ARTICLE AD BOX
يعيش قطاع غزة منذ بدء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط الثلاثاء الماضي المنطقة، حالة تصعيد إسرائيلي كبير، خلافاً لما كان متوقعاً في أعقاب تسليم حركة حماس للجندي الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر، بموجب تفاهمات مع الإدارة الأميركية، الاثنين الماضي. وصعّد الجيش الإسرائيلي من وتيرة القصف الذي طاول المنازل وعدداً من المستشفيات، بالتزامن مع الزيارات التي يقوم بها ترامب لكل من السعودية وقطر والإمارات في إطار جولته الخارجية الأولى إلى الشرق الأوسط، في ولايته الثانية. وأمس الخميس كان نصيب محافظة خانيونس من القصف الإسرائيلي، ارتقاء العدد الأكبر من الشهداء في موجة التصعيد التي أعقبت بادرة حماس، وقبلها بيوم كان شمالي القطاع، خصوصاً مخيم جباليا ومحيطه، مع سقوط أكثر من 200 شهيد منذ بدء جولة ترامب، منهم 100 على الأقل أمس الخميس. وتجاوز عدد الشهداء منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الـ53 ألفاً.
محمد الأخرس: الخطة الأميركية لتوزيع المساعدات في غزة هي خطة تنتمي إلى التوجه الحربي الإسرائيلي
تصعيد في غزة
وأقدمت حركة حماس على "بادرة حسن نية" حينما أفرجت عن الأسير ألكسندر دون الحصول على مقابل مشابه للأسرى السابقين، إلا أن القطاع لا يزال محاصراً من دون إدخال للطعام والأدوية للشهر الثالث على التوالي. في المقابل يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير معني في دفع المفاوضات نحو صفقة جديدة تنهي الحرب، متمسكاً برغبته في توسيعها للحفاظ على استقرار حكومته خلال الفترة المقبلة. ويتزامن التصعيد الإسرائيلي الكبير مع إرسال نتنياهو وفداً إسرائيلياً للتفاوض استجابة لطلب أميركي ولطلب المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف في أعقاب الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكسندر. ورغم التوقعات المسبقة أن تبدو هذه الخطوة بمثابة خطوة دافعة نحو الوصول إلى اتفاق، عاد شبح التشاؤم ليخيم على المشهد من جديد، بفعل السلوك الإسرائيلي الرافض لأي صيغة اتفاق تنهي الحرب في غزة. وشهد اليومان الماضيان، بحسب قناة 12 العبرية عرض ويتكوف خطة في الدوحة، تتضمن تنازل حماس عن الحكم في غزة، وهو ما ردت عليه حركة حماس بإشارات إيجابية، إلا أن نتنياهو قابل الأمر بالإصرار على صفقة جزئية من دون إنهاء الحرب.
وقال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لشبكة "سي أن أن" الإخبارية الأميركية، مساء الأربعاء، إن هجمات إسرائيل على غزة هذا الأسبوع تظهر عدم اكتراثها بالتفاوض على وقف لإطلاق النار. أما إسرائيلياً، فيدور الحديث عن توسيع العملية العسكرية بمجرد مغادرة ترامب للمنطقة، وتنفيذ خطة "عربات جدعون" الرامية لتهجير الفلسطينيين من مناطقهم ودفعهم نحو الجنوب من جديد بهدف تهجيرهم. وارتفعت وتيرة القصف الإسرائيلي خلال اليومين الماضيين حيث سجل القطاع قرابة 200 شهيد ومئات الإصابات بفعل عمليات القصف والأحزمة النارية في مختلف مناطق القطاع من شماله حتى جنوبه.
في السياق، يقول الباحث في الشأن السياسي محمد الأخرس إن التصعيد الإسرائيلي في ظل زيارة ترامب للمنطقة، يعكس التمسك بالخيار العسكري ورفض أي تسويات سياسية سواء كانت عبارة عن عروض يقدمها الوسطاء في سياق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار أو حتى في سياق رؤى إقليمية مرتبطة بتطورات اليوم التالي. ويضيف الأخرس في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال كان بوسعه خفض النيران ولو قليلاً أثناء زيارة ترامب، لا سيما بعد تسليم الجندي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، وهو أمر يعكس رفض أي مساع للتسوية والهدوء.
