حقوق العاملين، ويوفر لهم الأمن لدخول البيوت من دون الخوف من ارتكاب جرائم، أو الوقوع في براثن عصابات الجريمة المنظمة.
ظهر مشروع القانون بعد دعوة السيسي إلى تشريع بشأن العمالة المنزلية
ويأتي العمل على تشريع يخصّ العمالة المنزلية بعد أن خلا قانون العمل الذي أُقر مؤخراً ودخل حيز التنفيذ، من أيّ بنود تتعلق بهذه المهنة، إذ لا يوجد حصر دقيق لعدد العمالة غير المنتظمة في مصر، ومن بينها العمالة المنزلية، وتشير تقديرات حقوقية إلى أن العدد يقترب من 12 مليون عامل وعاملة، بينما لا يتجاوز العدد في قاعدة بيانات وزارة العمل مليوني عامل.
وكشفت مصادر محلية مطّلعة على الملف، عن بعض تفاصيل مسودة مشروع قانون العمالة المنزلية المرتقب، وقالت رئيس الإدارة المركزية للإدارة الاستراتيجية في وزارة العمل آمال عبد الموجود، للتلفزيون المصري، إنّ "المسودة الحالية للقانون جرى إعدادها بالتشاور مع مختلف الأطراف المعنية. الهدف الأساسي هو وضع إطار قانوني ينظم العلاقة التعاقدية بين صاحب العمل والعامل المنزلي، ويضمن حقوق وواجبات كل طرف، والفئات التي يشملها القانون تتضمن العاملين الذين يقدمون خدمات داخل المنازل، مثل المربيات، وعمال النظافة، والسائقين، والحراس".
وكانت هناك نسخة مُعدّة سلفاً لمشروع قانون العمالة المنزلية، طرحتها "دار الخدمات النقابية والعمالية"، التي عارضت عدد من بنود قانون العمل الجديد قبل إصداره، وهي تطالب منذ سنوات بقانون لحماية عاملات المنازل، من منطلق أن "أشد أنواع العنف الذي يقع على المرأة العاملة هو عدم حمايتها في بيئة عمل تعرضها لأشكال متعددة من الانتهاكات لعدم وجود قانون ينظم علاقة العمل بينها وبين صاحب العمل".
وقدمت الدار، وهي جمعية أهلية، مشروع قانون مكون من 55 مادة موزعة على ستة أبواب، تتناول العقوبات التي يجب أن تقع على كل من يقوم بمزاولة نشاط تشغيل العمالة المنزلية من دون الحصول على ترخيص من وزارة القوى العاملة، وكل من يقوم بتشغيل عامل منزلي يقلّ عمره عن ثماني عشرة سنة، أو إذا ثبت قيام صاحب العمل بإساءة معاملة العامل المنزلي. احتوى مشروع القانون على مواد لتنظيم مكاتب تشغيل عاملات المنازل، منها مادة تُلزم مكاتب التشغيل المرخصة بتقنين أوضاعها،
وتناول مشروع القانون مواداً خاصة بفضّ النزاع بين صاحب العمل والعامل المنزلي، وتجيز لأي منهما اللجوء إلى الجهة الإدارية المختصة قبل أن تجري إحالة النزاع إلى المحكمة العمالية المختصة، ومن بين أبرز المواد تلك المتعلقة بحظر المعاملة المهينة، أو التحرش اللفظي أو البدني، وعدم جواز تشغيل العامل المنزلي في أعمال خطرة، أو مضرّة صحياً، أو مهينة لكرامته الإنسانية، وتحديد الجهات الإدارية المختصة بنظر الشكاوى.
وأعدت دار الخدمات النقابية مشروع القانون على ضوء الاتفاقية الدولية رقم 189 لعام 2011 الخاصة بتنظيم عمل العمالة المنزلية، التي تجبر الدول المصدقة عليها أن "تتخذ الإجراءات، وتحدد الشروط التي يخضع لها تشغيل وكالات الاستخدام الخاصة التي تعين أو توظف العمال المنزليين وفقاً للقوانين واللوائح والممارسات الوطنية؛ وتضمن وجود آليات وإجراءات مناسبة للتحقيق في الشكاوى، وفحص ادّعاءات الإساءات، والممارسات الاحتيالية المتعلقة بآليات الاستخدام الخاصة فيما يخصّ العمال المنزليين".
