الفتاوى بالقانون.. هل رسبت مصر في اختبار تجديد الخطاب الديني؟

5 days ago 3
ARTICLE AD BOX

<p>جزء من فوضوية الفتاوى في مصر كان نابعاً من تعدد المصادر (أ ف ب)</p>

على مدار عقود، يستيقظ المصري وينام ويولد ويموت على فتوى، وما بين النوم والاستيقاظ آلاف الفتاوى التي حولت الحياة المدنية المتحضرة إلى حياة دينية غارقة في الرجعية والمظهرية. وخرجت أجيال متعاقبة معتقدة أن هذه هي سنة الحياة، وأن الحياة المنزوعة الفتوى، إلا في الحالات التي تحتاج إليها بالفعل، هي حياة الكفار والخارجين عن الملة.

مر ما يزيد على عقد منذ أسقط المصريون حكم جماعة الإخوان المسلمين، سقط حكم الجماعة عام 2013، لكن استمر، بل واستقوى حكم الفتوى، أي فتوى، وتحكمها في حياة الغالبية. وبين دفاع المؤسسات الدينية الرسمية عن هيمنة الفتاوى باعتبارها حماية للأخلاق وتقويماً للسلوكيات وحفظاً للعائلات، ودفاع المؤسسات والجمعيات غير الرسمية وهواة إطلاق الفتاوى ومحترفيها الذين صنعوا علمهم بأنفسهم، وقع المصريون في شباك ملايين الفتاوى التي أحكمت خيوطها حولهم، بعدما سيطر الفكر الثقافي الديني الرجعي، وغلبة الفتوى على سطوة العلم والقانون والتعليم والتربية وحتى الطب والهندسة والسياحة والاقتصاد والسياسة والمال.

القاعدة العريضة من المصريين سلمت مقاليد أمورها لمطلقي الفتاوى، سواء من أصحاب الشأن الرسمي، أم غير الرسمي. وكما أن هناك اقتصاداً رسمياً أبنيته واستثماراته وأرقامه وعدد العاملين فيه معروفة، وآخر غير رسمي ربما يفوقه قوة وسطوة، لكن حقائقه غائبة وحقيقته مطموسة وأعداد العاملين فيه غير معروفة، هناك قطاع إفتاء رسمي له مقر ويعمل فيه مشايخ وعملاء معروفة أسماؤهم، هناك أيضاً قطاع إفتاء غير رسمي يعمل فيه كل من هب ودب، واعتقد في نفسه أنه عالم دين، وتقوى من سطوته وتعزز من انتشاره الشبكة العنكبوتية بمنصاتها الرقمية البعيدة من العين القريبة إلى القلب ونقرة البحث والتفاعل.

فوضى الفتاوى

وبدلاً من إعادة التفكير في هيمنة الفتاوى على مجالات الحياة غير الدينية، وتخليص العلم والعمل والبحث والفن من قبضة إقحام الدين، والعودة لقواعد الدولة المدنية، حيث القوانين تنظم الحياة وتحكم العلاقات بين البشر، وقصر الدين وفتاواه على الشؤون الدينية، اتضح أن أفكار تجديد الخطاب الديني وتنقيحه وتطهيره، وتنظيم فوضى الفتاوى وتوغلها وتغولها تدور في تأسيس مزيد من الأذرع الإفتائية وتدشين عدد أكبر من معاهد تعليم قواعد الفتوى وتخصيص قدر أوفر من الإحصاءات والدراسات والأرقام لرصد العدد المتنامي من الفتاوى، والنسبة المتعاظمة من المفتين، والتفاخر بأن منصات الإفتاء الرسمية في طريقها نحو الهيمنة والتفوق على مثيلاتها من غير الرسمية.

وأصبح جزء معتبر من نشاط المؤسسات الدينية الرسمية موجهاً في السنوات القليلة الماضية للمقارنة بين فتاوى القطاع (أي المؤسسات الدينية الرسمية)، وفتاوى القطاع الخاص (الجماعات والجمعيات والهواة). مقارنة الأعداد، ورصد المحتوى، وتحليل نسبة التطرف إلى الاعتدال، وغيرها صارت دليلاً سياسياً وبرهاناً اجتماعياً وتلويحاً ثقافياً بأن الفتوى تعود لأصولها.

