تحطيم الآلهة... الـ"سوشيال ميديا" وإعادة اكتشاف عبدالناصر والقذافي

1 week ago 7
ARTICLE AD BOX

<p>هناك من يعتقد أن الجدل حول شخصيات كانت فاعلة ومؤثرة في الماضى مجرد لعبة إلهاء جديدة (أ ف ب)</p>

اللعبة لم تعد فقط لعبة التسجيلات النادرة أو الوثائق التي يكشف عنها بعد عشرات الأعوام، أو حتى استدعاء إرث قديم معروف ومحاولة نشره على أوسع نطاق، ولكنها وجهة نظر جديدة تضع عنواناً رئيساً ربما كان بعيداً تماماً من شخصيات سياسية أو حتى روحية بعينها... غاندي كان عنصرياً، وعبدالناصر له وجه آخر أكثر اعتدالاً، والقذافي كان استشرافياً. وقد تكون بعض تلك الأوصاف غير دقيقة أو تحمل بعضاً من المبالغة، ولكن ما يرسخ في الذاكرة الجمعية الـ"فيسبوكية" أو الشبكية (نسبة إلى شبكات الـ"سوشيال ميديا")، عادة ما يكون على هذه الشاكلة، وبخاصة بالنسبة إلى جيل لم يعاصر إرث هؤلاء، إلا أن الملاحظ بقوة أن هذه الوسائل أسهمت بقوة في إعادة تقديم وتعريف بعض الزعماء الغائبين عن المشهد للجمهور، ورسم صورة ذهنية مختلفة لهم.

من غير المنصف أبداً اختزال بعض الحكام الذين قضوا أعواماً طويلة في مناصبهم، وتبنوا مواقف بناءً على ما يرون أنه يصب في مصلحة بلادهم وفقاً للظروف وقتها، في مجرد بضع كلمات تقدم في سياق ما، فالسياسة فن مضاد للجمود وهي ابنة المرونة والمراوغة، كما أن الحكم الموضوعي بعيد تماماً من طبيعة ما يسمى "الرأي العام" غير المتخصص، الذي ربما يسمع جانب لا بأس به منه هذه التفاصيل للمرة الأولى، في حين أن كثيراً منها كان معروفاً للمتابعين والمهتمين، ولكنه لم يواجه بتلك الجلبة وقتها، لأن السر في السياق والظرف التاريخي.

كذلك هناك من يعتقد أن التجادل في شأن شخصيات كانت فاعلة ومؤثرة في زمن مضى مجرد لعبة إلهاء جديدة، لكن الثابت أن كل حلقة مرتبطة بأخرى، من ثم ما يسميه فريق معين إعادة اكتشاف قد يكون كذلك تماماً بالنسبة إليهم من دون أدنى مبالغة، مهما اختلفنا حول دقة هذا الوصف من عدمه.

عبدالناصر ساداتياً

الفهم العميق للحاضر يلزمه متابعة دقيقة لما مضى، ولعل التسجيل الأخير الذي يُتداول للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر (1918-1970)، ويعود تاريخه إلى 55 عاماً مضت، واحد من أكثر التسجيلات التي أحدثت ضجة لما يتمتع به الرجل من مكانة كبيرة في وجدان شرائح متعددة من الجماهير العربية. هو بنظر الكثيرين الثائر القومي العروبي صاحب الكبرياء الذي يقف مع القضايا العربية بكل قوته، ولديه ثبات لا يلين وأحلام بالعدالة للشعوب وكراهية للاحتلال بجميع صوره، سواء كان عسكرياً أم ثقافياً، وحواره مع الرئيس الليبي معمر القذافي (1942-2011)، الذي لا تزال أصداؤه حاضرة، وربما لم يهز صورته في هذا الصدد، ولكنه أوضح بالنسبة إلى بعض من غير المتخصصين أو من غير المطلعين تماماً على تاريخه الشخصي والسياسي وجهاً آخر له، أكثر هدوءاً وواقعية وصراحة، بعيداً من الصورة التي صُدِّرت للرجل.

