حظر "جبهة تحرير تيغراي": قرار إداري يهدد بعودة التوترات

1 week ago 7
ARTICLE AD BOX

يثير قرار شطب "جبهة تحرير شعب تيغراي" من سجل الأحزاب السياسية في إثيوبيا ومنعها من القيام بأي أنشطة سياسية، مخاوف من عودة الصراع العسكري إلى إقليم تيغراي مجدداً، الذي شهد بين عامي 2020 و2022 حرباً بين الجبهة والحكومة الفيدرالية أسفرت عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص، فيما اتفاق السلام الذي أنهى الحرب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 (اتفاقية بريتوريا)، لم يتم تطبيق بنوده في منطقة تيغراي بما في ذلك عودة نحو مليون شخص نزحوا بسبب الحرب. كما أن هذا حزب "جبهة تحرير تيغراي" انقسم إلى نصفين منذ توقيع اتفاقية بريتوريا عام 2022، وشهد الإقليم في وقت سابق من العام الحالي اقتتالاً داخلياً قبل إقالة رئيس الحكومة المؤقتة في الإقليم غيتاشو رضا، الذي عمد إلى تأسيس حزب جديد سماه "حزب تيغراي الليبرالي الديمقراطي الجديد". ويأتي منع الجبهة من العمل السياسي قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في إثيوبيا في يونيو/ حزيران 2026 على أبعد تقدير، وبالتالي فإن القرار يفشل مخطط استيعاب الحزب ودمجه في الحياة السياسية من قبل الحكومة الإثيوبية، أمر من شأنه أن يضعف الجبهة أكثر ويضعها في وضعية مشلولة في المشاركة الوطنية والسياسية خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا المصيرية في إثيوبيا.

إلغاء "جبهة تحرير تيغراي"

وأعلن المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا، أمس الأول الأربعاء، إلغاء السجل الحزبي لـ"جبهة تحرير شعب تيغراي" بشكل رسمي، طبقاً للمادة 99 من قانون الأحزاب السياسية، وشطب الجبهة من سجل الأحزاب السياسية بسبب مخالفتها للقوانين الناظمة للأحزاب، وذلك بعد مراجعة شاملة لقراراته وسلوكياته، وأُبلغت الجهات المعنية بهذا القرار. وبناءً عليه، فإن المجلس الوطني للانتخابات الإثيوبي أكد أن "جبهة تحرير تيغراي" لم تعد حزباً مسجلاً رسمياً وفقاً لهذا لقانون، وذلك اعتباراً من الخامس من يوليو/ تموز المقبل.

نور الدين عبده: قرار شطب الجبهة من المشهد السياسي ستكون له تداعيات كبيرة

وبحسب بيان للجنة الوطنية للانتخابات، الذي اطلعت "العربي الجديد" على نسخة منه، فإن اللجنة تلقت شكوى من حزب "الوحدة من أجل الديمقراطية والعدالة" (حزب جبهة تحرير تيغراي)، بتاريخ 13 أغسطس/ آب 2015، حيث أفادت مجموعة تطلق على نفسها اسم "اللجنة التنفيذية للحزب"، بأنها القيادة الشرعية للحزب، وطلبت من المجلس اعتمادها رسمياً. وبناء على المادة 98 من قانون الأحزاب، وبعد تلقي رد من مجموعة أخرى تدّعي أنها "المجلس المركزي"، تأكد للجنة وجود خلاف داخلي. وتمت إحالة القضية إلى المحكمة الفيدرالية العليا (دائرة القضايا السياسية للأحزاب)، والتي أصدرت قرارها بتاريخ 17 مارس/ آذار 2024 في القضية، وأقرت بأن الجهة المخوّلة للنظر في الخلافات الداخلية للأحزاب هي اللجنة الوطنية للانتخابات، وليس المحكمة.

