ARTICLE AD BOX
مع مرور أسبوع على وقف الأعمال العدائية بين الهند وباكستان في 12 مايو/أيار الحالي، يترسخ وقف النار بين البلدين، ويتخطى على الأرجح مفهوم "الهدنة الهشّة"، حيث اختبر كل طرف، في جولة تصعيد عسكري استمرت أياماً معدودة، بين 7 و12 مايو، حدود القوة والضعف لكل منهما، ومدى إمكانية تسجيل "انتصار" حاسم من عدمه على الآخر، في حرب سعت فيها باكستان، إلى التأقلم والتعامل مع ما يسميه خبراء عسكريون، حرباً غير متكافئة مع الدولة الجارة بجيشها الكبير، لكن يبقى فيها الردع النووي عاملاً أساسياً في منع تفلت الحرب. وبينما تروّج الهند، في إعلامها، لعملية سندور العسكرية، وتعتبرها "درساً لن يُنسى لباكستان"، تواصل الأخيرة إبراز ما تراه نجاحات لعملية "البنيان المرصوص"، التي أعلنتها للرد على الهجوم الذي أطلقه الجيش الهندي في 7 مايو، وقال إنه ردّ من جهته، على هجوم دموي وقع في كشمير المتنازع عليها بين البلدين، أواخر شهر إبريل/نيسان الماضي.
ولكن رغم وقف إطلاق النار الذي يبدو أنه سيصمد، فإن معادلات جديدة تكرست من جولة التصعيد الأخيرة، وهي أن باكستان، التي تريد على الأرجح أن يُتعامل معها من موقع ندّي، لا سيما بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ستظلّ حاضرة بقوة في المشهد الهندي الذي يريد من جهته، الانتقال إلى مصاف أوسع من الصراع، والتفرغ للمنافسة المتصاعدة مع الهند. وتبدّى من جولة التصعيد أيضاً، دخول ملف المياه أداة ضغط قوية، ما يهدّد بإمكانية تجدد التصعيد بسببه، فضلاً عن الأسلحة المستخدمة والتي كشفت عن استعراض التكنولوجيا الصينية ودورها في الحرب، وهو ما تعيد تقييمه الولايات المتحدة خصوصاً، فضلاً عن تنامي الخلافات الجانبية، لا سيما لجهة الاتهامات التي تسوقها إسلام أباد ضدّ كابول وحركة طالبان، ما يمكن أن يؤدي أيضاً إلى تصعيد حدودي آخر.
هدنة غير مؤقتة بين الهند وباكستان
ونقلت وكالة رويترز، أمس الأحد، عن مسؤول عسكري هندي، تأكيده أن وقف الأعمال العدائية الذي اتفق عليه البلدان في 12 مايو، سيستمر. وأضاف أنه "في ما يتعلق باستمرار وقف الأعمال العدائية مثلما تقرّر، لا يوجد تاريخ انتهاء له"، مبدداً المفاهيم بأن الهدنة مؤقتة (حتى يوم أمس)، حسب ما كانت قد أشارت إليه أولاً وكالة "برس تراست أوف إنديا" الهندية للأنباء أمس. لكنه لفت إلى أنه ليست هناك أي محادثات مقررة بين المديرين العامين للعمليات العسكرية الهندية والباكستانية، علماً أن موقع "جيو نيوز" الإخباري الباكستاني أكد عكس ذلك أمس.
تواصل نيودلهي تعليق معاهدة مياه نهر السند مع باكستان
ونشر الجيش الهندي، أمس، فيديو جديداً لما قال إنها عمليات عسكرية تعود لعملية سندور، التي أطلقها الجيش الهندي بعد هجوم كشمير الذي أوقع 26 قتيلاً من السائحين الهندوس أواخر إبريل. وقال الجيش الهندي، في الفيديو، إن العملية "لم تكن مجرد تحرك، بل درس لن تنساه باكستان". من جهتها، تحتفل إسلام أباد، في إعلامها، بإنجاز عملية "البنيان المرصوص"، وبقائد الجيش الجنرال عاصم منير، بطلاً وطنياً، وأكدت تمديد إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية لمدة شهر إضافي، وفق "جيو نيوز".
