ARTICLE AD BOX
يختتم اليوم الخميس، في مدينة الخليل معرض "بين نكبتين: كيف نكتب سرديتنا"، الذي نظّمه نادي الندوة الثقافي بالشراكة مع مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، واستمر لأربعة أيام، ضمن فعاليات شهر أيار/مايو الذي تحلّ فيه ذكرى النكبة الفلسطينية.
سلّط المعرض الضوء على مفارقة سرديتين متوازيتين: الأرشيف الاجتماعي للنكبة مقابل الأرشيف السياسي الرسمي للجيوش العربية. ويهدف – وفق المنظمين – إلى "مساءلة الرواية الرسمية التي اختزلت النكبة بوصفها حدثاً سياسياً انتهى، بينما يستمر أثرها اليومي والمعنوي على الشعب الفلسطيني. ومن هنا جاء العنوان "بين نكبتين": نكبة الأرض، ونكبة الخطاب المرافق لها.
اعتمد المنظمون في القسم السياسي من المعرض على أرشيف تم جمعه من صحف ومجلات صدرت في مصر وسورية ولبنان بعد قرار التقسيم وحتى إعلان "الهدنة الثالثة"، وامتلأت بخطابات العروبة والتحرير، مع مبالغات في وصف أداء الجيوش العربية.
في المقابل، قدّم الأرشيف الاجتماعي شهادات لـ32 شخصاً عايشوا التهجير في طفولتهم، وانتقلوا إلى الخليل من قرى تم تدميرها. ووفق الروائي والمؤرخ أحمد الحرباوي، فإن هذه الروايات تُظهر "سرداً مغايراً تماماً"، مشيراً إلى أخطاء استراتيجية من الجيوش العربية، وعمليات إجلاء غير مدروسة ساهمت في إضعاف قدرة الناس على الصمود.
صور فوتوغرافية توثّق الحياة المدنية في الخليل قبل النكبة
في زاوية من المعرض، عُرضت متعلقات شخصية احتفظ بها أصحابها لعقود بعد تهجيرهم، من بينها دمية وأيقونة لمريم العذراء لكريمة الفلاح، التي هجّرت من قرية البقعا الفوقا في القدس. هذه الأغراض لم تكن مجرد مقتنيات، بل رموز لذاكرة لم تنقطع، ورسائل أمانة عبر الأجيال.
كما احتوى المعرض صوراً فوتوغرافية نادرة توثّق الحياة المدنية في الخليل قبل النكبة، في مواجهة الدعاية الصهيونية التي تصوّر المدن الفلسطينية باعتبارها فراغاً ثقافياً. وقدّم المعرض توثيقاً بصرياً يُثبت ازدهار الحياة الحضرية الفلسطينية، حتى في مدن "داخلية" مثل الخليل، التي لم تكن وجهة للمهاجرين اليهود.
إلى جانب المواد الأرشيفية، ضم المعرض قسماً تعبيرياً تضمّن إعادة تمثيل مشاهد من روايات ناجين، منها مشهد لرجل قُتل أثناء محاولته استرجاع القمح من قريته، ورواية لامرأة تذكّرت آخر لحظاتها في بيتها بينما كانت تطهو قدراً من البرغل. هذه المشهديات قدمت المعاناة في لحظات خاطفة لكنها مفصلية، وثّقت الألم الإنساني بعيداً عن لغة الشعارات.
على هامش المعرض، عُقدت ندوة حوارية بعنوان "أثر أحمد حرب في الرواية الفلسطينية"، قدّمتها أستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة بيرزيت بيان حداد، كما عُرض فيلم "حصار الذاكرة"، الذي يوثق تجربة فريق "النخيل" في كتابة السردية التاريخية الفلسطينية عبر الذاكرة الشفوية.
يذكر أن نادي الندوة الثقافي هو أحد أبرز الفضاءات الثقافية الناشئة في الخليل، وينشط في توثيق الروايات الشفوية والبحث في الأرشيف المحلي، في مواجهة محاولات طمس الرواية الفلسطينية أو إحلال سرديات توراتية على المدينة. يسعى أعضاء النادي إلى استرداد التاريخ الاجتماعي والثقافي للمدينة، بما يُتاح من إمكانيات، لتثبيت ذاكرة مقاومة تُحاكي الواقع وتنتمي إليه.
