ARTICLE AD BOX
تتواصل معاناة السودانيين في ظل انقطاع الكهرباء عن مدن عدة، ما أثر على حياتهم اليومية، وعطّل الخدمات التي هي بالكاد متوفرة، وخصوصاً تلك الصحية
في الخامس عشر من شهر مايو/أيار الجاري، نفذت مسيّرات قوات الدعم السريع غارات جوية على محطات الكهرباء العامة في مدينة أم درمان (ثاني أكبر مدينة في السودان)، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن جميع أجزاء العاصمة السودانية الخرطوم وريفها. وقالت شركة الكهرباء العامة، في بيان، إن المسيرات قصفت جميع المحطات التي تغذي العاصمة وعددها أربع، وهي: محطة حي العاشرة بأم درمان، محطة جبل المرخيات التحويلية، محطة الكلية الحربية، ومحطة حي المهدية. تابعت: "أسفر القصف عن انقطاع التيار الكهربائي في ولاية الخرطوم وزاد من معاناة المواطنين وانقطاع الخدمات".
وقالت شركة الكهرباء إن "قوات الدفاع المدني بذلت جهوداً كبيرة في إخماد الحريق، على أن تجرى عملية التقييم الفني لآثار الاعتداء ثم اتخاذ المعالجات المطلوبة".
وليس هذا أول قصف لمحطات الكهرباء. ففي الثامن من إبريل/ نيسان الماضي، تسبب قصف المسيرات لمحولات ومحطات الكهرباء في انقطاع التيار الكهربائي مدة 12 يوماً عن ولايات الخرطوم ونهر النيل والشمالية والبحر الأحمر، ما خلق وضعاً مأساوياً مشابهاً لما يعيشه السكان اليوم، وبالتالي يخشى الناس إطالة أمد معاناتهم مجدداً.
وفي وقت يترقّب فيه السكان استعادة التيار الكهربائي في العاصمة الخرطوم التي خرجت لتوها من تحت سيطرة الدعم السريع لأكثر من عامين، أعلن مجلس التنسيق الإعلامي لشركة كهرباء السودان، في السابع عشر من مايو الجاري، خروج محطة توليد الكهرباء في سد مروي عن العمل نتيجة عطل فني، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء في ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر.
وبعد خروج محطة سد مروي عن العمل، وتعثر إمداد الكهرباء من سد ستيت الواقع على حدود السودان مع إثيوبيا، وتعرض محطة الكهرباء التحويلية في مدينة الشُوك في ولاية القضارف لقصف سابق من قبل الدعم السريع، حل الظلام في خمس ولايات هي كسلا والقضارف والبحر الأحمر ونهر النيل والخرطوم.
وفاقم ارتفاع درجات الحرارة (ما بين 46.5 و47 درجة مئوية) خلال الأيام الماضية من مُعاناة السكّان، وتسبّب في تراجع الخدمات الصحية بعد توقّف العديد من المرافق الطبية في كسلا وبورتسودان ومدينة شندي بنهر النيل وأم درمان عن العمل، تزامناً مع ظهور العديد من الإصابات بالملاريا والحُمّيات والكوليرا.
يكشف مركز عمليات الطوارئ التابع لوزارة الصحة الاتحادية في السودان عن زيادة في معدلات الإصابة بالكوليرا وحمى الضنك في ولاية الخرطوم، إذ سجلت ارتفاعاً ملحوظاً، وفقاً لبيان المركز في الثالث عشر من الشهر الجاري. يضاف إلى ما سبق صعوبة توفير المياه، وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بصورة غير مسبوقة. كما تأثرت المستشفيات الحكومية في عدد من المُدن بانقطاع الكهرباء. وأُتلفت الخضار والمنتجات الزراعية في المشاريع تُروى بالمولدات التي تعمل بالكهرباء، ومزارع ومصانع الدواجن والبيض.
والحال ليس مختلفاً في المخابز في عدد من المُدن التي انقطعت عنها الكهرباء، وقد زاد سعرها. ويقول محمد يعقوب من أم درمان، لـ"العربي الجديد"، إن ثمانية أرغفة كانت تباع بألف جنيه (حوالي نصف دولار). لكن في الوقت الحالي، خفض أصحاب المخابز العدد إلى ستة، وقللوا من وزن الرغيف بحجة ارتفاع سعر غالون الوقود للمولد الكهربائي.
