حمام واحد لمئات الناس: أزمة تضاف إلى مآسي غزة

1 week ago 4
ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">تعد مشكلة نقص المراحيض في غزة من أصعب القضايا الإنسانية التي يعيشها السكان (اندبندنت عربية&nbsp;- مريم أبو دقة)</p>

منذ نصف ساعة تقف فاطمة في طابور طويل تنتظر دورها لدخول حمام المخيم الوحيد، فجأةً صرخت السيدة، "أنا مضطرة إلى تجاوز هذا الدور الطويل، لقد جاءتني الدورة الشهرية فجأة، أرجوكم".

يصطف أمام فاطمة نحو 20 فرداً من الذكور والإناث يدخلون المرحاض تباعاً، وكل واحد يأخذ وقته عند دخول الحمام ويضطر الأشخاص الباقون إلى الانتظار.

إحراج ولا خصوصية

شعرت فاطمة بإحراج شديد عندما صرخت، تقول "انعدمت الخصوصية، لقد اضطررت إلى تبرير سبب تجاوز طابور الانتظار، لكن عذري هذا يعد من خصوصياتي كسيدة، للأسف في هذه الحرب انعدمت المساحات بين الأشخاص".

قبل الحرب كانت فاطمة تعيش في شرق مدينة غزة، واليوم تعد هذه المنطقة ساحة قتال خطرة، اضطرت السيدة إلى النزوح منها والعيش في مخيم إيواء يسكنه نحو 250 فرداً، جميعهم يتشاركون حماماً واحداً يظل مشغولاً طوال اليوم.

تضيف فاطمة "هذه ليست حياة بشرية، لا يوجد شيء، نعيش في خيام من دون ماء ولا طعام، والأصعب من ذلك لا مراحيض، ولدخول الحمام يجب عليَّ الاستيقاظ باكراً جداً والوقوف في طابور مختلط، ودخول حمام متسخ يعد بيئة خصبة لانتشار الأوبئة".

من أصعب القضايا الإنسانية

حمام واحد صغير المساحة يخدم جميع أفراد المخيم، تؤكد فاطمة أنها تستخدمه للاستحمام ولقضاء الحاجة ولغسل الملابس، تتذمر السيدة من هذا الموضوع وتبدو نفسيتها صعبة جداً.

وتعد مشكلة نقص الحمامات في غزة من أصعب القضايا الإنسانية التي يعيشها السكان، وهي مشكلة متعددة الطبقات، لا تقتصر على استخدام النازحين حماماً واحداً، وإنما يتبعها اتساخ المرحاض وانعدام توفر المياه وعدم وجود خصوصية بين الجنسين.

حاملاً زجاجة فارغة خرج يوسف من الحمام بحثاً عن طريقة لملئها بالماء، وطلب من الأشخاص في طابور الانتظار عدم دخول المرحاض لأنه متسخ بعده ويرغب في تنظيفه، لكن هذه عملية تحتاج إلى وقت طويل.

بعيد من الخيام

لم ينتظر أحد تنظيف الحمام ودخلوا تباعاً، بينما كان يوسف يبحث عن أقرب مصدر للماء لتعبئة الزجاجة، يقول "ربما أتقبل مشكلة وجود مرحاضين اثنين في مخيمنا، لكن ما لا أستطيع تقبله هو عدم نظافة دورات المياه". ويضيف "لا وجود لخزان ماء في الحمام، ويبقى متسخاً على مدار الوقت، الصعوبة تكمن في أن غزة تعاني أزمة ماء صعبة". ويلفت يوسف إلى أنه في حال توفر الماء فإن أدوات ومستلزمات النظافة معدومة وتعرقل عملية تنظيف المراحيض.

ويشكو يوسف الذي يعيش في مخيم كبير نسبياً يضم نحو 350 فرداً من بُعد المراحيض القليلة عن الخيام، ويضطر إلى قطع مسافة 250 متراً ليصل إلى الحمام، وهذا يسبب له الرعب في أوقات الليل التي يشتد بها القصف.