وبين مرصد لمراقبة الفتاوى التي تدعو إلى العنف، ونشرة للتحذير من الجماعات التي تطلق فتاوى بغير العلم، وتخصيص خطوط هواتف ساخنة وأكشاك متنقلة وبعثات متحركة لتلقي أسئلة طالبي الفتوى، مضت جهود المؤسسات الدينية الرسمية لا لاستعادة قبضتها على عالم الفتوى فقط، بل لتأكيد توسع قاعدة الفتوى لتشمل كل كبيرة وصغيرة، وهو ما يعني سطوة رجال الدين على السلطة بصورة أو بأخرى.

بحسب أرقام "ستاتيستا" المتخصص في بحوث الإنترنت، تحل مصر في المرتبة الأولى عربياً من حيث عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، إذ بلغ عدد المستخدمين المصريين نحو 51 مليون مصري. أي من هؤلاء يجد بدلاً من الفتوى 100 أو 1000 بدقة زر. من حكم قراءة القرآن في الباص، إلى حكم دراسة علوم الفضاء في الغرب، إلى حكم الزواج بثانية أو ثالثة من دون إخبار الأولى، يدق المستخدم سائلاً سؤالاً أو باحثاً عن فتوى، فيجيبه بدلاً من المفتي 100. المستخدم العادي لا ينقب في أصل المفتي، أو يبحث في الجماعة أو الجامعة التي ينتمي إليها.

 

مفتي مصر السابق شوقي علام يعلو نجمه هذه الأيام متحدثاً عن فوضى الفتاوى، ومحذراً من عشوائية المفتين غير الرسميين. قال في حديث تلفزيوني قبل أسابيع قليلة إن فوضى الفتاوى من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية، وأن تصدر غير المؤهلين للإفتاء يؤدي إلى التمزق والتفرق بين المسلمين، لا سيما مع انتشار الفتاوى غير المنضبطة بدافع حب الشهرة أو الانتقام من المجتمع.

وقال علام إن علماء الدين أجمعوا عبر التاريخ على ضرورة أن يكون المفتي عالماً متجرداً يخاف الله، ملتزماً مقاصد الشريعة، مشدداً على أن الفتوى المنضبطة تستوجب فهم الواقع والوعي بتغيراته، لتحقيق التوازن بين الأحكام الشرعية ومتطلبات العصر.

كلام معقول، بحسب ما يرى تيار غير قليل من المصريين. التيار المقابل واقع في غرام الفتاوى المتشددة والآراء الدينية الغارقة في الجمود والرجعية، ولا يرضى عنها بديلاً. تيار آخر قليل العدد، غير مرئي إلا لنفسه، غير مسموع باستثناء آهاته وتأوهاته على السوشيال ميديا وفي جلسات المقاهي المنزوية. إنه تيار المطالبين بفض الاشتباك بين هيمنة الفتوى وبين أكل الناس وشربهم وملبسهم وتعليمهم وعملهم ومولدهم ومماتهم، أو بمعنى آخر تخليص رقاب المصريين وقلوبهم وعقولهم وتفاصيل حياتهم من قبضة رجل الدين، لا سيما المتخصص في الإفتاء.

ما سبق يفسر انقسام الساحة الشعبية هذه الآونة بين تيار "متدين" مرحب بتقنين الفتوى وتنظيمها وضبط منابعها، وآخر "متدين جداً" لا يقبل بغير الجمود والرجعية والتشدد في الفتاوى بديلاً، وقلة مندثرة أصيبت بصدمة حين علمت أن التنظيم يعني "احتكار" الفتوى وتأميم منابعها، وأن مسألة توغل التفسيرات الدينية على تفاصيل الحياة ودس رجل الدين أنفه في اختيارات المسلم في غرفة نومه وحمامه وعلاجه وباصه ومقهاه ليست على رادار الدولة أو الحكومة أو المؤسسات الدينية الرسمية غير وارد.

ليس هذا فقط، بل إن الجدل، أو الشد والجذب الوحيد الموجود على الساحة حالياً يدور بين المؤسسات الدينية الرسمية حول من منها الأولى بالفتوى!

