حالة الدوري الإنجليزي الممتاز تفقد الجميع صوابهم

6 days ago 4
ARTICLE AD BOX

<p>شهدت احتفالات ليفربول بلقب الدوري الإنجليزي إطلاق صافرات استجهان ضد ترينت ألكساندر أرنولد (أ ف ب)</p>

قال سيب بلاتر ذات مرة "كرة القدم تجعل الناس يفقدون عقولهم"، ولا تبدو هذه العبارة أكثر صدقاً من اللحظات التي لا يكون للكرة فيها كثير من المعنى.

مرحباً بكم في فترة ما بعد ترتيب الجدول في الدوري الإنجليزي الممتاز، إذ يبدو أن كل شيء انقلب رأساً على عقب، ولربما لا يمكنك تخمين مواقع الأندية من خلال مشاعرها.

هناك بعض أوجه الشبه مع "عصر ما بعد الحقيقة" في السياسة من حيث التصورات، وإن كان ذلك مع التحفظ الكبير بأن قليلاً جداً من الأمر يهم فعلياً.

وهذا هو جوهر المسألة، فهناك قليل جداً مما يمكن اللعب من أجله، ومع ذلك بدا أن هذا الفراغ دفع كثيرين في أوساط كرة القدم إلى التصرف بانفعال مبالغ فيه، أكثر مما لو كانت الأمور تحسم حتى اللحظة الأخيرة.

في الأقل فإن السيناريو الأخير كان سيمنح الجميع تركيزاً واضحاً، مباريات نهاية الأسبوع الماضية كانت نموذجاً مثالياً لمواجهات "ما بعد الجدول"، اللاعبون على الشاطئ، لكن وسط المنافسات، وكان هناك كثير مما لا يبدو منطقياً.

وأبرز ما في المشهد أن مانشستر يونايتد وتوتنهام هوتسبير، القابعين مباشرة فوق منطقة الهبوط في المركزين الـ16 والـ17 على التوالي، على رغم تصنيفهما في تقرير "ديلويت" للأندية الأغنى في العالم في المركزين الرابع والتاسع، وفي الوقت ذاته يقفان على أعتاب العودة لدوري أبطال أوروبا من بوابة نهائي الدوري الأوروبي.

الآن واحداً من روبن أموريم وأنج بوستيكوغلو قد يرفع لقباً تاريخياً، ومع ذلك كان كلاهما يتحدث علناً عن مستقبله بطريقة متوترة.

لكن المشهد الأوضح كان لرجل يرتدي قميصاً أبيض، هو إيفانغيلوس ماريناكيس، وهو يوبخ علناً المدير الفني الذي قاد نوتينغهام فورست من المركز الـ17 إلى السابع.

حدث هذا على رغم أن رجل الشحن اليوناني وضع النادي موقتاً في "صندوق أمانة أعمى" بسبب امتلاكه في الوقت نفسه لناديي أولمبياكوس اليوناني وريو آفي البرتغالي، مما يتعارض مع قواعد الاتحاد الأوروبي للعبة "يويفا" الخاصة بتعدد الملكية، وهو ما جاء نتيجة تأهل نوتينغهام فورست إلى المسابقات الأوروبية.

وتظهر وثائق الهيئة الحكومية "بيت الشركات" أن ماريناكيس لم يعد يعتبر "شخصاً ذا سيطرة كبيرة" على النادي، لكنه بالتأكيد لم يظهر كثيراً من السيطرة على مشاعره بعد التعادل (2 - 2) مع ليستر سيتي.

وعلى الصعيد العاطفي، لم يكن ليخمن أحد أن ليفربول يحتفل بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، بالنظر إلى الأجواء المتضاربة التي نشأت بمجرد أن بدأ جزء من جماهير النادي في إطلاق صافرات الاستهجان تجاه ترينت ألكسندر أرنولد، فأسبوعان من الاحتفالات تحولا فجأة إلى ما بدا كأنه حرب ثقافية غاضبة داخل النادي.