ويرى أن تصريحات رئيس الوزراء القطري تشير إلى انسداد العملية التفاوضية، وهو أمر مرتبط بأن كل الحديث عن الخلافات الأميركية والإسرائيلية واضح وحقيقي. ويعتقد الأخرس أن الخطة الأميركية لتوزيع المساعدات في غزة هي خطة تنتمي إلى التوجه الحربي الإسرائيلي، وهو مرتبطة بآلية إسرائيلية عبر إخلاء السكان لمناطق فارغة، عدا عن ارتباطها باستراتيجية إسرائيلية عسكرية. ويلفت إلى أن المشهد التفاوضي في ظل المعطيات القائمة يعيش حالة استعصاء ما لم يحدث متغير حقيقي، إذ إنه لا توجد إرادة إسرائيلية لوقف الحرب في غزة، فضلاً عن إسقاط ملف غزة من زيارة ترامب وهو ما يظهر في تجاهل التصريح حولها. ومع تسليم المقاومة الفلسطينية للجندي ألكسندر يتبقى لديها 58 أسيراً إسرائيلياً، في حين يقدر الإسرائيليون وجود ما بين 20 إلى 23 أسيراً إسرائيلياً على قيد الحياة إلى جانب 35 جثة، منها أربع جثث لأميركيين.
إياد القرا: نتنياهو يرتكب المجازر لإرضاء بن غفير وسموتريتش
إلى ذلك، يقول المحلل السياسي إياد القرا، إن حالة التصعيد جزء منها مرتبط بزيارة ترامب وسعي نتنياهو للهرب الأمام ومحاولة الصعود على دماء الفلسطينيين والتهرب من أي ضغوطات خارجية وداخلية. ويشير القرا في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن نتنياهو يهرب نحو الجيش في كل أزمة أو ضغط يتعرض له عبر تصعيد وتيرة القصف والاستهدافات في القطاع، فضلاً عن كونه يستبق الذهاب إلى أي اتفاق نحو عملية تصعيد يرضي من خلالها اليمين المتطرف. ويلفت القرا إلى تصريحات نتنياهو العلنية بشأن التمسك بما يسميه مقترح ويتكوف المؤقت، ورفض نقاش أي مقترحات أخرى من شأنها أن تنهي الحرب في القطاع تماماً وتبحث شكل اليوم التالي للحرب في غزة. ويعتقد أن الضغوط الأميركية على نتنياهو لإبرام صفقة، تدفعه نحو ارتكاب المزيد من المجازر لإرضاء حلفائه في الائتلاف الحكومي خصوصاً وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أو وزير المالية بتسئليل سموتريتش. ويرى أن الأمر على الصعيد التفاوضي لا يبدو سهلاً في ما يتعلق بملف غزة، وقد يستغرق المزيد من الوقت خصوصاً مع وجود موقف أميركي هادف لإطلاق سراح الأسرى ووقف الحرب عبر العمل الدبلوماسي كما تحدث المبعوث الأميركي لشؤون الرهائن آدم بولر.
شرعنة جرائم الاحتلال
من جانبه، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، إن تزامن تصاعد المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة مع زيارة ترامب، يشير إلى أن هذه الزيارات ليست سوى غطاء سياسي لشرعنة جرائم الاحتلال، وتعزيز العدوان المتصاعد ضد المدنيين. ويضيف الثوابتة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه بينما يُطلق ترامب تصريحات جوفاء عن "مستقبل أفضل للفلسطينيين"، يواصل الاحتلال ارتكاب مجازر مروعة بحق شعب أعزل، في مشهد يعكس انفصاماً تاماً بين الأقوال والوقائع. ويعتبر أن هذا التناقض يفضح حقيقة الموقف الأميركي الذي يروّج للسلام ويُغذّي الحرب، ويدعم الاحتلال سياسياً وعسكرياً بينما يتجاهل الانتهاكات اليومية التي تُرتكب بحق المدنيين، من قتل الأطفال والنساء إلى قصف البنى التحتية، وتدمير الحياة الإنسانية في غزة. ويؤكد أن استمرار هذه المجازر يعكس سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني، عبر القتل الجماعي، واستهداف العائلات، وقصف المنازل ومخيمات النزوح، دون تمييز بين طفل وامرأة أو مريض ومُسن. هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم، وستبقى شاهدة على بشاعة الاحتلال وضرورة محاسبته. وسبق أن تنصل الاحتلال الإسرائيلي من الاتفاق السابق الموقع في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، وفرض حصاراً مشدداً على غزة، رافضاً التفاوض على تنفيذ المرحلة الثانية، قبل استئنافه الحرب على القطاع في 18 مارس/آذار الماضي. في المقابل، تتمسك حركة حماس ومعها الفصائل الفلسطينية بإبرام صفقة تبادل شاملة تقوم على مبدأ الرزمة الشاملة، من خلال السعي لتسليم كامل الأسرى في مقابل وقف الحرب تماماً والانسحاب من القطاع وتنفيذ عملية تبادل مقابل أسرى فلسطينيين.