ARTICLE AD BOX
تشهد المناقشات الأوروبية تصعيداً لافتاً في الحديث عن فرض حزمة جديدة من العقوبات والإجراءات التقييدية على روسيا، عقب تفعيل الحزمة السابعة عشرة في 20 مايو/أيار الجاري، وتُوجّه الأنظار نحو مقترحات تُعدّ "الأكثر صرامة" حتى الآن، من بينها فرض رسوم جمركية قد تصل إلى 500% على الواردات الروسية.
في هذا السياق، تكشف البيانات الاقتصادية عن واقع معقّد، بينما تُسجّل الأرقام الرسمية انكماشاً حاداً في التبادل التجاري المباشر بين روسيا والاتحاد الأوروبي منذ عام 2021. ووفق تحليل رئيسة قسم تحليل الاقتصاد الكلي في مجموعة "فينام" المالية "أولغا بيلينكايا" المنشور في صحيفة "إزفيستيا"، تُظهر الأرقام أيضاً نمواً كبيراً في التجارة غير المباشرة عبر دول ثالثة مثل الهند وتركيا وكازاخستان، ما يُبقي قنوات التبادل مفتوحة، ولكن بتكاليف أعلى.
وتُبرِز صحيفة "إزفيستيا" الروسية أمثلة واضحة على هذا التحايل التجاري، من بينها إعادة تصدير النفط الروسي إلى أوروبا عبر الهند، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في الكميات، رغم زيادة تكاليف الشحن. كذلك تُسجّل دول آسيا الوسطى، مثل كازاخستان وقرغيزستان، نمواً في صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي بمعدل أربعة إلى خمسة أضعاف خلال الأعوام الأخيرة، ما يعكس تحويلاً واضحاً في مسارات التجارة. حتى الدول الأوروبية المتشددة تجاه موسكو، كدول البلطيق وبولندا، تستورد بشكل غير مباشر بضائع روسية عبر هذه الدول الوسيطة.
وفي مفارقة لافتة، ترتفع صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب "السيل التركي" بنسبة 13% خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من 2024، لتبلغ 5.76 مليارات متر مكعب، وفقاً لوكالة "تاس". ويُعزى هذا الارتفاع إلى استمرار اعتماد أوروبا على الموارد الروسية، خصوصاً في قطاعات حيوية مثل الأسمدة والنيكل.
من جانب آخر، تنخفض واردات روسيا من السلع الأوروبية إلى 31.6 مليار يورو، أي ما يعادل ثلث مستويات ما قبل العقوبات، مع استمرار الأدوية والتكنولوجيا في تصدُّر قائمة الواردات، حيث تبلغ قيمة الأدوية المُستوردة من أوروبا 8.5 مليارات يورو. ورغم ذلك، يُحذّر خبراء من أن التبادل التجاري لا يزال غير متوازن؛ فبينما تُصدّر روسيا مواد خام قابلة لإعادة التوجيه إلى أسواق بديلة مقابل خصومات، تُواجه موسكو صعوبات كبيرة في استبدال الواردات الأوروبية من الأدوية والتكنولوجيا، ما يجعلها أكثر عرضة للخسائر مع تشديد العقوبات، بحسب ما ذكرته صحيفة "إزفيستيا".
في سياقٍ متصل، يُعلّق الباحث الروسي ألكسندر فيرانشوك من الأكاديمية الرئاسية، قائلاً إن فرض حظر تجاري كامل على روسيا لا يزال مستبعداً بعد أربع سنوات من الحرب والعقوبات، نظراً للكلفة الباهظة التي سيتكبدها كلا الطرفين. ويضيف أن "من شأن حظر صادرات الأسمدة الروسية، على سبيل المثال، أن يُحدث صدمات في أسعار السوق الزراعية الأوروبية، بينما تخسر روسيا بدورها إذا توقفت صادراتها إلى أوروبا كلياً".
أما على الصعيد الجيوسياسي، فتُشير المفاوضات الأخيرة في إسطنبول إلى احتمال تفضيل الإدارة الأميركية تأجيل فرض عقوبات إضافية بغرض الحفاظ على مسار التفاوض، ما يُقلّص من الحماسة الأوروبية للتحرك المنفرد. وفي السياق، تُعلّق الخبيرة الروسية أولغا بيلينكايا، بأن أوروبا من غير المرجح أن تُقدِم على خطوات جذرية من دون دعم واشنطن، خصوصاً في ظل مؤشرات على رغبة الجانبين في تجنّب تصعيد مكلف.
وفي هذا الاتجاه، يبحث الاتحاد الأوروبي تصعيداً جديداً للعقوبات الاقتصادية ضد روسيا من خلال فرض رسوم جمركية باهظة قد تصل إلى الحظر التجاري الكامل، بهدف تعزيز الضغط على موسكو بسبب استمرار عملياتها العسكرية في أوكرانيا. ووفق ما أفادت به مصادر لموقع "بوليتيكو"، فإن هذه المقترحات ستكون محور نقاشات القمة المرتقبة للمجموعة السياسية الأوروبية في ألبانيا، بمشاركة كل من المملكة المتحدة وأوكرانيا.
وتستند فكرة الرسوم الجمركية العقابية على الواردات الروسية إلى اقتراح السيناتور الجمهوري الأميركي ليندسي غراهام، الذي دعا إلى فرض رسوم تصل إلى 500% على الصادرات الروسية في حال استمرار الحرب. ويأتي هذا التوجه بعد إقرار الحزمة السابعة عشرة من العقوبات الأوروبية، التي استهدفت نحو 200 سفينة تابعة لما يُعرف بـ"أسطول الظل"، وهي شبكة تُستخدم للتحايل على القيود المفروضة على صادرات الطاقة الروسية.
وفي المقابل، تُجمِع التحليلات على أن القطيعة الكاملة بين أوروبا وروسيا تبقى أمراً بالغ الصعوبة، بفعل تداخل المصالح الاقتصادية والجغرافية، ووجود بدائل عبر دول وسيطة، إضافة إلى إخفاق التجارب السابقة للعقوبات في تحقيق نتائج ملموسة، ما يُبقي العلاقات التجارية مستمرة، ولو بشكل محدود، رغم اشتداد التوترات السياسية.
