ARTICLE AD BOX
بغداد/ محمد العبيدي
مبكراً.. انطلق السجال في العراق بشأن مفهوم "الكتلة الأكبر" التي يناط بها ترشيح رئيس الحكومة، وسط تباين واضح في مواقف القوى والكتل البرلمانية. وفي حين يتمسّك مقربون من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بضرورة احترام عدد المقاعد التي تفرزها الانتخابات، ترى قوى أخرى أن التوافق السياسي بين المكونات يبقى الخيار الأوحد لتفادي الانقسام وضمان الاستقرار.
ويتكرر هذا الجدل مع كل دورة انتخابية، حيث تدفع الأحزاب التي تتوقع الحصول على مقاعد نيابية أكثر من منافسيها السياسيين نحو إيلاء المقاعد أهمية كبيرة في توزيع المناصب، في وقت تعتمد أحزاب أخرى على حضورها ونفوذها، وتدفع نحو آليات مثل "التوافق" والمحاصصة، ما يجعل مفهوم "الكتلة الأكبر" مساحة مفتوحة للتأويل والنزاع السياسي.
تهديد للاستقرار!
وفي هذا الصدد أكد النائب محمد الصيهود، أن "الكتل السياسية إذا جاءت برئيس حكومة بعيداً عن رغبة الشعب واختياراته الانتخابية، فذلك تهديد للاستقرار، كما حصل مع رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي، إذ جاء بالتوافق السياسي، لتندلع بعد ذلك أحداث تشرين".
وأكد الصيهود في تصريح متلفز، أن "رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني لو حصل على عدد كبير من المقاعد، فيما تريد الكتل الأخرى تنصيب رئيس للوزراء بعيداً عنه، فذلك يمثل تهديداً لاستقرار البلد"، مشيراً إلى أن "الكتل السياسية المعنية باختيار رئيس الحكومة لا يمكنها تجاهل إرادة الشعب". وينص الدستور العراقي في المادة (76) على أن الكتلة الأكبر هي المعنية بتشكيل الحكومة، لكن المحكمة الاتحادية فسّرت هذا النص في عام 2010 بطريقة فتحت الباب أمام تأويلين؛ الأول يعتبر أن الكتلة الأكبر هي التي تتشكل خلال الجلسة الأولى للبرلمان، حتى لو لم تكن الفائزة بالانتخابات، والثاني يربطها بعدد المقاعد التي تحصل عليها القوائم خلال الاقتراع. ومنذ أول انتخابات بعد 2003، تكرر الجدل بشأن الكتلة الأكبر في كل دورة نيابية، ففي 2010 أفضى النزاع بين قائمتي "العراقية" و"دولة القانون" إلى أزمة سياسية طويلة انتهت بتسوية لصالح نوري المالكي. وفي 2018 عاد الجدل مجددًا بين تحالفي "الفتح" و"سائرون"، وصولًا إلى حكومة عبدالمهدي التي تشكلت خارج هذا المفهوم، ما أثار انتقادات لاحقة على خلفية عدم امتلاكها لغطاء انتخابي واضح.
آليات ثابتة
بدوره، يرى الباحث في الشأن السياسي، قحطان الخفاجي، أن "العملية السياسية في العراق جرى حبكها منذ سنوات بطريقة تجعل من المستحيل تقريباً تجاوز الآليات التي أنتجت الحكومات السابقة"، مشيرًا إلى أن "الحديث عن الكتلة الأكبر أو الأكثرية الانتخابية فقدَ معناه العملي، لأن الواقع السياسي يُدار عبر مراكز نفوذ تتحكم بها الأموال والتفاهمات المسبقة داخل البرلمان، وليس صناديق الاقتراع".
وأضاف الخفاجي لـ(المدى) أن "الصيغة المعتمدة في تشكيل الحكومة باتت تنطلق فعليًا من رئاسة البرلمان، وتتجه نحو توافق هشّ يُنتج حكومات محاصصة لا تستند إلى قاعدة شعبية صلبة"، لافتًا إلى أن "هذا النمط في تشكيل السلطة لا يمثل فقط تقويضًا للديمقراطية، بل أدى إلى عزوف المواطنين عن المشاركة الانتخابية، لأنهم يدركون أن أصواتهم لن تغيّر المعادلة". ويستعد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لخوض الانتخابات المقبلة مستندًا إلى تحالف سياسي واسع يُتوقع أن يضم ما بين 30 إلى 40 نائبًا من مختلف محافظات البلاد، وفق تقديرات سياسية متداولة. وفي موازاة ذلك، يسعى السوداني إلى تأمين بيئة إقليمية داعمة لتحركه السياسي، من خلال تكثيف الاتصالات مع العواصم المجاورة، وفتح قنوات تنسيق مع الأطراف الدولية، بما يمنحه هامشًا أوسع من الحركة في مرحلة ما قبل الاقتراع.
بدوره، يرى عضو تيار الحكمة فهد الجبوري أن "هناك واقعاً سياسياً قائماً في العراق، وهناك عرف تم تثبيته منذ سنوات، لا يمكن القفز عليه، خصوصاً أن النظام السياسي برلماني، ويستند تشكيل الحكومة إلى التحالفات لا إلى الأصوات الفردية للأحزاب". وأوضح الجبوري في تصريح له، أن "مسألة الولاية الثانية لأي رئيس وزراء، لا تُحسم بعدد المقاعد فقط، بل ترتبط بطبيعة التحالفات التي ستُعقد في المرحلة المقبلة"، مؤكدًا أن "الحصول على عدد وازن من المقاعد لا يكفي وحده لضمان تجديد الثقة برئيس الحكومة، ما لم يتم التفاهم مع القوى المؤثرة في الساحة السياسية".
وأشار إلى أن "القوى السنية والكردية، بحكم طبيعة تمثيلها ومصالحها، لا يمكن أن تذهب مع طرف واحد أو مع شخص بمفرده، وتترك باقي قوى الإطار التنسيقي".
The post الكتلة الأكبر.. المعركة التي تسبق الانتخابات العراقية! appeared first on جريدة المدى.