 

الرئيس المصري الراحل في هذا التسجيل، الذي يعرف المخضرمون في عالم السياسة أنه ليس جديداً ويتوافق مع بضعة تصريحات سابقة موثقة جاءت على لسانه، قدم صورة في نظر مجموعة من المتابعين قريبة من خلفه أنور السادات (1918-1981) في ما يتعلق بالرغبة في وضع أسلحة الحرب جانباً وحقن الدماء واستعادة الأرض، ومحاولة إيجاد طريقة لعدم استعداء الأميركيين الذين يؤازرون إسرائيل مهما كانت خطاياهما وعدوانها، حتى لو كانت هذه الطريقة هي الاعتراف بإسرائيل بل والسلام معها، في حين أن الرواية الشائعة لدى محبي عبدالناصر أن قرار السادات بالموافقة على بنود معاهدة "كامب ديفيد" يُعد خطيئة كبرى، تجعله بعيداً بمراحل من رؤية وتوجه وأفكار عبدالناصر، على رغم كونهما كانا صديقين مقربين سياسياً وإنسانياً.

إعادة تصدير الواقع

لم يكن حديث الرئيس عبدالناصر انهزامياً بقدر ما كان واقعياً ويدلل على رغبته الشديدة في استعادة سيناء، التي كانت محتلة آنذاك، كما أنه جاء خلال فترة حرب الاستنزاف الشديدة الوطأة وقبل أن يتخذ الرئيس القادم بعده (السادات) قرار الحرب ومن ثم الانتصار بثلاثة أعوام، عندما كان عبدالناصر وُرِّي الثرى.

أستاذ الإعلام الدولي والصحافة بجامعة "دنفر" الأميركية كريم الدمنهوري، يرى أنه "بصورة عامة تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في إعادة تصدير الواقع"، مشيراً إلى مصطلح متداول يفسر هذا التوجه هو "مجتمع ما بعد الحقيقة، أي إن الحقيقة لم تعد مهمة ولا ثابتة، فكل فصيل لديه الحقيقة التي يتبناها. في الولايات المتحدة مثلاً وعلى المستوى السياسي، يتناول الليبراليون أمراً ما بمنحى معين فيما المحافظون يتناولونه بمنحى مناقض تماماً".

ويعتقد الدمنهوري أن أكثر نظرية في مجال الإعلام تلائم هذه الظاهرة هي نظرية الأطر أو التأطير الإعلامي، أي وضع إطار ما لقضية أو حقيقة محددة لتظهر على غير طبيعتها أو بصورة منحازة، مما ينعكس على إدراك المتلقي، وقد يؤثر في توجيه الرأي العام بصورة كبيرة ما إذا اعتُمد على فكرة الضغط والتكرار عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام متعددة.

رد الاعتبار

بالعودة إلى السياسيين العرب، فقد نال السادات نصيباً كبيراً مما يمكن تسميته إعادة التقديم أو إعادة الاكتشاف بالنسبة إلى جماهير الـ"سوشيال ميديا"، والحديث هنا بالطبع لا يضم المتخصصين بل هؤلاء الذين يستشعرون جديداً في اللقطات التي تُتداول، ويُعاد تغليفها بعناوين براقة موجزة، تسهم بالفعل في التأثير بل وتحويل الآراء. والأمر يبرز بصفة قوية عادة مع ذكرى انتصارات حرب أكتوبر باعتباره قائدها، إذ تُفند لقاءاته التلفزيونية التي كان يُظهر فيها تحدياً وفراسة ومكراً خلال حديثه عن ومع المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين. ووصل الأمر إلى قراءة رسائل ملابسه وماذا كان يقصد من زخرفة ربطة عنقه، وهناك من تحدث عن ذكائه في إدارة اللعبة مع إسرائيل، إذ استعاد سيناء ووقع اتفاقاً ملزماً عدم الاعتداء، نظراً إلى أنه كان يعلم أن القوة الغربية والأميركية التي تقف وراء إسرائيل ستظل المهددة، وليس فقط الجارة قليلة المساحة والسكان، وهي أمور لمست شرائح أخرى قيَّمتها بعد أحداث حرب غزة، بل وهناك من ذهب إلى أنه كان على السلطات الفلسطينية وقتها القبول بمقترحات السادات التي كانت ستضمن لهم أجزاء أخرى من الأرض، وهي أمور كانت ستغير كثيراً في معادلة اليوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تجاذب وجهات النظر التي تصب في هذا السياق حول السادات جعلت هناك موجة مما يمكن أن يطلق عليه "رد الاعتبار للسادات"، وهي موجة اتسعت ووصلت إلى دوائر متعددة، كما أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يحرص دوماً على الإشادة بصحة مواقف الرئيس الراحل، ولعل أبرزها ما جاء في خطابه خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023 خلال افتتاحه بعض مشروعات النقل، إذ قال "التاريخ أثبت صحة رؤية الرئيس السادات وما ذهب إليه، على رغم الإساءة الكبيرة والمقاطعة التي واجهها في ذلك الوقت"، مضيفاً "كل 10 أعوام تُكتب للسادات صفحة جديدة، ليُقال له أنت هزمت خصومك وأنت غير موجود، كل خصومك الذين أساؤوا إليك".