حصر إصدار الفتوى

قبل أيام، أقر البرلمان المصري قانون تنظيم إصدار الفتوى، إنه القانون الأول الذي ينظم إصدار الفتوى في مصر، ولا يتعلق أي من بنوده بالأسئلة السخيفة أو تحصيل الحاصل أو غير المنطقية التي يصر بعض منهم على سؤالها لرجال الدين. كما لا يتطرق إلى صحوة فتوية يترفع فيها رجال الدين الأسوياء الوسطيون عن الهيمنة على حياة الناس بفتاوى غرف النوم وقاعات الجلوس ودهاليز العمل والعلاج، عبر وضع حدود واضحة لمهمة الفتوى وعمل المفتي لا تخرج عن إطار الجوانب الدينية البحتة.

بحسب التقرير الصادر عن البرلمان المصري، يهدف القانون إلى التصدي لنشر فتاوى مغلوطة أو متشددة أو متساهلة، وضمان الالتزام بنشر الفتاوى الشرعية الصادرة من الاختصاصيين، والحماية من الفتاوى المتطرفة أو غير الصحيحة، وذلك بعد انتشار ظاهرة فوضى الفتاوى عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من دون سند فقهي أو شرعي، مما يثير خلافات واسعة وجدلاً كبيراً بين المواطنين".

ينص القانون على كل ما من شأنه أن يضمن حصر إصدار الفتوى على الجهات بعينها، والتفرقة بين الفتوى الشرعية والإرشاد الديني، وتوضيح الفروق بين الفتاوى الشرعية العامة التي تتعلق بالشأن العام وتلك المتصلة بالأفراد. كما يلزم وسائل الإعلام بعدم نشر أو بث أية فتوى صادرة من غير الجهات المختصة أو استضافة أشخاص من غير المنوط بهم رسمياً الإفتاء في برامج أو فقرات، وخرق هذا النص يعرض الشخص أو الأشخاص للعقوبات الجنائية، التي تصل إلى الحبس والغرامة.

الجدل الأكبر والأكثر إثارة الناجم عن قانون تنظيم فوضى الفتاوى وتعدد مصادرها لا يدور حول مدى احتياج المصريين لملايين الفتاوى، أو جدوى سؤال "الشيخ" عن حكم استخدام العقل في البحث العلمي، أو تزويج الطفلة ابنة 10 أعوام، أو ضرب الزوجة بقلم رصاص، مقارنة بحاجتهم مثلاً إلى التعليم والعمل والتفكير النقدي والأفكار الابتكارية والعلاج والانفتاح على العالم وغيرها.

 

الجدل يعكس صراعاً، أو فلنقل منافسة، مكتومة، وربما قديمة بين المؤسستين الدينيتين الأبرز: الأزهر ووزارة الأوقاف. موضوع الخلاف هو تعريف من المختص بإصدار الفتوى الشرعية؟ الأزهر متحفظ على السماح لأئمة الأوقاف بإصدار الفتاوى، ووزارة الأوقاف ترى أن الأئمة من أبناء الأزهر، ومن ثم لديهم القدرة نفسها على إصدار الفتوى.

الكاتب الصحافي حمدي رزق، الذي مثل الهيئة الوطنية للصحافة في اجتماعات لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب الخاصة بمناقشات مشروع تنظيم الفتاوى انتقد غياب ممثل الأزهر عن الاجتماع قبل حل المشكلة مع الأوقاف، وذلك بعد رفض القانون جملة بتوجيه من هيئة كبار العلماء. وقال رزق إن رفض الهيئة للقانون في حينها سببه "رغبتها في الحق الحصري للفتوى، وإصرار على أنه حق تهبه لمن تشاء بإذن وسماح منها، وذلك باعتبارها المرجعية العظمى والولاية الكبرى، ولا تعقيب عليها"، مضيفاً "ومنطوق رفضنا، رفض هذا الحق الحصري، ما سميناه ومسجل في المناقشات احتكار الفتوى، والتغول على فضيلة الاختلاف، والشخصانية التي بنيت عليها آلية تسمية المفتين الجدد"، وأشار رزق إلى أن القانون الجديد حبذ الجميع صدوره لتنظيم الفتوى لا احتكارها.

