ARTICLE AD BOX
تثير إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القلق في نفوس الطلاب الأجانب أو الدوليين، ولا سيّما في ما يخصّ أوامر الترحيل المحتملة التي قد تصدرها. وتعبّر بيليانا، الطالبة الأجنبية في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، عن خشيتها من أن تلاقي مصير مئات من أقرانها الذين أوقفتهم سلطات الهجرة الأميركية أو ألغت تأشيراتهم بسبب مشاركتهم في نشاطات داعمة للفلسطينيين على خلفية الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وذلك منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتسلّمه ولايته الرئاسية الثانية في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وتسود أجواء مشحونة حرم جامعة كولومبيا مع اقتراب نهاية الفصل الدراسي، في ظلّ الاتهامات التي يوجّهها ترامب إلى هذه الجامعة المرموقة وغيرها من جامعات رابطة "آيفي ليغ" بـ"معاداة السامية" واعتناق أيديولوجيات "ليبرالية متطرّفة"، بينما يسعى أساتذة الجامعة جاهدين لإنقاذ تمويل أبحاثهم. يُذكر أنّ الرابطة المشار إليها تضمّ ثماني جامعات تُعَدّ من أبرز جامعات الولايات المتحدة الأميركية والعالم وأقدمها وأعرقها؛ "هارفارد" و"برنستون" و"ييل" و"كولومبيا" و"دارموث" و"براون" و"كورنيل" و"بنسلفانيا" (تُعرَف اختصاراً باسم جامعة بن)، علماً أنّها تقع كلها في شمال شرق البلاد.
وقد هدّدت إدارة ترامب، أو ترامب نفسه، مئات من الطلاب الأجانب في كلّ أنحاء الولايات المتحدة الأميركية بإلغاء تأشيراتهم الدراسية، في حين استُهدف آخرون وتعرّض عدد منهم للاعتقال، بما في ذلك في جامعة كولومبيا، بسبب مشاركتهم في احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين أو حتى مخالفات مرورية بسيطة. ولعلّ أوّل الطلاب المستهدفين هو خرّيج جامعة كولومبيا الناشط محمود خليل الذي اعتقلته وزارة الأمن الداخلي الأميركية في الثامن من مارس/ آذار الماضي، علماً أنّ الرئيس الأميركي عبّر حينها عن "فخر" إزاء عملية الاعتقال هذه، متوعّداً بالمزيد. وكان خليل الذي يملك بطاقة خضراء قد أدّى دوراً بارزاً في الاحتجاجات الطالبية المؤيّدة للفلسطينيين ابتداءً من مايو/ أيار 2024، وسط حرب الإبادة الإسرائيلية التي راحت تُشَنّ على قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وما زالت مستمرّة، علماً أنّ هدنة هشّة تخلّلتها لم تدم شهرَين قبل أن يستأنف جيش الاحتلال عدوانه في مارس 2025.
ولا تخفي بيليانا، طالبة الحقوق البالغة من العمر 29 عاماً، أنّها تشعر بـ"رعب شديد" لدرجة أنّها طلبت من وكالة فرانس برس عدم الكشف عن اسمها الحقيقي أو بلدها الأصلي في أميركا اللاتينية. وتؤكد أنّ "الوضع مرعب حقاً"، شارحةً: "تشعر أنّك لا تستطيع قول أيّ شيء أو مشاركة أيّ شيء". وتضيف الشابة: "لم نعد أنا وأصدقائي ننشر أيّ شيء على (موقع) إكس، وكثر منّا حذفوا منشوراتهم القديمة خوفاً من أن يكونوا قد تجاوزوا خطاً أحمر غير مرئي". وتتابع أنّها هي وزملاءها يحاولون فقط الالتحاق بالمحاضرات.
ومع اقتراب الامتحانات النهائية، الأسبوع الماضي، اعتُقل 80 متظاهراً مؤيّداً للفلسطينيين بعد محاولتهم احتلال المكتبة الرئيسية في جامعة كولومبيا. وسارعت رئيسة الجامعة المؤقتة كلير شيبمان إلى إدانة هذه الاحتجاجات. وتشير بيليانا إلى أنّها صارت تحرص على الابتعاد كلياً عن مثل هذه التظاهرات، خوفا من أن تظهر في صورة ما تربطها بالحدث حتى لو لم تشارك فيه.
