ARTICLE AD BOX
بين الثاني عشر والسادس عشر من مايو/أيار الجاري، انتظم في مدينة بازل السويسرية معرض فني شارك فيه الفنّان الغزي رائد عيسى إلى جانب عدد من فنّاني قطاع غزّة، تحت عنوان "الفنّ في غزّة: كي نقوى على التنفُّس"، بتنظيم من تجمّع التضامن مع فلسطين. يأتي المعرض ضمن فعاليات جماعية نظّمتها مجموعة "التقاء" الفنية، وتضمّ فنانين فلسطينيين من غزة، من بينهم: محمد أبو سل، ومحمد الحواجري، وسهيل سالم.
شكّل المعرض محطة جديدة في جولة أوروبية لأعمال عيسى، بدأت من العاصمة النمساوية فيينا منتصف إبريل/نيسان الماضي، حيث عُرضت لوحاته في "غاليري شبيكتاكيل" تحت عنوان "رائد عيسى: الفن تحت النار". وركّز المعرض على الأعمال التي أنجزها الفنان خلال الحرب الأخيرة على غزة، باستخدام مواد بديلة مثل القهوة والكركديه، في ظل شحّ الألوان وندرة الأدوات الفنية نتيجة الحصار. وإلى جانب العرض الفني، احتضن معرض فيينا ورشة عمل بإشراف الفنانة الفلسطينية عالية سلامة، شارك فيها الزوّار بمحاكاة أسلوب الرسم بهذه المواد البديلة، في تجربة فنية تفاعلية تعكس واقع الفن في زمن الحصار والدمار.
من بين أكثر ما يميز تجربة عيسى الفنية في السنوات الأخيرة، هو تحوّل مرسمه من مساحة تقليدية إلى خيمة في قلب المدينة المنكوبة. يواصل الفنان نشر لوحاته الجديدة عبر صفحته على فيسبوك، مصحوبة بتعليقات تشير إلى المواد التي استُخدمت في إنتاجها: "فحم وشاي على ورق"، أو "كركديه على نشرة طبية". فحتى الورق، لم يعد متاحاً دائماً، مما دفعه لاستخدام الجرائد وأغلفة الأدوية مساحاتٍ للرسم. هذا الإصرار على الإبداع رغم الفقد والدمار، جعل من تجربة عيسى شهادة بصرية على ما يعنيه أن يكون الفنان شاهداً وناجياً في آنٍ معاً، يُبدع من هشيم الحرب، ويحوّل أدوات الحياة اليومية إلى عناصر تعبير فني.
تجارب تفاعلية تعكس واقع الفن الغزّي في زمن الحصار والإبادة
لوحات رائد عيسى لا تقدّم مشهداً واضحاً أو حدثاً بعينه، لكنها ترسم الألم كما يُختزن في الذاكرة الجمعية، وتحاكي الواقع الغزي بمجازات بصرية مكثفة. "لا يمكن رؤية المشهد الحقيقي، ولا يمكن إخفاؤه أيضاً"، هكذا يصف الفنان رؤيته، إذ تتكرّر في أعماله صور أجساد منهكة، ووجوه معصوبة الأعين، وصحافيين في مواجهة مباشرة مع آلة القتل. الصور ليست توثيقاً، بل صدى لما لا يمكن توثيقه: مشاهد معلّقة بين الرمز والواقع، بين الظل والحقيقة، تُعبّر عن الرعب الذي يتسلل إلى لاوعي الفنان، وتُجسَّد بخامات هي ذاتها جزء من البيئة التي نشأت فيها.
في حديث لـ"العربي الجديد"، يقول رائد عيسى بأنه، وبعد خروجه من قطاع غزة مؤخّراً، بدأ التواصل مع عدد من المتاحف والمؤسسات الثقافية في أوروبا وخارجها، لعرض أعماله ومناقشتها. ويعمل حالياً على تنظيم معارض جديدة بالتعاون مع جهات متضامنة مع القضية الفلسطينية. بهذا الحضور المتنقّل بين المدن الأوروبية، يُواصل الفنان رائد عيسى حمل رسالة الفن الفلسطيني، ليس بوصفه ترفاً جمالياً، بل فعل مقاومة وصمود، ولغة للبقاء وسط ركام الخراب.