من المستفيد؟

محاولات الفهم بعد مرور عقود ربما تكون أسهل كثيراً، لأن جميع جوانب الصورة واضحة، كما أن نتائجها أيضاً تكون أمراً واقعاً، لهذا قد يشعر من عاصر الشخصيات نفسها بالحيرة والارتباك، لأنه لمس تأثير القرارات والمواقف على الأرض وفي ظروف مختلفة تماماً، لكن ليس كل من أعيدت قراءتهم أُنصفوا، كما أن المتخصصين يبدون تحفظاً شديداً على "التسجيلات المسربة"، ويعدونها نوعاً من التضليل المتعمد المجتزأ من سياقه. بالتالي، ينبغي التريث قبل بناء رؤية حوله، إذ ترى الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بمعهد التخطيط القومي وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية هبة جمال الدين أن التصريحات السياسية لكي يكون الحكم عليها موضوعياً، تتطلب نشرها بالكامل مع السياق التاريخي والموضوعي وسبب الحوار، أما الاجتزاء فهو رسالة في حد ذاته لتشويه صاحب التصريحات وإظهاره بمظهر مغاير للواقع ولمواقفه ووجهات نظره، ليبدو في صورة التدليس أو التلاعب أو الاستغلال، أو أنه يخدم مخططاً آخر خلاف ما هو معروف، فالاجتزاء يمكن أن يقلب المواقف تماماً ويشير إلى وجهات نظر مناقضة لفكر الشخص. وحتى الرئيس الأميركي دونالد ترمب يمكن اقتطاع بعض تصريحاته ليبدو داعماً للقضية الفلسطينية على رغم أنه على النقيض من هذا النهج.

 

وتتابع جمال الدين أنه في ما يتعلق بحوار الرئيسين الراحلين عبدالناصر والقذافي، أيضاً ينبغي طرح أسئلة تتعلق بالسياق التاريخي لتلك التصريحات، وهل وُظف الذكاء الاصطناعي خلالها للتلاعب أو التشويه، وبخاصة أن كلا الطرفين لم يعد موجوداً ولا يمكنه الرد.

وتشدد المتخصص في مجال العلوم السياسية على أن الأهم أن نقرأ سياق نشر تلك المقاطع المجتزأة... لماذا الآن ونحن في حرب؟ مَن مِن مصلحته أن يضرب مفهوم القومية العربية بالأساس؟ وما هدفه في تقديم هذا الرأي المقتطع للأجيال الجديدة التي لم تعش زمن جمال عبدالناصر؟ هل الهدف توجيه الوعي لمصلحة هدف أخطر يخدم توقيت الحرب داخل المنطقة؟ هل تلك المقاطع جزء من الحرب النفسية؟ ولماذا اختيرت الـ"سوشيال ميديا" كمساحة لنشر تلك المقاطع؟

وحول دور المنصات تحديداً، تقول جمال الدين "من الضروري التأكيد أن وسائل التواصل الاجتماعي ساحة للنفاذ والانتشار تستهدف أكثر الأجيال الشابة، فمن أطلق تلك المقاطع يستهدف قوى الحركة من الأجيال الأحدث. الـ’سوشيال ميديا‘ وسيلة محايدة يمكن استخدامها في الخير أو الشر بحسب من يطوعها ويتلاعب بها، بالطبع مثل القنبلة يُمكن استخدامها في الخير أو الشر، فهي أداة تحقق غرض من يستخدمها سواء كان نزيهاً أم لديه أهداف أخرى لتوجيه أو تشويه أو حشد الرأي العام، وإن كانت تلك المقاطع تؤكد استمرار قوة تأثير الرئيس جمال عبدالناصر على رغم موته منذ عشرات الأعوام".

