ARTICLE AD BOX
تشهد العلاقات السورية - الفرنسية تحولاً ملحوظاً في ظل المستجدات السياسية والاقتصادية التي تمرّ بها المنطقة، إذ جاءت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى باريس لتفتح آفاقاً جديدة للتعاون بين البلدَين، خاصة في مجالَي الطاقة والطيران.
ومع سعي دمشق لتعزيز علاقاتها الخارجية، يبرز اهتمام فرنسي متزايد بإعادة النظر في سياستها تجاه سورية، وسط نقاشات داخل الأوساط السياسية والإعلامية حول العقوبات المفروضة عليها، ودور رجال الأعمال الفرنسيين في إعادة تنشيط العلاقات التجارية الثنائية.
مفاوضات اقتصادية
وفي هذا السياق، يؤكد الباحث السوري مالك الحافظ أن أي زيارة سياسية لا يمكن فصلها عن بُنيتها التفاوضية الكبرى، مشيراً إلى أن هذه الزيارة ليست مجرد خطوة بروتوكولية، لكنّها أيضاً ليست بوابة مباشرة لإطلاق المشاريع الاقتصادية، إذ لا تزال سورية تعاني من عقوبات دولية، وضعف النظام المالي، وانهيار الثقة في البيئة الاستثمارية، ما يجعل أي حديث عن تعاون اقتصادي فعلي مجرد توقعات لا ترقى إلى مستوى الواقع.
ويضيف الحافظ في تصريح لـ"العربي الجديد" أن التعاون الاقتصادي بين دمشق وباريس يجب أن يُنظر إليه من زاوية المدى القصير والطويل، إذ تشمل القطاعات قصيرة المدى التعليم والصحة والثقافة، بينما تتطلب المشاريع طويلة الأمد، مثل الطاقة والبنية التحتية، ترتيبات أمنية وسياسية معقّدة، كما يرى أن الشركات الفرنسية الكبرى مثل "توتال" قد تجد فرصاً للدخول في مشاريع الطاقة، بشرط ضمان غطاء أوروبي وإعادة ضبط الملف الأمني.
كما تحدث الحافظ عن احتمالية دخول فرنسا في مجالات الاتصالات والصناعات التحويلية، إضافة إلى إمكانية إعادة ربط النظام المالي السوري بالمنظومة المصرفية الدولية في حال رفع العقوبات، لكنه شدّد على أن أي استثمار جديد يتطلب ضمانات سيادية، ومنظومة مصرفية قوية، ومناخاً سياسياً مستقراً.
القطاعات المحتملة للاستثمار
يشير الباحث السوري إلى أن أي شركة ترغب في الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار يجب أن تتوفر لها ثلاثة شروط أساسية؛ أولها ضمانات سيادية لحماية استثماراتها، والثاني وجود منظومة مالية ومصرفية تتيح نقل الأرباح وتحويل الأموال بحرية، والثالث وجود مناخ سياسي وأمني مستقر يسمح بإدارة فعّالة للمخاطر.
وأوضح أن هذه الشروط الثلاثة تكاد تكون غير متوفرة في سورية اليوم، إذ تواجه السلطة الانتقالية تحديات كبيرة في ضبط الفصائل المسلحة، وبناء مؤسسّات قادرة على فرض القانون، وإطلاق آليات مالية شفافة. واختتم الباحث السوري تحليله بأن سورية بحاجة إلى إعادة بناء الثقة في الحوكمة، من خلال إصلاح المؤسّسات القانونية، وضبط الفصائل المسلحة، والانخراط في الأسواق المالية الدولية تدريجياً.
التعاون قبل عام 2011
تشهد العلاقات السورية - الفرنسية بُعداً اقتصادياً مهماً شمل عدداً من القطاعات الاستراتيجية، إذ امتد التعاون قبل عام 2011 ليشمل قطاع النفط من خلال شركات مثل موريل وبروم وبتروكوبست العالمية المحدودة وشركة توتال في قطاع الصناعات النفطية، وبيل في صناعة الأجبان، ولافارج في صناعة الأسمنت، إضافة إلى سي جي أم في الشحن البحري، بالإضافة إلى مشاريع أخرى في مجال النقل والمواصلات والاتصالات والخدمات البريدية.
كما أنّ التعاون الصناعي برز في مجالات الهندسة والصرف الصحي والصناعات الزراعية، إلى جانب مشاريع الطاقة والغاز والكهرباء والسكك الحديدية، كما كانت الوكالة الفرنسية للتنمية التي تعمل على تمويل وتقديم الهبات والقروض، إلى جانب الخبرات التقنية ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وإقامة مشاريع مشتركة بين القطاعَين العام والخاص.
وعلى صعيد الدعم الإنساني، منحت فرنسا السوريين، الذين كانوا تحت حكم النظام السوري السابق، مساعدات إنسانية بين عامَي 2018 و2020 بقيمة 250 مليون يورو، إضافة إلى 850 مليون يورو كقروض لدعم بعض المشاريع التنموية كما شهد التبادل التجاري بين البلدين نشاطاً ملحوظاً، إذ بلغ حجم الصادرات السورية إلى فرنسا 800 مليون يورو، بينما سجلت الصادرات الفرنسية إلى سورية 600 مليون يورو، ما يعكس استمرار النشاط التجاري رغم التحديات الاقتصادية والسياسية.
فرنسا تستكشف الفرص في سورية
من جانبه، أكد الأكاديمي الاقتصادي براء الناعم، أن فرنسا تواصل استكشاف الفرص الاقتصادية في سورية، في إطار سعيها لتعزيز نفوذها الإقليمي وإعادة تموضعها في المشهد الاقتصادي الدولي، وأشار إلى أن باريس ترى في مشاريع الطاقة والبنية التحتية في سورية فرصة استراتيجية، خاصة مع الاهتمام المتزايد بإعادة إحياء خطوط نقل الغاز والنفط التي تربط سورية بأوروبا، مثل خط أنابيب الغاز العربي وخطوط النفط القادمة من العراق، ما يسهم في تعزيز أمن الطاقة الأوروبي ويدعم الاقتصاد السوري في مرحلة إعادة الإعمار.
وأوضح الخبير الاقتصادي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن فرنسا تمتلك خبرة واسعة في تطوير البنية التحتية، وهو ما يمكّنها من لعب دور رئيسي في تحديث الموانئ السورية مثل طرطوس واللاذقية، إضافة إلى تحسين شبكة الكهرباء عبر مشاريع الربط الإقليمي بين سورية والدول المجاورة.
