زاهر الغافري في كتاب الحياة

5 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

"أزهار من بئر زاهر الغافري"، حوار طويل أجراه الكاتب اللبناني إسكندر حبش مع الشاعر العُماني زاهر الغافري، وصدر عن منشورات مجلّة نزوى (يناير/ كانون الثاني 2025)، يشبه سيرة ذاتية وفكرية للشاعر الراحل، الذي عرفتْ حياتُه التنقّل منذ الطفولة، إذ نشأ في جزيرة زنجبار شرقي أفريقيا، وكان حينها عُمانيون كثيرون يقيمون هناك، ويمتلكون أطياناً ومزارع هناك. والد زاهر الغافري مثلاً، الشايب محمّد، قبل أن يعود إلى قرية سرور في عُمان، ويغادر الحياة هناك عن أزيد من 90 عاماً، عاش في زنجبار وتزوّج، وكان، كما يذكر زاهر في هذا الكتاب، "إقطاعياً كبيراً"، أو "شيخاً بالمعنى العُماني"، ولديه حتى جواز سفر إنكليزي. وبعد الأحداث الدامية هناك، في بدايات الستينيّات، رجع الأب مع أسرته للاستقرار في قرية سرور، وهي القرية التي أوصى زاهر الغافري أن يُدفن فيها بعد رحيله في مدينة مالمو بالسويد.
نلحظ من أجوبة زاهر أنه في كلّ مرّة ينتقّل فيها إلى بلد جديد يكون مكان الانطلاق هو عُمان، فهو انطلق من هناك صغيراً إلى دبي، حيث أخوه الأكبر الذي وجد له بعثة إلى العراق، فمكث قرابة عشر سنوات في بغداد، وقد سرَد لنا طبيعة تلك المرحلة والحياة الثقافية العراقية الزاخرة في فترة الستينيّات، وجزء من السبعينيّات، ثمّ عاد إلى عُمان، وبسبب دعوة من صديق له يقيم في نيويورك ذهب إلى هناك، وكانت في جيبه مائتي دولار، وأقام في أميركا عشر سنوات عمل فيها مدرّساً للعربية، وأيضاً في مهن يدوية، كي يستطيع أن يتدبّر أمر معيشته. بعد عودته إلى مسقط، انطلق أيضاً للعيش في السويد بسبب الزواج من المسرحية والممثّلة العراقية، أثمار عبّاس، والدة ابنته إرم. قبل ذلك، انطلق من عُمان ليذهب، في نهاية السبعينيّات وبداية الثمانينيّات إلى المغرب ويدرس الفلسفة، وهناك اقترن بالإعلامية المغربية فاطمة الوكيلي (رحمها الله)، وكان له منها ابنته يارا.
يتضمّن الحوار أيضاً آراء لمّاحة لزاهر، وخاصّة في شؤون الأدب، ما يدّلل على سعة اطلاعه. اعتبر مثلاً أن الشاعر العراقي سركون بولص شاعرَ الوصول، انطلاقاً من عنوان ديوانه "الوصول إلى مدينة أين"، إذ لا قصيدة بهذا العنوان في الديوان، ما يدلّ على شمولية الفكرة في حياته. كما أن القصيدة المسمّاة "الصديق"، في الديوان، لا يقصد منها الشاعر إلا نفسه، فلم تُهدَ إلى أي صديق. اعتبر زاهر أيضاً أن العرب لا يمكن أن ينقرضوا، وقد قال هذا أدونيس، ولكنّهم يمرّون بكبوة كبيرة، ربّما يحتاج أمر نهوضهم إلى وقت طويل لاستعادة مكانتهم ووجودهم.
تميّز هذا الحوار الطويل أيضاً بالتنقّلات الموفّقة التي كان يجريها إسكندر حبش، وهو يعيده في كلّ مرّة إلى طفولته بعد كلّ سؤال ثقافي أو وجداني، لنعرف أنّ زاهر عمل في زنجبار مساعداً لوالده في جمع البنّ والقرنفل في الجزيرة الأفريقية الخضراء. وأنه درس في مدرسة إنكليزية هناك، ولكنّه لم يكمل تعليمه فيها. ربّما الأب الصارم، بعد أن يئس من تكاسل ابنه في الدراسة، أراد أن يدمجه في مهنة تقوّي عوده، فطلب منه الاهتمام بالبنّ والقرنفل، فاشترى له نتيجة ذلك درّاجة هوائية بثلاث عجلات.
وعن السؤال المتعلّق ببداياته القرائية للأدب الحديث، يجيب زاهر أنه في صباه، حين كان يتنّزه في سوق مطرح الشعبي في مسقط، وجد مجلّدات من مجلة شعر، البيروتية، في مكتبة شعبية بمطرح، فاقتناها كاملة، ما ساهم في بلورة موهبته الشعرية وتطويرها، بعد أن كانت تجري في مناخ تقليدي تراثي. جديرٌ بالذكر أيضاً المجهود الذي بذله القاص العُماني، الخطّاب المزروعي، في الدعوة إلى طبع هذا الحوار في كتاب. صديقٌ آخر لزاهر، وهو كاتب الرحلات اللطيف، جمال النوفلي، كان وراء إقامة ندوة في مقرّ جمعية الكتاب في مسقط، حضرتها عائلة زاهر.
ولأنّ الصورة تساوي ألف كلمة كما يقال، لم يخلُ الكتاب من صور عديدة لزاهر تعكس مراحل عمرية مختلفة، كما تعكس فضاءات جغرافية عاشها الشاعر، المنذور للرحيل والتشردّ والحنين منذ ولادته.

Read Entire Article