ويشهد مستشفى النو التعليمي في أم درمان ازدحاماً مهولاً نتيجة توقّف بعض الأجهزة الحيوية عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء. وتفيد مصادر طبية من داخل المستشفى بأن المولّدات الكهربائية البديلة التي تعمل في المستشفى لا تكفي لتغطية الاحتياجات المتزايدة رغم تقليل إدارة المستشفى لاستهلاك الكهرباء. وتقول المصادر التي فضلت عدم كشف هويتها لدواع أمنية، لـ "العربي الجديد"، إن "إدارة المختبر التشخيصي في المستشفى لجأت إلى فصل بعض الأجهزة عن الكهرباء لتقليل استهلاك الطاقة، ما يتيح إمكانية إضافية لعمل الأجهزة الضرورية".
تتابع المصادر بأن الإدارة عمدت إلى إيقاف تشغيل معظم أجهزة التكييف، مع الإبقاء على جهاز واحد فقط لتقليل الضغط وإهدار الطاقة. تضيف أن كل الحلول التي ابتدعتها إدارة المستشفى لم تجد نفعاً، وقد أثرت في بعض الأوقات سلباً على سرعة إنقاذ المرضى بسبب تأخر التشخيص وتقديم العلاج في الوقت المناسب، ما يشكّل خطراً على بعض الحالات الحرجة.
ويقول إبراهيم الطيب (اسم مستعار لأحد الفنيين في مستشفى النو) لـ"العربي الجديد": "كان لانقطاع الكهرباء تأثير على المختبر. لدينا مولد واحد مخصص للمختبر الذي يستقبل أكثر من 1200 عينة يومياً، وكثيراً ما يؤدّي تشغيله المستمر إلى توقفه بصورة مفاجئة، ما يتسبب في انطفاء الأجهزة أثناء إجراء الفحوصات. كما يضطر الكادر الطبي إلى إعادتها من البداية. لذلك، يتأخر فحص نتائج العينات وتسليمها في معظم الأوقات، ما ينعكس على تقديم الخدمة العلاجية للمرضى".
وإلى جانب التحديات والمشاكل التي يواجهها المرضى والكوادر الطبية داخل المستشفى، تعاني الصيدليات بدورها جراء انعدام الكهرباء. يقول الطاهر إبراهيم، وهو صيدلي في أم درمان، إن بعض الأدوية واللقاحات تتطلّب تخزيناً في درجات حرارة معينة، وتتعرض للتلف من جراء انقطاع التيار الكهربائي.
يضيف إبراهيم لـ"العربي الجديد": "هناك أدوية تحتاج إلى الحفظ في درجة حرارة معينة في الثلاجات. وإذا تجاوزت الحرارة 25 درجة مئوية تتلف، منها أدوية الهرمونات والإنسولين وغيرها". ويشير إلى أنهم "يبذلون جهدهم للحفاظ عليها باستخدام حافظات النيتروجين وحافظات الثلج، وقد بلغ سعر اللوح الواحد منه أكثر من 40 الفاًً (حوالي 20 دولاراً) وهو غير متوفر دائماً".
وتشهد الخدمات القليلة المتوفرة في أم درمان ضغوطاً هائلة من قبل السكان بعد استعادة مدينتي بحري والخرطوم. ويواجه مستشفى النو ضغطاً كبيراً مقارنة بالسابق. فقد كان عدد المرضى اليومي يتراوح ما بين 90 و100 مريض. وفي الوقت الحالي، ارتفع العدد إلى ما بين 400 و550 مريضاً في اليوم، لعدم وجود مسشتفيات عاملة في مدينتي الخرطوم وبحري وفقاً لمصدر طبي تحدث لـ"العربي الجديد" مشترطاً عدم ذكر اسمه.