القذافي استشرافياً

الاسم الثالث الذي تكرر ذكره مراراً وارتبطت سيرته وتقاطعت مع كثير من الوقائع، هو الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، الذي كان لا يزال شاباً مفتوناً بجمال عبدالناصر الرمز، الذي لقنه درساً في الحكمة وبعد النظر ربما لم يتعلمه بما يكفي، لما عُرف عنه من حماسته التي قد تصل إلى المبالغة، وخطاباته المتشعبة الشديدة الطول، وأحلامه السياسية البعيدة من الواقعية.

لكنه أيضاً كان من الزعماء الذين وُضعوا في إطار مختلف بعض الشيء بعد مرور أكثر من عقد على انتهاء حقبته السياسية بعنف دموي، إذ بات القذافي محوراً لأحاديث ونقاشات في كثير من الصفحات، تتحدث عن رؤيته المستقبلية ووجهة نظره القاتمة التي باتت تتحقق بالنسبة إلى بعض، وهي تلك المتعلقة بالتكالب على تقسيم الشرق الأوسط وتفتيته تحت دعاوى كثيرة، إذ أشار المتابعون، الذين فوجئوا كثيراً مما سموه دقة التوقع، إلى أن القذافي اختُصر لأعوام في ألوان ملابسه وتجهمه وعصبيته، في حين كانت لديه آراء تحذيرية تتوافق كثيراً مع ما يجري على الأرض اليوم من تحركات سياسية، تزامنت مع الحرب الإسرائيلية على غزة.

مبارك وبشار

يحضر هنا أيضاً وبقوة اسم الرئيس المصري الراحل حسني مبارك (1928-2020) كمفاوض بارع في أزمات شتى تعرضت لها المنطقة، إضافة إلى المقارنة بينه والرئيس السوري المعزول بشار الأسد، إذ أصر الأخير على التشبث بالحكم، متسبباً في تهجير وتشريد وقتل ملايين من أبناء الشعب السوري على مدى 13 عاماً، في حين تنحى مبارك بعد 18 يوماً فقط من الثورة على نظامه عن منصبه، مما كان له أثر هائل في حقن الدماء على رغم الأرواح التي سقطت طوال هذه الأيام.

عبر عشرات صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أُعيد تداول حوارات وخطابات متعددة لمبارك تنم عن بعد نظر بالنسبة إلى منتقديه قبل مناصريه، لكن هل الأمر فقط نوع من الحنين لا أكثر، وبخاصة أن الظرف الإقليمي خلال الوقت الحالي أكثر تعقيداً، والمعايير الدولية نفسها أصبحت مهتزة مقارنة بما كان عليه الوضع إبان حكم الرئيس المصري الراحل، أم هي من جديد حيلة الاجتزاء والتكرار التي لها أثر بالغ في تثبيت عناصر معينة في الأذهان قد تُشوه الحقائق؟

 

المتخصصة في مجال العلوم السياسية نهى بكر تستعين في تفسير ما يحدث بإحدى مقولات المؤرخ الإنجليزي من أصل لبناني ألبرت حوراني، وهي أن التاريخ يعكس وجهة نظر من يكتبه، كأن يُبرز أحداثاً ويغفل أخرى بناءً على وجهة النظر التي يتبناها.

وتوضح بكر "الفكرة هنا في المتلقي الذي قد يكون سلبياً معتمداً على التلقين، أو على العكس لديه القدرة على تحليل المعلومات، والخطر أن هذا التشتت والجدل يسهم في اهتزاز مفهوم الأجيال الجديدة للرمز والقدوة. وفي عصر الذكاء الاصطناعي هذا يمكن أن يحدث التضليل بسهولة، لذا ينبغي التوقف أمام كل شيء يُتداول، وتفسير سياقه لتحديد مدى صدقيته وهل تم التلاعب فيه، فمثلاً في ما يتعلق بتسجيل عبدالناصر، هنا ارتباك وزوبعة ورغبة في حصر الجماهير داخل دائرة الماضي من دون فائدة، لذلك فإن الوعي هنا مهم للغاية".