واعتبر رزق "فوضى الفتاوى"، أي تعدد مصادر صدورها من كل من هب ودب، أهون من "فتنة الفتاوى" حيث الجهتين الدينيتين الرسميتين الأساسيتين الأزهر والأوقاف في صراع على حق إصدار الفتاوى، وقال "لقد واجه الشعب فوضى الفتاوى بملاحقة منكراتها حتى ألزم أصحابها الصمت والخجل من أنفسهم، فلم يعد هناك صوت لأصحاب فتاوى إرضاع الكبير أو نكاح البهيمة أو مضاجعة الزوجة المتوفاة أو ضرب الزوجة لتأديبها أو زواج الأطفال أو ختان الإناث أو تحريم تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم، لا بمحاكماتهم القضائية وسجنهم، إنما بمقارعتهم الحجة الشعبية الحضارية"، مضيفاً "أما فتنة الفتاوى، فلا طاقة لنا بها".

في آخر جلسات البرلمان، جرى تعديل المادة المتعلقة بـ"المختصين بإصدار الفتوى"، وأصبحت كالتالي: "يختص بإصدار الفتاوى الشرعية العامة كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء المصرية"، مع إضافة لجان الفتوى في وزارة الأوقاف، وذلك مع تحديد شروط لعضوية هذه اللجان، وأهمها اجتياز اختبارات تضعها هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر.

يظل الخلاف بين المؤسستين الدينيتين (الذي جرى حله في البرلمان) لا علاقة له من قريب أو بعيد بفكرة الدولة المدنية التي تدور في رؤوس الأقلية، أو التعامل مع "فوضى الفتاوى" باعتبارها فوضى تغول الدين على الدنيا، أو توغل المشايخ في حياة الناس. كان خلافاً حول رغبة جهة (الأزهر) في حصر الإفتاء عليها، ورغبة أخرى (الأوقاف) في المشاركة في كعكة الإفتاء، وتقرر تقاسمها، لكن مع هيمنة الأزهر حيث في حال حدوث تعارض في الفتوى الواحدة بين الجهتين، يرجح رأي الأزهر. بمعنى آخر، تأكد حق الأزهر الحصري في الفتوى، لكن بتصرف.

الكلمة الأخيرة للأزهر

وبين حق الأزهر "الحصري" في إصدار الفتاوى، الذي جرت هندسته ليفسح مجالاً صغيراً لأئمة وعلماء وزارة الأوقاف، شرط أن تبقى الكلمة الأخيرة للأزهر، وإصرار وزارة الأوقاف أن تحافظ على نصيبها في حق إصدار الفتاوى، وفرحة الجماهير الغفيرة بالاتفاق بين الجهتين، واعتبار القانون الجديد علامة مضيئة على طريق قص أظافر التطرف ومنع جنوح الإرهاب الفكري المرتدي عباءة الدين وتوحيد مصدر الفتاوى المتحكمة في حياة وممات ملايين المصريين على مدار ما يزيد على نصف قرن، نسي الجميع أو تناسى جزئية: وهل المصريون في حاجة إلى كل هذه الفتاوى؟

في نهاية العام الماضي، هيمن خبر عنوانه "104 ملايين فتوى و180 مليون تفاعل رقمي حصاد دار الإفتاء في عام" على وسائل الإعلام، وذلك من باب التفاخر وعلى سبيل الرضا بالإنجاز. وجاء في الخبر "عام جديد من الإنجازات أضيف إلى مسيرة دار الإفتاء التي عززت ريادتها الإفتائية لخدمة مصر، وبناء الوعي المجتمعي، وتصحيح المفاهيم الدينية، والتصدي للتحديات التي تواجه المجتمع، إضافة إلى دعم الاستقرار المجتمعي وتعزيز القيم الدينية الداعمة لتقدم المجتمع وحفظ أمنه الفكري"، مستعرضاً أرقام العام المذهلة، التي شهدت كثر من 1.4 مليون فتوى شفهية وهاتفية ومكتوبة ورقمية.

