ARTICLE AD BOX
أُقفلت جميع مراكز المعاينة الميكانيكية في لبنان بقرار رسمي صدر في 19 مايو/أيار 2022، ولا يزال الإقفال قائماً، وتؤكد مصادر في وزارة الداخلية أن ملف المعاينة "قيد الدرس"، لكن لا تاريخ محدداً لإعادة تشغيل المراكز.
ولا تزال الحكومة تُلزم أصحاب السيارات بدفع رسوم فحص الميكانيك السنوية على الرغم من غياب المعاينات التي يُفترض أنها شرط لتحصيل هذه الرسوم، في واقع لا تفسير له سوى إجبار الناس على الدفع مقابل خدمة لا يتلقونها.
ولم يكن كثير من اللبنانيين يطيقون الذهاب إلى مراكز المعاينة، ويعتبرونها تجربة مزعجة، فالطوابير كانت طويلة، وعليهم الانتظار ساعات، وهناك تعقيدات يعتبرها كثيرون غير ضرورية، خصوصاً إذا تعلّق الأمر بتفصيل كضوء خلفي لا يعمل، أو لوحات قديمة الطراز، لكنّ إقفال المراكز تماماً يخالف القانون.
وينص المرسوم رقم 7577 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 8 مارس/آذار 2002، على وجوب إخضاع السيارات والمركبات والمقطورات للمعاينة الميكانيكية شرطاً للسير على الطرقات، لكن مراكز المعاينة أقفلت بذريعة أن الشركة المشغّلة "تعمل خلافاً للقانون". منذ ذلك الحين، لا يوجد بديل، ولا قرار يضمن إعادة التشغيل، ويجري فقط الدفع الإلزامي للرسوم.
وبالمخالفة لقواعد السلامة المرورية، باتت الأخطار يومية على حياة السائقين والركاب، والأسباب واضحة، وأولها عدم قدرة الدولة على توفير معايير السلامة، فلا صيانة للطرقات، ولا إشارات سير، ولا إنارة، كما أن الوضع المعيشي المتأزم يمنع كثيراً من المواطنين من الاهتمام بصيانة مركباتهم. ومع توقّف العمل بنظام الفحص الدوري للسيارات، باتت الكثير من المركبات تسير بلا أي ضمان لحالتها الفنية.
بالتزامن، شهدت أرقام حوادث السير انخفاضاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، والأسباب لا تتعلق بتحسّن السلامة المرورية، بل بانخفاض عدد السيارات على الطرق، يقول الباحث في مؤسّسة "الدولية للمعلومات"، محمد شمس الدين، لـ"العربي الجديد"، إن "عدد الحوادث المرورية تراجع من 5157 حادثاً في عام 2019 إلى 3129 في عام 2020، ثم إلى 3132 في عام 2021، و2113 في عام 2022، وواصلت التراجع إلى 2303 في عام 2023، ثم 2365 حادثاً في عام 2024".
ويشرح رئيس "الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية"، كامل إبراهيم، أن "تراجع حوادث السير لا علاقة له بتطبيق قانون السير، وإنما بسبب غلاء المحروقات، وارتفاع البطالة، وتراجع حركة السيارات في الشوارع. لو زادت أعداد السيارات التي تتحرّك لكانت الأرقام مختلفة تماماً".
وقبل الأزمة الاقتصادية، شكّلت مراكز المعاينة الميكانيكية نقطة جذب لمئات ورش تصليح السيارات التي كانت تنتشر حولها، خصوصاً في المناطق التي تضم مراكز رئيسية، كمنطقة الحدث في العاصمة بيروت، فكل سيارة تخضع لفحص الميكانيك السنوي، يتوجه صاحبها حال رسوبها في الفحص إلى إحدى هذه الورش لإصلاح الخلل، سواء كان في الإطارات، أو المصابيح، أو نظام العادم، أو حتى لوحات التسجيل، ثم يُعيد السيارة إلى مركز الفحص، على أمل أن تنجح.
وبهذا المعنى، لم تكن المعاينة السنوية مجرد محطة رقابة مرورية، بل كانت محرّكاً اقتصادياً يضم عشرات الورش الصغيرة، وبعد إقفال مراكز المعاينة تغيّرت المعادلة تماماً، فحين لا يكون الفحص إلزامياً، ولا نجاح أو رسوب، فلا حاجة لهذا النوع من ورش التصليحات، وبالتالي تتقلص الدورة الاقتصادية التي كانت تسيرها هذه الخدمة، ومع تراجع حركة الزبائن يتقلّص الدخل، خصوصاً للورش التي كان عملها مرتبطاً بمتطلبات المعاينة مباشرة.
يقول أحد العاملين في ورشة قريبة من مركز الحدث للمعاينة: "كنّا نعتمد على المركز في توفير العمل، وبعد إقفال مركز المعاينة تغير الوضع كلياً. لا زلنا نعمل لأننا في منطقة مكتظة، لكن ضغط الشغل الذي كنّا نعرفه في أوقات الفحص اختفى".
وحذرت الهيئة التأسيسية لنقابة عمال ومستخدمي المعاينة الميكانيكية من ترك المراكز، بما فيها من مبانٍ وتجهيزات ومعدّات تقدّر بملايين الدولارات، عرضة للإهمال والنهب والتخريب، في ظل غياب الرقابة أو المحاسبة، وتوجهت بنداء إلى وزير الداخلية أحمد الحجار، مطالبة باتخاذ إجراءات لإعادة تشغيل القطاع حمايةً للمرافق العامة، وصوناً لأرواح المواطنين، وتأميناً لحقوق العاملين.
وتؤكد الهيئة أن "المراكز مملوكة للدولة اللبنانية منذ إنهاء عقد الشركة المشغّلة، وبالتالي لا مبرّر لاستمرار الإقفال، الذي لا يؤثّر على المال العام فحسب، بل ينعكس مباشرة على السلامة المرورية، ويزيد من حوادث السير بسبب غياب الفحص الفني المنتظم، ناهيك عن مئات الموظفين الذين فقدوا وظائفهم".