عنصرية غاندي وانتهازية كينيدي

بناء وجهة نظر جديدة أو إدراك ما لم يكن مدركاً يطاول أيضاً الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي (1917-1963)، إذ قدمته وسائل الإعلام على مدى عقود على أنه قائد معسكر الخير والرئيس الأيقونة الذي كانت تحلم به أميركا، وبعض يعده من أعظم السياسيين وأكثر رجال الإدارة الأميركية تمتعاً بحس إنساني، لكن هذه الرؤية نسفتها وقائع كثيرة تُداولت بصورة مكثفة حول تدميره لزوجته بخياناته المتكررة لها، وأنه كان مدمناً على المخدرات وانتهازياً تماماً، إذ كان لا يمانع الفصل العنصري ثم وجد أن معارضة هذا النهج ستفيد خطته الانتخابية فتحول على الفور، إضافة إلى الأزمة الكبرى حول علاقته بمارلين مونرو ومعاملته القاسية لها والأقاويل عن تورطه في قتلها، فهذا الجيل لم يعد يرى كينيدي الرئيس المثالي الحالم مثل الأجيال السابقة التي تابعت غموض واقعة اغتياله، مما أضفى عليه هالة جعلته يوضع في مكانة بعيدة من النقد.

 

أما المهاتما غاندي (1869-1948) السياسي الهندي والمحامي والزعيم الروحي لحركة استقلال بلاده، فطالما برزت له صورة واحدة كرمز للزهد والتسامح وتبني مبدأ المقاومة السلمية، لكن بفضل التداول الواسع للجانب الآخر من الحقيقة أصبح هناك فريق آخر يضعه في مكانة عادية مثله مثل أي سياسي لديه ميول وتفضيلات تجعله غير عادل في أحكامه. لهذا، فإن غاندي "العنصري" أصبح وصفاً متداولاً في بعض دول أفريقيا بين الأجيال الجديدة بعدما أصبحت مؤلفات المهاتما، وتحديداً فصولها التي توصف بالعنصرية، تمتلئ بها مواقع التواصل الاجتماعي. لهذا، لم تتوقف دعوات إزالة تماثيله من المؤسسات الكبرى في غانا ومالاوي، وجاءت الاستشهادات من فقرات في كتبه وصف فيها الأفارقة بالهمج، إذ قضى داخل أفريقيا عقدين كاملين وتعامل مع شعوبها.

ويذكِّر أستاذ الإعلام الدولي كريم الدمنهوري أيضاً بنموذج حي للشخصيات التي أعادت تقديم نفسها بنفسها، معتمدة على جيل لم يعاصر الحقائق السلبية التي كان يمكن أن تؤثر في سيرته، موضحاً أن الرئيس الفيليبيني بونغ بونغ (فرديناند ماركوس جونيور) حاز السلطة بعد انتخابات فاز فيها قبل نحو عامين، معتمداً على حملات وُجهت لجمهور "تيك توك" الشاب، وهي شريحة لا تعلم شيئاً عن خلفيته التاريخية، إذ استهدف جيلاً لم يعاصر أزمة والده الرئيس الفيليبيني السابق فرديناند ماركوس، الذي أُبعد عن البلاد خلال القرن الماضي بثورة شعبية بعد اتهامه بالفساد، "هذا حرفياً هو إعادة تصدير الواقع. لذا، فهذه الظواهر تتعلق عادة بالجمهور العام، لأن المتخصص المتعمق في شأن ما لا تؤثر في آرائه أية تأويلات أخرى".

subtitle: 
تسجيلات نادرة ووثائق سرية ومؤلفات منسية قدمت للجيل الجديد صورة مغايرة للسياسيين الكبار ومتخصصون يحذرون من التضليل
publication date: 
السبت, مايو 10, 2025 - 17:30
Read Entire Article