في سياق متصل، أفاد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بأنّ سلطات إدارة ترامب تراجع أوضاع التأشيرات الخاصة بـ"المخرّبين" المشاركين في الاحتجاجات، مضيفاً أنّ "بلطجية (حركة) حماس لم يعودوا موضع ترحيب في أمّتنا العظيمة"، في إشارة واضحة إلى أنّ المتعاطفين مع القضية الفلسطينية أو داعميها الناشطين لا مكان لهم في الولايات المتحدة الأميركية. يُذكر أنّ ترامب يحرص دائماً على ربط المتضامنين مع الفلسطينيين بحركة حماس وعلى وصفهم بالإرهابيين، لتبرير الإجراءات التي يأخذها بحقّهم.
ويؤكد رئيس اتحاد طلاب جامعة كولومبيا المنتخب حديثاً أوسكار وولف لوكالة فرانس برس أنّ "مستوى القلق بين الطلاب الأجانب يتزايد، بغضّ النظر عن مشاركتهم في الاحتجاجات أو لا". ويقول وولف، الذي التحق بالجامعة في سبتمبر/ أيلول 2023، قبل وقت قصير من السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إنّه لم يعش سوى شهر واحد فقط من "الحياة الجامعية الطبيعية".
وبسبب الاضطرابات، أغلقت جامعة كولومبيا أبوابها أمام العامة، على الرغم من أنّها تستقطب الآلاف في العادة بحرمها في مانهاتن بمدينة نيويورك. وقد اتّهمت إدارة ترامب الجامعة بالسماح بانتشار معاداة السامية في أرجائها، فيما تنفي "كولومبيا" هذا الاتهام بصورة قاطعة. وعلى أثر هذا الاتهام، اقتطعت الإدارة الأميركية نحو 400 مليون دولار من التمويل الفدرالي المخصّص للجامعة. أمّا جامعة هارفرد، فقد واجهت الإدارة بتحدٍّ، ورفعت دعوى قضائية لوقف تجميد منح بقيمة ملياري دولار.
وتخوض جامعة كولومبيا مفاوضات مع الحكومة الأميركية، لكنّ رئيسة الجامعة المؤقتة بيّنت، يوم الأربعاء الماضي، أنّ "نحو 180 من زملائنا العاملين بدوام كامل أو جزئي على مشاريع مموّلة من منح فدرالية متأثّرة (بقرار إدارة ترامب)" سوف يخسرون وظائفهم.
في هذا الإطار، تقول أستاذة الطب النفسي في جامعة كولومبيا ريبيكا موليه لوكالة فرانس برس إنّ منحتها لمشروع بحثي حول التوحّد "لم تُلغَ، لكنّها لم تحصل على التمويل كذلك، إنّها في حالة جمود". تضيف: "لا يمكنني توظيف أحد أو القيام بمشتريات كبيرة"، مشيرةً إلى "منح كثيرة في مثل هذا الوضع. إنّها حالة فوضى، ولا يمكنك إجراء بحث علمي جيّد وسط الفوضى".
بدوره، يقول البروفسور ماثيو كونلي المتخصص في سياسات السرية الحكومية ورفع السرية لوكالة فرانس برس إنّ الصندوق الوطني للعلوم الإنسانية ألغى تمويل منحتَين من دون تقديم "سبب حقيقي" لذلك. ويوضح أنّ المنحتَين المذكورتَين كانتا تهدفان إلى تدريب الباحثين على تحليل السجلات التاريخية وحفظها، خصوصاً الرقمية منها، واصفاً الأمر بأنّه "أحد التحديات الكبرى التي تواجه الباحثين". وإذ يصرّ كونلي على عدم الاستسلام، يلفت إلى أنّ "الجامعات صارت هدفاً (سياسياً)، لأنّ كلّ ما نقوم به يتعارض تماماً مع ما تسعى إدارة ترامب إلى تحقيقه". ويشدّد: "إذا توقّفنا عن التدريس والبحث، فسوف نمنحهم انتصاراً مجانياً".
لكنّ رئيس اتحاد طلاب جامعة كولومبيا يرى أنّ "الأمر أكبر من ذلك". ويقول وولف إنّ "هذا ليس هجوماً (عابراً) على كولومبيا فحسب، بل هو مشهد أوّل لهجوم أوسع على المجتمع المدني" ككلّ في الولايات المتحدة الأميركية.
(فرانس برس، العربي الجديد)