وحتى بعد التعادل (2 - 2)، اختار ميكيل أرتيتا لحظة عودة أرسنال القوية ليوبخ لاعبيه على أدائهم، وهو ما بدا مفاجئاً فقط في سياق الأسبوعين الأخيرين، والتصريحات التي أدلى بها سابقاً في مواقف معاكسة وأثارت علامات استفهام.

وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة مهمة وسط كل هذه التناقضات، فهناك سياقات معقدة لا ينبغي التغاضي عنها.

لنأخذ حالة ليفربول أولاً، لأنها باتت تهيمن على العناوين الرئيسة، كما قال جيمي كاراجر نفسه، وهذا ما حدث بالفعل.

السردية التي باتت تتبلور وسط هذه الضجة هي أن لا أحد يجب أن يملي على جماهير النادي ما ينبغي أن يشعروا به، وهذا أمر منطقي تماماً، فهناك عناصر محلية شديدة الخصوصية لا يفهمها بحق سوى من عاشوها عن قرب.

باستثناء أن جماهير ليفربول أنفسهم، من الذين يرتادون المباريات، باتوا الآن يملي بعضهم على بعض ما يجب أن يشعروا به. فقد تحدث بعض الحاضرين في ملعب "أنفيلد" الأحد الماضي عن مشاحنات بين المشجعين وأجواء من الانقسام، وشهد أحد البرامج الإذاعية اتصالاً من مشجع محلي وهو يبكي تأثراً بردود الفعل.

ومن المهم هنا تأكيد وجود فارق كبير بين أن تملي على الجماهير مشاعرها، وبين أن يعلق المراقبون من الخارج، بصورة مفهومة، على هذا التفاعل، فنحن نتحدث عن قصة كبيرة في واحد من أكبر أندية العالم.

هؤلاء هم الأبطال، وهو وضع انتظرته جماهير ليفربول طوال 35 عاماً ليحتفلوا به كما يليق، لكن تلك الذكرى ستظل مرتبطة - ولو جزئياً - بهذا الجدل الداخلي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما يبدو مذهلاً من الخارج، وينبغي التأكيد أنه منظور من الخارج، هو كيف انتهى احتفال بالتتويج بلقب الدوري إلى هذه الحالة.

لكن نحن نعلم جميعاً أن هذا لم يكن ليحدث لو أن اللقب كان لا يزال على المحك، فهذه نتيجة مباشرة للفراغ، وأيضاً للنظام الإعلامي الصناعي الذي يحيط بكرة القدم، فلا يوجد كثير على أرض الملعب لتحريك المشاعر، لكن ماكينة التغطية لا تتوقف، فالوهج الذي يصاحب الفوز باللقب، الذي من المفترض أن يدوم طويلاً، لا يمكنه الصمود كثيراً عندما يطالب "الفرن" بمزيد من الحطب.

حتى إعلان ألكسندر أرنولد رحيله تحول إلى "حدث"، ولا ننسى تلك اللحظة التي بدا فيها وكأنه يريد التقليل من ضجة مستقبله بوضع يده على أذنه، والآن هو يسمع كل شيء.

وكذلك نونو إسبيريتو سانتو، وإن كان ذلك بصورة مباشرة في وجهه. صحيح أن نوتينغهام فورست لا يزال أمامه ما يسعى إليه، كحلم التأهل لدوري أبطال أوروبا، لكن في الظروف الطبيعية، كان ذلك ليعد طموحاً إضافياً في موسم رائع.

بالطبع من المحبط أن نوتينغهام فورست قد يفوت فرصة التأهل إلى دوري أبطال أوروبا بعدما كان ينظر إليه في يناير (كانون الثاني) الماضي كمنافس محتمل على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز، لكن أي تحليل منطقي سيفضي إلى أن الفريق تجاوز التوقعات بصورة هائلة، حتى في ظل الارتفاع الكبير في فاتورة الأجور، الذي جاء بعد خصم النقاط نتيجة خرق قواعد اللعب المالي النظيف في الموسم الماضي.