تساؤل بعض منهم عن الجدوى من مثل هذا العدد، أو السر وراء اللجوء إلى المفتي لسؤاله عن علاج أو حساب أو زواج أو استثمار، بدلاً من اللجوء للطبيب أو المحاسب أو المستشار الأسري أو البنك أو الخبير كل في مجاله، عادة يقابل بحائط صد للفكرة وسد للنقاش.

 

ما طرحه الكاتب عادل نعمان، على سبيل المثال في مقالته متسائلاً ومستنكراً، "هل نحن في حاجة إلى كل هذه الفتاوى؟" لم يؤد إلى إجابات بقدر ما فجر استنكارات واستهجانات، وفي أفضل الأحوال، تجاهلات، تساءل "وصل بنا الحال إلى هذا الحد حتى وصلت الفتوى إلى أواني الطبخ والبهارات؟ شيخ ينتمي لدار الإفتاء ينصح سائلة بألا يسمع صوتها الرجال قدر المستطاع، وكانت تسأله عن حكم تعليم الطبخ بصوتها فقط من دون صورة على يوتيوب؟ وفتوى جواز استخدام بهار جوز الطيب في بهارات الطعام بالنسبة المعقولة؟".

الدولة المدنية "بعبع" القاعدة العريضة التي تعتقد، أو جعلها خطاب ديني ساد لعقود تعتقد، أنها مرادف الدولة غير المتدينة، لكنها في نظر قلة قليلة من المصريين هي تلك التي تفصل بين الطب والهندسة والتدريس والاقتصاد والسياسة والحب والزواج والاستثمار وكرة القدم والمقهى والباص، وبين إصرار الناس ورضا رجال الدين، الرسميين والمستقلين والهواة، على إقحام ما يراه الشيخ فلان أو علان في كل ما سبق. وهي الدولة التي لا تتصل كثيراً أو قليلاً، أو فلنقل لا تتحقق أو يقترب منها المصريون بقانون توحيد إصدار الفتاوى.

القانون يوحد جهة، أو بالأحرى جهتي الإصدار، لكنه لا يكبح جماح الإصدار وتوغله وتمدده وتوسعه. قبل سنوات قليلة، طرح الطبيب والكاتب خالد منتصر تساؤلاً استنكارياً حول سبب إقحام دار الإفتاء في مسألة علمية معملية طبية بحتة هي التجارب السريرية، كتب "زفت إلينا وسائل الإعلام خبر أن دار الإفتاء والحمد لله حسمت قضية التجارب السريرية، وكأنه فتح علمي وانتصار بحثي عظيم، لكن الحقيقة أن من يحسم الأمر ليس دار الإفتاء أبداً، وهي ليست جهة اختصاص على الإطلاق في تلك المشكلات الطبية، والفتاوى الدينية لا مكان لها في البحوث الطبية. ويكفي ما حدث في ختان البنات عندما اعتمد مؤيدو الختان على فتوى الشيخ جاد الحق، وهو شيخ الأزهر السابق، وابتعدوا من أنها جريمة طبية، وأدخلونا في معترك هذا حديث ضعيف أم حديث صحيح؟ ويكفينا أيضاً أن قانون زرع الأعضاء لم يفعل منذ صدوره في 2011".

وعرج منتصر إلى طوفان الفتاوى، الذي يغرق المصريين، فوصفه بـ"اللجوء المزمن للفتاوى الطبية والتفاخر بالمليون فتوى سنوياً"، وأنه "علامة مرض اجتماعي وفكري وعقلي، لا علامة صحة وعافية أبداً"، مستنتجاً أن "الدولة المدنية الحقيقية تلجأ في الطب إلى رأي الأطباء فقط، ولا دخل لرجال الدين في تلك القضايا".

ويبقى القانون الجديد في مصر علاجاً لعسر هضم الفتاوى الثقيلة والعنيفة والجانحة، لكنه لا يداوي التخمة الناجمة عن تعاطي أعداد كبيرة منها بسرعة وعلى فترات زمنية متقاربة ومن دون حاجة حقيقية إليها.

subtitle: 
وقع المصريون في شباك ملايين الفتاوى التي أحكمت خيوطها حولهم بعدما سيطر الفكر الثقافي الديني الرجعي على البلاد
publication date: 
الخميس, مايو 15, 2025 - 12:00
Read Entire Article