ترامب لا يتذكّر غزّة في الخليج

1 week ago 6
ARTICLE AD BOX

مدهشٌ غياب "موضوعة" غزّة في جولة دونالد ترامب في السعودية وقطر والإمارات. لم يأت أبداً عليها، تحدّثَ عن حروبٍ وأزماتٍ وقضايا عديدة. قال إنه حثّ باكستان والهند على تبادلٍ تجاريٍّ بينهما ومع الولايات المتحدة بدل الحرب، فانتهت المواجهات الجوّية بينهما والتي كانت تُنذر بأسوأ. قال ما قال عن أوكرانيا وروسيا. هدّد إيران بخشونةٍ شابها اعتدالٌ طفيفٌ يشجّعها على اتفاقٍ مع واشنطن، على أرضية امتناع امتلاكها سلاحاً نووياً. وجاء على سورية والفرصة الجديدة التي يمنحها لرئيسها الشاب الوسيم والقوي، أحمد الشرع، بحسب وصفه. وأطنَب وأسهَب عن الاستثمارات والمليارات والصفقات. ولم يوفّر إدارة سلفه بايدن في غير شأن، وكأن النوم لا يأتي إلى جفوننا، نحن العرب، ما لم تُشتم هذه الإدارة على دفعها المليارات لزيلينسكي، ولإضعافها الولايات المتحدة، كما يجدها هكذا ضيفُنا الثقيل... وحدَه وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أعلم الصحافة بأن ترامب سمع من قادة الخليج (وممثّليهم) الذين اجتمع بهم في الرياض ضرورة وقف الحرب في غزّة. ثم خابت توقّعاتُنا، أو على الأصح رغباتُنا، أن يُؤتى على هذه الموضوعة التي لم نتصوّر أنها نافلة إلى هذا الحد، لتغيب هذا الغياب الفادح في كل أحاديث رئيس الدولة الأولى المعنيّة بالسلام والأمن في العالم، على ما وصف بلاده في واحدةٍ من تصريحاتِه الغزيرة، والتي لم يستحقّ أكثر من 150 شهيداً في جرائم الحرب التي نشطت في يومي وجود ترامب هنا في الخليج، أي التفاتةٍ منه، أو أقلّه لم يتذكّر أن مأساة مريعةً تحدُث في "الريفيرا" التي يرجوها هناك. وذلك فيما على بعد أمتارٍ من إقامته في الدوحة كانت مفاوضاتٌ غير مباشرة تجري مع وفدٍ إسرائيلي، محدود الصلاحيات كما يتعمّدون تعريفنا، وبحضور أميركي، وبتشجيعٍ قَطري، من أجل اتفاقٍ يأخذ غزّة إلى وقفٍ للحرب الشنيعة فيها، والتي لا يُراد لها أن تتوقّف، ويلحّ نتنياهو أن تشتدّ أكثر وأكثر، مع تسليمه كل الأسرى وكل الجثامين لدى حركة حماس، بلا أي مقابل. والقرار في المقاومة إن لا نفع من هذه المكاسرة، لا جدوى من هذه المكابرة لدى المذكور، فلا معنى لعبثه هذا. وفي الغضون، تتوالى حلقات القتل والفتك بالحياة وشروطها الدنيا، فلا شيء سوى المذبحة هناك، وترامب مبتهجٌ باستثماراتٍ وعقود بيعٍ وصفقاتٍ بمليارات الدولارات، ولا يجد داعياً ليتذكّر هذا كلّه، ولسنا نعرف بماذا أجاب مضيفيه، وقد أبلغوه بضرورة وقف الحرب.

يتأكّد، للمرّة الألف على الأقل، أن العلاقات الأميركية العربية غادرت، منذ سنواتٍ، مجراها التقليدي الذي كان مألوفاً قبل منتصف التسعينيات، في تقدير مرجّح. صحيحٌ أن الولايات المتحدة حافظت على مصالحها التي لم ترتجّ، كما صحيح أيضاً أن العرب ارتدّوا كثيراً عن "ثوابت"، تقليدية هي الأخرى، منها أن القضية الفلسطينية شأن مركزي في التداول العربي مع الإدارات الأميركية التي ظلت تتعمّد إطلاق مبادرات، وتوفد وزراءها لـ"دفع عملية السلام"، مثلاً، غير أن البادي أن هذه العلاقات صارت تتخفّف من هذا "الالتزام"، إن جازت تسميتُه هذه، ولم يعد الجانب العربي (احتراساً من القول الحاكم العربي؟) يستشعر حرجاً في إغفال الموضوعة الفلسطينية من أي حساباتٍ في العلاقات مع الولايات المتحدة التي صارت أكثر تطرّفاً وشراسةً في إسناد إسرائيل، ودعم أي خيارات ليمينها المتطرّف، وقد تآكل يسارها الخائب، في الاستيطان والحروب والاعتداءات والاستباحات وجرائم الحرب، ثم حرب الإبادة الجارية منذ 17 شهراً في قطاع غزّة المنكوب والمحاصر.

لا نظنّهم رؤوسُ العدوان في هيئة أركان الحرب الإسرائيلية تعمّدوا وتيرة أعلى في القصف والقتل واستباحة المستشفيات وخيام النزوح في غزة في غضون ضيافة ترامب في الخليج، وقد سمعناه في الدوحة يقول إنه يعمل من أجل حلّ النزاعات في العالم، مع تشديده على دفاع الولايات المتحدة عن حلفائها. والماثل أمام ناظري الرئيس، كما أمام كل العالم، أن "نزاعاً" من نوعٍ خاص، وشديد الاستثنائية، يجري في أرض غزّة، موجز تفاصيله أن مستضعفين، مجوّعين، متروكين رهائن محتجزين لدى وحشٍ يتغلّف باسم دولة اسمُها إسرائيل، يُستهدفون بتمويتٍ لا سقوفَ له، بلا أي اعتبارٍ لأي أخلاقٍ أو حسٍّ آدمي. هذا ليس نزاعاً، هذه فضيحة إنسانية كبرى، من معالمها أن الرئيس الأميركي يضنّ بأي كلمةٍ عنها... وهو بين ظهرانينا.

Read Entire Article