ومع ذلك، ها هو ماريناكيس، يوبخ مدرب فريقه علناً، في مشهد غير مسبوق حتى في الدوري الإنجليزي الممتاز، وهذه هي كرة القدم اليوم.

حتى غرابة موسمي توتنهام ومانشستر يونايتد تعود في جوهرها لطبيعة "صناعة اللعبة"، وكيف أن الحوافز المالية أفرزت قاعدة من "يويفا" تمنح التأهل لدوري الأبطال من بوابة الدوري الأوروبي. ولم يعد مجرد التتويج بلقب كافياً، لذا فقد خاض الفريقان موسمهما وكأن مجرد امتلاكهما لموازنتي أجور ضمن أعلى سبعة في الدوري لا يبرر لهما القتال على أكثر من جبهة.

هناك اتجاه بات يتردد أكثر فأكثر، ونقله كاتب هذه المقالة في كتابه "حالات اللعب"، هو ما قاله أحد كبار مسؤولي دوري كرة القدم الأميركية (أن أف أل) لمؤسسي الدوري الإنجليزي الممتاز خلال زيارتهم الاستطلاعية "إذا كنتم تظنون أن لديكم مشكلات الآن، فانتظروا حتى يكون لديكم المال".

الآن لم يعد من الممكن أن يسير الموسم بصورة طبيعية، فآلة الترفيه المحيطة بكل شيء أصبحت تخلق من الفوضى أكثر مما كنا نتوقع، حتى أكثر رجال الأعمال اتزاناً أصبحوا يتصرفون برعونة في كرة القدم، ويكفي النظر إلى بعض القرارات التي اتخذها كل من السير جيم راتكليف ودانيال ليفي.

ومع ذلك، فهذا هو بالضبط ما يلتقي فيه جانبان من هذه المعادلة.

واحدة من أكثر الزوايا إثارة للاهتمام في قصة ألكسندر أرنولد كانت الانتقادات الخفيفة الموجهة إلى آرني سلوت لإشراكه الظهير الأيمن، والمساهمة في خلق الأجواء المتضاربة في المدرجات، لكن هذا الانتقاد في جوهره يطلب من مدرب محترف فاز بلقب الدوري ألا يشرك أحد أفضل لاعبيه بينما يحاول الفوز في مباراة أمام منافس مباشر على اللقب في الموسم المقبل، وذلك فقط من أجل مراعاة مشاعر الجماهير.

وبالمنطق نفسه طلب من كثير من مشجعي ليفربول أن يضعوا أنفسهم في مكان ترينت ألكسندر أرنولد، وأن يفكروا في مساراتهم المهنية الشخصية.

لكن، من البدهي أن المشجع لا يفكر مثل لاعب محترف في زمننا هذا. ولو كان الأمر كذلك، لما كان هؤلاء المحترفون ليكسبوا ما يكسبونه اليوم، ولما كانت بعض هذه الخلافات لتظهر أصلاً.

فهي تلك المشاعر النقية بالذات التي ينجح اقتصاد اللعبة في استغلالها، وصفها اللاعب السابق في إيفرتون والمحامي الرياضي غاريث فارلي بـ"تسليع المشاعر".

وكما يليق بهذا الأسبوع الغريب، هناك ما هو جيد وسيئ في هذه المعادلة. أو لعل الأدق، أن هناك لحظات يبدو فيها الجيد سيئاً والسيئ جيداً.

فالعاطفة ولا عقلانية الجماهير هما ما يحرك الرياضة، لكن استغلال كل ذلك اقتصادياً هو ما يفتك بها تدريجاً، وهذا لا يتجلى بوضوح أكبر مما هو عليه في فترة "ما بعد جدول الترتيب"، ومحاولة فهم أحداث نهاية أسبوع شديدة الغرابة.

subtitle: 
مع بقاء قليل فقط للعب من أجله جلبت عطلة نهاية الأسبوع الغريبة في الدوري الإنجليزي الممتاز موجة من الهستيريا من الجماهير والمدربين والمالكين
publication date: 
الثلاثاء, مايو 13, 2025 - 17:15
Read Entire Article