برزت أزمة الحمامات في غزة عندما طلب الجيش الإسرائيلي من سكان القطاع مغادرة منازلهم وحشرهم في مراكز إيواء (مدارس أو مخيمات أو مرافق عامة)، وفي هذه المناطق لا تتوفر بنية تحتية ولا شبكة صرف صحي ولا حمامات.

مراحيض بدائية

مع تزايد أعداد النازحين واتساع مناطق الإخلاء تصبح مرافق الإيواء المتوافرة غير قادرة على استيعاب الأعداد، وهذا يسبب ضغطاً على المراحيض، مما تنتج منه كوارث صحية ونفسية، بخاصة لدى النساء.

وتقام غالب المخيمات على أراضٍ زراعية لا تتوفر فيها الخدمات الضرورية، ولذلك يقيم النازحون حمامات بدائية من صنعهم، لكنها غير صحية وغير مناسبة.

في زاوية قريبة من خيمته بدأ زيد في تجهيز حمام جديد لأسرته، ركَّب المرحاض، ثم حفر في الأرض حفرة، يقول "جاءنا سكان المخيم لاستخدام الحمام ولم نمنعهم، المراحيض العامة من التحديات الصعبة التي يواجهها النازحون".

النظافة مشكلة إضافية

يضيف زيد "بفعل حشر الأعداد الهائلة للنازحين في بقع جغرافية محددة برزت أزمة المراحيض العامة، وتزامنت مع أزمات أخرى تمثلت في النقص الشديد لمياه الاستخدام اليومي، والتي من شأنها تنظيف تلك المراحيض الجماعية كثيرة الاستخدام، وقطع إمدادات المياه والكهرباء لتشغيل المضخات التي توصل المياه، ثم عدم توفر أدوات النظافة".

يضطر زيد وجيرانه الذين يستخدمون الحمام معه إلى التناوب على تنظيفه. ويقول "نقوم بتغطية الفضلات بالرمل لإخفاء الروائح الكريهة والحد من انتشار الحشرات قدر المستطاع، ونواجه تحديات كبيرة نتيجة شح المياه والغلاء الشديد في أسعار مواد التنظيف".

تقول صابرين، وهي أم لثلاثة أطفال، "الحمامات رديئة للغاية لأنها مجهزة بأدوات بدائية، فضلاً عن أنها صغيرة المساحة، بالتالي لا تلبي الحاجة، كما أن الصغار لا يصبرون على الوقوف في طوابير". وتضيف "لا يمكن للحمامات العامة تلبية حاجات مختلف الفئات العمرية كما لا تُراعي خصوصية النساء، هذه أوضاع كارثية وغير آدمية، في غزة نفتقر إلى حمام مجهز بما يلزم، مما جعل استخدام المراحيض أمراً مرهقاً نفسياً وجسدياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أثر نفسي وصحي

يترك موضوع الحمامات العامة أثراً نفسياً واجتماعياً صعباً على نفوس الغزيين، إذ يشعر النازحون دائماً بانتهاك كرامتهم الإنسانية، بينما تتعمق مشاعر الغضب والحزن لحظة التعرض لمواقف محرجة.

يقول الطبيب المتخصص في الأمراض الجلدية أنس الديك "العامل الأشد خطورة في قضية الازدحام يرتبط باضطرار النازحين إلى تشارك المراحيض في مخيمات اللجوء، وهذا يسبب انتشار عديد من الأمراض مثل الإسهال وأمراض الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية". ويضيف "تسهم الظروف غير الصحية في تفشي الأمراض الجلدية والهضمية، وتهدد بانتشار الأوبئة، خصوصاً في ظل نقص الأدوية والرعاية الطبية. تعاملت مع نساء يشعرن الحرج والقلق المستمر بسبب غياب الحمامات المناسبة والآمنة وانتشار الحمامات المصنوعة من الأخشاب والبلاستيك، مما دفعهن إلى تقليل شرب المياه أو تجنب استخدام الحمامات لساعات طويلة، وهذا قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطرة مثل التهابات المسالك البولية".

subtitle: 
طوابير طويلة لمئات النازحين أمام حمام واحد ضيق لمختلف الاستخدامات
publication date: 
الأحد, مايو 11, 2025 - 15:00
Read Entire Article