"ديو" قصصي في "حقائب فارغة"

3 weeks ago 5
ARTICLE AD BOX

لم تكتفِ آمال مخول بسرد رواية، بل اخترقت السرد بوصفٍ فائضٍ لمشاعر أبطال روايتها "حقائب فارغة". وعلى الرغم من ذلك الفائض، لم يأتِ وصف المشاعر على حساب القصّ، بل جعلت التناغم بينهما في خدمة الرواية، وجعلت النصوص بحدّ ذاتها تنصاع لعاملين: السرد القصصيّ، والمشاعر الموصوفة بطريقة لا تسيء إلى الرواية بل تجمّلها.

رواية "حقائب فارغة" جسد احتوى على فنون كتابيّة قابلة للتزاوج، وأنواع أدبيّة قابلة للتداخل. وإذا ما حاولنا تشريح هذا الجسد، فإن بإمكاننا القول إنّه نصٌ روائيّ أدبيّ ألبسته الكاتبة المشاعر، ولم تنزع عنه هذه الغلالة حتّى النهاية، وكأنّ موت بطل الرواية كان حدثاً غير منتظر.

هذا السّرد قدّم روائيّة كتبت روايتها الأولى، وقد بدت اشتغالاتها الأدبيّة والفنيّة، حيث أدوار الشخصيّات والحبكة والأحداث عناصر حاضرة لخدمة الرواية. فالنصوص المتداخلة أحالتنا على الفضاء الزماني، الذي امتلأ بالأحداث الخارجة عن موضوع الرواية خلال بعد الفصول، على الرغم من إعطاء مخول هذه النصوص المتداخلة سرداً أضاءت منه  للقارئ على ما يستحق الإضاءة. إذن يمكن للمتصفّح الاتكاء على هذه النصوص لفهم القادم ومادته؛ فالفصل الثلاثون من الرواية خير شاهد على تداخل النصوص، فهو يحكي قصّة صديقة بطلة الرواية. فلو أرادت آمال مخول أن تكتب رواية ثانية، لكان بإمكانها أن تضع هذه القصة أساساً لروايتها. وهنا ظهر "الديو" القصصي واضحاً.

وكان هناك "ديو" من نوع آخر في داخل صفحات الكتاب، حيث أغلب الفصول أتت على لسان بطلَي القصّة: جنان وخالد. فتتابع فصول الرواية، وكلّ فصل على لسان أحد منهما، جعلنا أمام مسرح خياليّ سرديّ؛ فكلّ بطل وصف مشاعره وسرد واقعه كأنّه يؤدّي وصلة غنائية، لا يكتمل معناها ومغناها إلّا بمشاعر الآخر. لكن هذه الأحداث والمشاعر مكتوبة بصوت الروائيّة العليمة، وقد احتاجت إلى صوت الروائيّين البطلين من أجل جمال الرواية.

إذا كانت الروائيّة قد طرحت مسألة التشتّت الذي حصل للشخوص في روايتها بين المشاعر والتقاليد، وقد ظهر هذا الأمر جليّاً في فصول الرواية، فإنّها في المضمر طرحت التمثّلات القائمة عن الحبّ، في محاولة للوصول بالقارئ إلى حالة نهائيّة قائمة على الانصهار بين جميع العوامل الروحيّة والواقعيّة. فالعبور إلى الحالة العشقيّة كان عبر جملة من الإجراءات الإبداعيّة: "لم يعد بإمكاني أن أغضَّ النظر عن فارق العمر بيننا، أو عن اختلاف الدّين الذي من الممكن أن أخسر عائلتي بسببه. تساءلت كثيراً كيف أستطيع مواجهة أهلي وإقناعهم بالارتباط بخالد، فعدا عن كونه يصلح أن يكون لي ابناً وليس وزوجاً، هناك الاختلاف الدينيّ الذي هو من المحرّمات". (صفحة 81).

إنّ الحبّ هو أكثر موضوع تناوله الحكماء، والفلاسفة، والفنّانون على اختلاف مشاربهم وألوانهم، لكن عند آمال مخول كان هناك تعريف مميّز للحب: "لقد أدركت الآن فقط ما هو الحبّ، هو تلك اللحظات الفاصلة بين زمنَين، وجودك وعدمه، هو تلك اللحظات الفاصلة بين النقص والامتلاء". (صفحة 86).

النبض يخفق لمن يستحق الوعد رغم البعد، فهل الانفصال يودِع الفرح في القلب والسلام في الروح؟: "لقد أدركت باكراً أنّ البعد والانفصال جزء لا يتجزأ من الحياة، وأنّه عليَّ التعايش معهما، من دون ألم أو حزن، نجحت أحياناً وأخفقت كثيراً" (صفحة 66). وكان الموت في نهاية القصّة بطلاً من أبطال الرواية، وهو الذي جعل انفصال الأجساد لحمة الأرواح.

هذه الرواية أنموذج لقصّة بدايتها على صفحات التواصل الاجتماعي، ونهايتها صراع بين المشاعر الجيّاشة الصادقة والتقاليد الموروثة. ومن الممكن أن تكون نهايتها بداية قصّة أخرى، فسوداويتها تفتح باباً لروايات عديدة.
Read Entire Article