ووصفت منظمة "أطباء بلا حدود" انقطاع التيار الكهربائي عن جميع أنحاء أم درمان بأن له تأثيراً بالغاً على مستشفى النو ومستشفى البلك للأطفال، التابعين لوزارة الصحة وتدعمهما المنظمة. وقالت في بيان: "يعاني كلا المستشفيين حالياً من نقص في الكهرباء والأكسجين والمياه. كما تتعرض الرعاية الصحية على جميع مستوياتها إلى اضطرابات". تابعت: "يعد مستشفى النو رئيسياً في المنطقة، ويستقبل المرضى من أم درمان وبحري والخرطوم. وإذا ما توقفت خدماته، فسينقطع شريان حياة بالغ الأهمية".
وأشارت المنظمة إلى خطورة استخدام مياه الشرب غير الآمنة في ظل تعطل شبكة المياه المحلية بسبب انقطاع الكهرباء. أضافت: "سيلجأ الناس إلى مصادر مياه مختلفة، ما يجعلنا نتوقع مزيداً من حالات الإصابة بالكوليرا، بالإضافة إلى الحالات التي تتلقى العلاج حالياً".
ومع ارتفاع درجات الحرارة، تكاد حياة الناس تتوقف، كما يقول حامد عبد الصمد من مدينة كسلا. يضيف لـ"العربي الجديد": "كل الأنشطة تكاد تكون متوقفة في المدينة بسبب عدم وجود الكهرباء، وهو ما أثر بصورة جلية على الحياة اليومية". يضيف أن "الناس لا يستطيعون توفير احتياجاتهم، إذ إن التطبيقات المصرفية ومحطات الاتصالات غالباً ما تخرج عن الخدمة أياماً لعدم توفر الكهرباء وارتفاع سعر الوقود. فقد وصل سعر الغالون الواحد إلى 36 ألفاً (أكثر من 15 دولاراً) في السوق السوداء بعد الضربات المُتتالية على المستودعات الرئيسة ببورتسودان، ووصل سعر لوح الثلج إلى 45 ألفاً (حوالي 20 دولاراً)".
ويقول عبد الصمد: "الوضع فوق احتمال الناس حالياً". ويقلّص عدد من مراكز تقديم الخدمة الصحية بالمدينة ساعات عمله لعدم قدرته على شراء الوقود الذي أصبح يباع في السوق السوداء بأكثر من ثلاثة أضعاف سعره الرسمي. ويقول طبيب من كسلا لـ"العربي الجديد" إن الوضع الطبي تأزم كثيراً في المدينة التي تشهد ارتفاعاً في حالات الإصابة بالكوليرا وحمى الضنك. يضيف أن هجمات المسيرات على بورتسودان وتدمير مستودعات الوقود خلقت مزيداً من المعاناة للمواطنين الذي جاء بعضهم نازحاً من مناطق تدور فيها الحرب حالياً.
أما في مدينة بورتسودان، وهي حالياً بمثابة العاصمة الإدارية للسودان، فيعاني المواطنون أيضاً إثر انقطاع الكهرباء، فقد تراجعت الأنشطة وقلت الحركة اليومية بصورة لافتة في طرقات المدينة. وتقول نور عبد الله إن "حياة الناس توقفت تماماً، وكأن الجميع تخلوا عن قضاء شؤونهم اليومية". تضيف لـ"العربي الجديد": "انقطاع الكهرباء وضربات المسيرات العسكرية التي ظلت المدينة تتعرض لها يومياً من قبل الدعم السريع دفعت بقية المواطنين الذين لم ينزحوا إلى خارج المدينة للاحتماء بمنازلهم". وتؤكد أنها أرجأت ذهابها إلى المستشفى لمقابلة الطبيب، فانقطاع الكهرباء وصعوبة إجراء الفحوصات في مثل هذه الأوقات يحولان بينها وبين الذهاب.
وينسحب الأمر على مدينة شندي التابعة لولاية نهر النيل والواقعة شمال الخرطوم، فقد تجلت معاناة انقطاع الكهرباء في زيادة عدد المرضى في مستشفى المك نمر بالمدينة. يقول جبارة أحمد، وهو مريض قادم من خارج المدينة، إنه اضطر أن يبيت في المستشفى من أجل إجراء فحوصات طبية بسبب بطء عمل المختبرات في ظل انقطاع الكهرباء.