ووفق البيان، وبناء على ذلك، شُكلت لجنة داخلية للتحقيق، وقررت في الثالث من يونيو/ حزيران 2024 أن مجموعة "المجلس المركزي" هي القيادة الشرعية للحزب، استناداً إلى الاجتماعات والقرارات التي اتُخذت وفقاً للوائح الحزب. لكن مجموعة "اللجنة التنفيذية" اعترضت على القرار ورفعت دعوى جديدة، لكن المحكمة الفيدرالية العليا أعادت التأكيد، في حكمها السابق، أن الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية الفصل في النزاع هي اللجنة الوطنية للانتخابات، وبالتالي فإن قراراتها نافذة. وبعد شد وجذب استمر أشهراً بين اللجنة الوطنية للانتخابات والحزب، جاء إلغاء تسجيل الجبهة بصفة حزب سياسي لعدم تنفيذها "الإجراءات التصحيحية" التي طالبت بها اللجنة الوطنية المخولة بتسجيل الأحزاب السياسية وإدارة الانتخابات.

أسباب وتداعيات القرار

وحول أسباب هذا القرار من اللجنة الوطنية الإثيوبية للانتخابات، يقول الصحافي والباحث الإثيوبي نور الدين عبده، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن القرار إداري بحت، ويأتي في إطار صلاحيات اللجنة باعتبارها هيئة سيادية لها صلاحية إدارة الأحزاب والانتخابات. ويضيف أنه بحسب اللجنة لم تستوفِ الجبهة الشروط المنصوص عليها في القانون الاستثنائي الذي يسمح بتسجيل أحزاب سياسية "بصفة استثنائية" بما في ذلك المجموعات التي انخرطت في العمل المسلح.

ويوضح عبده أن هذا القرار جاء عقب انتهاء المهلة التي حددتها (ثلاثة أشهر)، اللجنة الوطنية للجبهة في فبراير/ شباط الماضي؛ حيث أصدرت الحكومة قانوناً خاصاً لدمج التنظيمات التي انخرطت في النزاعات العسكرية في الحياة السياسية ومن ضمنها "جبهة تحرير تيغراي". وبناء عليه، تمت إعادة تسجيل حزب "جبهة تحرير تيغراي" في أغسطس/ آب 2024 حزباً سياسياً جديداً، وهو ما يتطلب منها عقد مؤتمر عام تأسيسي في غضون ستة أشهر بحضور مراقبين من مجلس الانتخابات، وهو الأمر الذي رفضت الجبهة الالتزام به.

ويشير إلى أن قرار اللجنة الوطنية للانتخابات ستكون له تداعيات سياسية كبيرة، حيث يعني شطب الجبهة من المشهد السياسي، ويأتي على خلفية عدم عقد الجبهة مؤتمر تأسيس عام حسب متطلبات قانون الأحزاب، بينما تطالب الجبهة باستعادة صفتها القانونية وليس تأسيسها بصفة حزب جديد. وبحسب عبده، هناك توجس طبيعي على المستوى الشعبي والسياسي مع مخاوف من إمكانية أن تضطرب الأوضاع الأمنية في اقليم تيغراي إذا قررت الجبهة المواجهة، وهو أمر مستبعد في ظل توازن القوى والمزاج الشعبي والانقسامات داخل قيادات الجبهة ونخبها وقواعدها الشعبية، لافتاً إلى أن التصعيد المحتمل للحرس القديم داخل الجبهة سيكون اللجوء إلى إريتريا والتحالف معها في إطار تهديد الوضع في إثيوبيا، وهو ما لا تسمح به أديس أبابا وقد يمنحها الشرعية لحسم الأوضاع.

اتهامات متبادلة

وفي ظل استمرار الجمود، تتهم الحكومة الفيدرالية "جبهة تحرير تيغراي" بتكوين تحالفات خارجية مع جهات إقليمية ودولية مناوئة لأديس أبابا، وهو ما يزيد التوتر بين الطرفين. غير أن الجبهة ترى أن هذه الاتهامات تُستخدم لتبرير استبعادها من المشهد السياسي.
وفي السياق، يقول مدير مركز القرن الأفريقي للأبحاث (إسطنبول) الباحث الإريتري محمد عمر صالح، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن قرار حل "جبهة تحرير تيغراي" سيكون له بلا شك تأثيرات داخلية، ويعكس وجود خلاف بين رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد والجبهة، وهذا الخلاف منشأه طريقة تفسير بنود اتفاق بريتوريا بين الجبهة والحكومة الإثيوبية، وهناك بنود كثيرة لم تجد طريقها للتنفيذ، كما أن هناك قضايا خلافية لم يتم البت فيها بعد.