كما تنصّ الاتفاقية الدولية على أنْ "تعتمد الدول الأعضاء جميع التدابير الضرورية لتوفير الحماية المناسبة للعمال المنزليين المعيّنين أو الموظفين على أراضيها بواسطة وكالات استخدام خاصة، ومنع الإساءة إليهم، وتشمل هذه التدابير قوانين أو لوائح تحدد الالتزامات الواقعة على وكالات الاستخدام، وتنصّ على عقوبات تشمل حظر الوكالات الضالعة في إساءات أو ممارسات احتيالية".
ولم يكن مشروع القانون الذي أعدته دار الخدمات النقابية والعمالية قبل نحو أربعة أعوام، البداية الفعلية لتنظيم هذا القطاع، فأزمة العمالة المنزلية أبعد من ذلك بكثير. ففي عام 2012، نشأت في مصر أول نقابة تحت اسم "نقابة العاملات بالأجر الشهري" بعد أن اعترضت وزارة القوى العاملة على اسم "نقابة عاملات المنازل"، وذلك بهدف سد فجوة الفراغ التشريعي.
وبلغ عدد مؤسّسي النقابة حينها مئتَين وسبعاً وعشرين عاملة، وتركزت المطالب على "ضمان الحدود الدنيا لمستوى المعيشة، وبناء كيان يضمن تكاليف العلاج، أو إعالتهنّ وأسرهن في حال العجز أو عند بلوغ سن معينة".
لكن تلك النقابة لم تنجح في مهمتها نظراً لغياب الإطار التشريعي، ولطبيعة عمل العمالة المنزلية باعتبارها "عمالةً دوّارة"، إذ يلجأ إليها البعض في حال عدم توافر فرص عمل أخرى، إضافة إلى رفض كثير من عاملات المنازل الشرط الأساسي للانضمام إلى النقابة، وهو أن تدوّن المهنة في البطاقة الشخصية، باعتبار أن هذه "الوصمة المجتمعية" تضع أبناءها في خطر، وقد تعرضهم لمواقف مهينة.
وتناولت العديد من الدراسات والأبحاث هذه الوصمة المجتمعية، من بينها دراسة صادرة عن جامعة الأزهر، للباحثة حنان أمين إسماعيل، توصلت إلى "تعرض العديد من عاملات المنازل لأنواع متباينة من الانتهاکات المادية والمعنوية، وأن الفقر وسوء الأوضاع المعيشية السبب الرئيس وراء انخراط كثير من النساء في تلك المهنة، وأن استبعاد العمالة المنزلية من قانون العمل، وعدم وجود مظلة اجتماعية وصحية وحماية قانونية لهم تؤكد على ضرورة تضافر الجهود من أجل التصدي للانتهاكات التي يتعرضون لها، وضرورة تقنين أوضاعهم".
وأشارت دراسة صادرة حديثاً عن قسم الاجتماع بكلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر، للباحثة لمياء أحمد الأصمعي، إلى أن "المجتمع المصري خضع لتغيرات ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ما نشأ عنه التوسع في محاكاة الدول العربية في استعانة الأسر بالعاملات المنزليات، والمتتبع للظاهرة يجد أنها كانت محصورة في بعض فئات المجتمع. المشكلة تكمن في الاعتماد عليهنّ في التنشئة الاجتماعية، وليس الاستعانة بهنّ في تنظيم شؤون المنزل".
وتوصلت الدراسة إلى أنه "في ظل عمل الزوجة وانشغال الزوج، زادت وقائع الاستعانة بالعمالة المنزلية المحلية، ثم أصبح هناك تفضيل للعاملات المنزليات الأجنبيات، من جنسيات عربية وأفريقية وآسيويّة، ما يعرض الأبناء إلى التأثر بقيم وعادات تختلف عن عادات المجتمع المصري".