في غضون ذلك، برز ملف المياه حاضراً بقوة في الصراع بين الهند وباكستان مع استمرار الهدنة، وهو ما تغذيه تقارير صحافية، محلية وعالمية. ويوم أول من أمس، كشفت وكالة رويترز، نقلاً عن أربعة مصادر، أن الهند تدرس خططاً، لزيادة حصتها من المياه بنسبة كبيرة، والتي تسحبها من نهر يروي أراضي زراعية باكستانية، وذلك كجزء من ردّها على هجوم كشمير. وكانت نيودلهي مع بداية التصعيد، أعلنت تعليق معاهدة مياه نهر السند مع باكستان (1960)، فيما حذّرت إسلام أباد من أن أي محاولة لوقف تدفق المياه ستعتبرها "عملاً حربياً". ولم تُعد الهند تفعيل العمل بالمعاهدة بعد وقف النار، فيما طلب رئيس الحكومة ناريندرا مودي، تسريع الخطط والتنفيذ لمشاريع تتعلق بثلاثة روافد لنهر السند، هي نهر تشيناب، ونهر جيلوم، ونهر السند، والتي هي مخصصة وفق المعاهدة للاستخدام الباكستاني. ووفق الخطط، فإن الهند ستقوم بتوسعة قناة رانبير على تشيناب، ومن شأن ذلك، أن يجعلها تزيد حصتها المسموح بها من هذا النهر، للري، ورغم أن الخطط تحتاج إلى سنوات عدة لإكمالها، فإن أعمال صيانة قامت بها الهند في بداية مايو الحالي، تتعلق بنهر السند، كانت كفيلة بتقديم نموذج عمّا يمكن أن يحصل، إذ انخفض معدل المياه التي كانت تحصل عليها باكستان في إحدى النقاط الأساسية، بحدود 90% لفترة وجيزة، وفق "رويترز".
تقول لندن إنها تعمل مع واشنطن على فتح حوار بين البلدين
إلى ذلك، تواصل إدارة دونالد ترامب الإشادة بمجهوده لمنع تطور الصراع بين الهند وباكستان إلى حرب واسعة، حيث كان ترامب أعلن عن نجاحه في إقناع الطرفين بوقف القتال، أواخر الأسبوع ما قبل الماضي، وهو ما عاد وكرّره خلال جولته الخليجية التي استمرت من الثلاثاء إلى يوم الجمعة الماضيين. كما تواصل بريطانيا وساطتها، وقد أكد وزير الخارجية ديفيد لامي، أول من أمس، أن لندن تعمل مع واشنطن لضمان استمرار وقف النار بين الهند وباكستان والسعي نحو تعزيز "تدابير بناء الثقة" وإجراء حوار بين الجانبين. وشدّد لامي، في ختام زيارة لإسلام أباد، على أن الجهود مستمرة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، بالتعاون مع الطرفين، وعلى أهمية تفعيل الحوار وتطوير آليات للتفاهم بين الجارتين اللتين تجمعهما علاقة تاريخية معقدة. وقال الوزير البريطاني: "إنهما جارتان بينهما تاريخ طويل، لكنهما جارتان بالكاد أجرتا حواراً خلال الفترة الماضية، ونريد أن نضمن عدم حدوث مزيد من التصعيد وأن يستمر وقف إطلاق النار". وكان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، قد أكد بدوره، أن البلدين قد يجلسان في دولة ثالثة للتحاور حول مواضيعهما الخلافية، لكن ذلك لم يحصل بعد. وتحدث لامي عن "إجراءات لبناء الثقة"، من دون تقديم إيضاحات، كما أكد أن بلاده ستواصل العمل مع باكستان في مجال محاربة الإرهاب. وكان ترامب تطرق إلى إمكانية تعزيز التبادل التجاري مع البلدين، كأحد المحفزات لوقف النار.
إلى ذلك، وفي تقرير مطول لها، نشر أمس الأحد، اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أن القتال العسكري بين الهند وباكستان لن يحلّ مشكلة نيودلهي الدائمة مع إسلام أباد. وبرأي الصحيفة، فإن التوتر مع باكستان ليس سوى "ملهاة" للهند، التي تريد أن تتفرغ لخطر أكبر، وهو الصين. واعتبرت الصحيفة، أنه على الصعيد الاستراتيجي، فإن الحرب التي دارت لأقل من أسبوع، شكّلت فشلاً للهند، حيث إنها فيما كانت تتحضر لمرحلة جديدة من الصعود الدبلوماسي والاقتصادي، لتحقيق الرؤية الأميركية بمنطقة ازدهار وتعاون وتحالفات معزّزة في منطقة الهادئ والهندي، في مواجهة النفوذ الصيني، وقد يكون اقتصادياً بقيادة هندية، فإن نيودلهي عادت لتجد نفسها، بتعادل مع دولة أصغر وأضعف، يطلق عليها المسؤولون في الهند "دولة مارقة راعية للإرهاب"، وهو ما يذكّر الهند، بقدرتها المعدومة على إنهاء هذا الصراع الذي عمره 78 عاماً مع الدولة الجارة لها، والتي تسبب لها المتاعب، وفق النظرة الهندية التاريخية. وبرأي الصحيفة، فإن أي مواجهة تصب في صالح باكستان، حيث يعتبر الصراع مع الهند شريان حياة للنظام. أمام تحقيق انتصار حاسم لأي من الطرفين، فهو أمر شبه مستحيل، نظراً لامتلاك كل منهما سلاح الردع النووي. في الوقت ذاته، وفق "نيويورك تايمز"، فإن القيادة في كل من إسلام أباد ونيودلهي، قد تبنت القومية الدينية، وموقفاً متشدداً من الآخر، ما يجعل أي محاولة للصلح، مستحيلة بدورها.
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس)