محمد عمر صالح: مرّ أكثر من عامين على توقيع اتفاق بريتوريا بدون إحراز تقدم جوهري في بعض الملفات الخلافية

ويوضح عمر صالح أن "جبهة تحرير تيغراي" تلقت تأكيدات شفهية من السلطة الفدرالية الإثيوبية باستعادة وضعها القانوني عبر اتفاق بريتوريا دون الحاجة إلى إعادة هيكلتها ضمن نظم جديدة وإعادة تسجيلها كأنها حزب جديد، بينما الصورة عند الحكومة الإثيوبية بدت مغايرة، واعتبرت أنه لا بد من أن تعيد الجبهة هذا الطلب بعد عقد مؤتمرها العام، ولكن الجبهة لم تتعاط مع طرح الحكومة، وفوّتت الفرصة، وبالتالي صدر هذا القرار على خلاف مصلحتها. ويشير إلى أن هذا الخلاف القانوني والسياسي ليس جديداً، فقد مرّ أكثر من عامين على توقيع اتفاق بريتوريا بدون إحراز تقدم جوهري في بعض الملفات الخلافية، ويبدو أن المسألة أبعد من مجرد صراع قانوني حول تسجيل حزب، بل تتعلّق بجوهر الصراع السياسي بين الطرفين، وقد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوترات.

وحول ما إذا كان هذا القرار لإلغاء حزب "جبهة تيغراي" يعتبر بمثابة موت مبكر للجبهة، يرى أن الجبهة، وخصوصاً الجناح الذي يقوده ديبريتسيون غبريميكل، لا تستمد شرعيتها من اعتراف الحكومة الفيدرالية، بل من حقها الدستوري والقانوني باعتبارها ممثلة لإرادة شعب تيغراي، لذلك، فهي ماضية في الدفاع عن هذا الحق، وربما تسعى لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل اندلاع المواجهات في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2020، والتي بدأت حين عقدت الجبهة انتخابات إقليمية بدون موافقة المجلس الوطني للانتخابات. ويشير إلى أنه من المهم التنبيه إلى أن الفترة الأخيرة شهدت ظهور تيارات وكيانات سياسية جديدة داخل إقليم تيغراي، بعضها لا يتبع جناح غيتاشو رضا ولا جناح ديبريتسيون غبريميكل، وهو ما يعقّد المشهد أكثر ويضع مستقبل تمثيل تيغراي أمام تحديات متعددة.

مصير "تيغراي"

أما مدير معهد الدبلوماسية الشعبية الإثيوبية، الباحث الإثيوبي ياسين أحمد، فيرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قرار المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا بإلغاء الوضع القانوني لحزب "جبهة تحرير تيغراي" كان متوقعاً، وذلك لانتهاء المهلة المحددة بعدما فشلت الجبهة في تنظيم مؤتمر للجمعية العمومية وفقاً للشروط التي وضعها المجلس الوطني للانتخابات. ويشير إلى أنه "حتى الآن ليس هناك رد رسمي من قبل قيادات جبهة تيغراي في ما يتعلق بقرار حلها، لأنها ما زالت في حالة اجتماعات طارئة لقيادة حزبها، ولكن أتوقع أن ترفض قرار حلها".

وعن ردود الفعل المحلية والرسمية نتيجة قرار إلغاء حزب "جبهة تحرير تيغراي"، يقول أحمد: ليست هناك ردود فعل محلية، لا سيما من أحزاب المعارضة أو الأحزاب المحسوبة على الجبهة حتى الآن في إقليم تيغراي، ولكن من المتوقع أن تكون هناك ردود مؤيدة لقرار لجنة الانتخابات، خصوصاً من بعض الأحزاب المعارضة المنافسة لـ"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، خصوصاً حزب تيغراي الليبرالي الديمقراطي الجديد بزعامة غيتاشو رضا.

Read Entire Article