ARTICLE AD BOX
يجلس الشابان وسيم رشيد وسلامة النجار عند بسطة صغيرة أقاماها على مفترق السرايا الرئيسي وسط مدينة غزة، لترميم وتصليح الأوراق النقدية التالفة، في محاولة للتغلّب على اهتراء العملات الورقية، وعدم سماح الاحتلال بإدخال الجديد منها.
ويحاط رشيد والنجار بأوراق نقدية ممزّقة، وضعاها بجانب بعضها البعض على طاولة خشبية، وبجوارها أدوات بسيطة لا تتجاوز المقص والصمغ اللاصق وبعض الألوان، فيما لم يتخيّلا أن يصبح تصليح العملات الورقية مهنتهما، إلّا أن الحاجة إلى التغلّب على الأزمة كانت الدافع الأقوى للابتكار.
تنبعث رائحة المواد اللاصقة، وتتناثر قصاصات الورق على الطاولة الخشبية المكتظة بالأوراق النقدية، إذ يقصّ صاحب المهنة الأطراف التالفة دون المساس بأساسيات الورقة من أرقام وشعارات، وتعويضها بقصاصات أخرى مع تلوين الأجزاء الجديدة بذات الألوان القديمة.
وتعتبر مهنة إصلاح العملات الورقية التالفة، التي ظهرت خلال العدوان الإسرائيلي، حلقة الوصل بين مالك تلك الأوراق والبائع أو الزبون الذي يرفض استلامها مهترئة، في ظل إغلاق البنوك التي يمكنها حلّ الأزمة عبر إبدال الجديد بالقديم، فيما يزيد الحصار ومنع دخول الأوراق المالية من عمق الأزمة.
وتعدّدت الأسباب التي دفعت الشابين، ومعهما العديد من الفلسطينيين، نحو تلك المهنة بسيطة الأدوات والإمكانيات، وفي مقدمتها أهمية مواصلة التداول بهذه العملات جرّاء عدم وجود البدائل، والحاجة إلى خلق فرص عمل من شأنها توفير مصدر دخل لأسرهم.
وتفاقمت أزمة تآكل العملة الورقية في قطاع غزة نتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي، الذي يمنع إدخال كميات كافية من الأوراق النقدية الجديدة، خاصة الشيكل الإسرائيلي الذي يعتبر العملة الأكثر تداولاً في القطاع.
وبدأت الفكرة لدى الشابين رشيد والنجار لحظة نزوحهما مع ذويهما في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وبعد عودتهما إلى مدينة غزة إثر اتّفاق وقف إطلاق النار واصلا العمل، وقد شجعهما على ذلك تفاقم أزمة العملات الورقية التالفة.
ويقول وسيم رشيد (24 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنّه على الرغم من بساطة الأدوات المستخدمة في العمل، إلّا أن تصليح العملة الورقية يتطلب تركيزاً عالياً ودقة شديدة، حرصاً على عدم إفساد الورقة نهائياً ووقف التداول بها.
ويشير رشيد إلى أن زيادة الطلب على إصلاح تلك العملات دفعته إلى توزيع خطوات العمل بينه وبين شريكه، كذلك تأجيل تسليم بعض الأوراق التي تحتاج إلى قص ولصق إلى أيام تالية، حتى يتمكن من ترميمها على نحوٍ جيد.
وبدأت فكرة ترميم الأوراق النقدية بين أوساط الشبان كمبادرة شخصية، ثم تحولت إلى مصدر رزق لا يحتاج سوى لطاولة صغيرة وبعض الأدوات، فيما يتسلم صاحب المشروع العملات الممزقة أو البالية من المواطنين، ويرممها ويعيدها لأصحابها.
ويوضح الفلسطيني أحمد الصرفندي (27 عاماً) الذي يعمل في ذات المهنة أنه يصلح يومياً عشرات الأوراق النقدية مقابل مبلغ مالي زهيد يتراوح بين 2 إلى 3 شواكل، وقد يصل إلى أربعة شواكل في حال اضطر إلى غسل الورقة بمحلول مخصّص لإزالة بعض الأوساخ عنها (الدولار = 3.65 شواكل).
ويفحص الصرفندي، وفق توضيحه لـ"العربي الجديد"، الورقة ويقيّم حالتها ويحدّد مواضع التمزق أو الاهتراء، ومن ثم ينظفها إن لزم الأمر باستخدام فرشاة ناعمة أو قطعة قماش مبلّلة قليلاً.
وبعد تجهيز الخطوات الأولى يبدأ الصرفندي بتركيب الأجزاء إذا كانت ممزقة، عبر جمع الأطراف وتثبيتها باستخدام صمغ مخصّص، وفي النهاية يقصّ ويزيل الأطراف الزائدة مع الحرص على عدم تغطية الأرقام أو العلامات الرسمية.
يقول الفلسطيني سعيد رجب (33 عاماً) إن عمله في تصليح العملات الورقية بدأ عن طريق الصدفة، عندما رفض العديد من الباعة تسلّم ورقة نقدية كانت بحوزته، ما دفعه إلى ترميمها وصرفها، فتشجع على العمل بهذه المهنة بعد تجهيز الأدوات اللازمة.
ويلفت رجب، الذي فقد عمله بعد تدمير سيارة الأجرة الخاصة به، إلى أنه بدأ بلصق العملات عبر لاصق غير لامع، ومع الممارسة بدأ باستخدام تقنية أكثر حرفية تتمثل في لصقها بالصمغ الأبيض، مع الحرص على عدم إظهار الصمغ الزائد تفادياً لرفض صرافة الورقة.
ولا توجد جهة رسمية تنظم هذه المهنة حتّى اللحظة، إلّا أن العاملين فيها يحرصون على عدم المساس بالمواصفات الأساسية للأوراق النقدية، وفق توضيح رجب الذي يؤكد على أن العمل يعتبر محاولة للحفاظ على العملات المتبقية، إلى جانب خلق فرص عمل بسيطة.
ومع الاعتماد الكبير على النقد الورقي في ظل محدودية البطاقات المصرفية أو المدفوعات الإلكترونية، أصبحت العملات المتداولة متهالكة، ما دفع كثيرين إلى رفض تسلُّمها، حتى من المتاجر والبسطات أو وسائل النقل، ما استدعى التوجه نحو ترميمها.
