سوراب بيد جيش تحرير بلوشستان: جذور داخلية وخارجية للأزمة

1 day ago 2
ARTICLE AD BOX

بينما كانت باكستان مشغولة بالتحسن المفاجئ في العلاقات مع أفغانستان بوساطة صينية، ومع تصاعد الآمال بأن تبدي حركة طالبان الأفغانية استعداداً للتعاون مع إسلام أباد بشأن طالبان الباكستانية، فوجئت البلاد بسيطرة جيش تحرير بلوشستان على مدينة سوراب الاستراتيجية، التابعة لمديرية قلات في إقليم بلوشستان، نتيجة هجوم مباغت تضمن تدمير كل المكاتب الرسمية والعسكرية، إضافة إلى قطع طرق المواصلات بين إقليمي بلوشستان والسند. وللمدينة أهمية استراتيجية مزدوجة، من حيث موقعها الرابط بين إقليمي السند وبلوشستان، فضلاً عن كونها مركزاً حيوياً للمشاريع الصينية في البلاد. كما تعد من أبرز نقاط تمركز الممر التجاري الصيني–الباكستاني، ما يجعل أي تدهور أمني فيه وعجز الحكومة الباكستانية على حماية المشاريع مصدر قلق لبكين.

وأكدت الحكومة المحلية في إقليم بلوشستان، في بيانات متتالية، أن قوات الأمن، بما فيها الجيش والقوات شبه العسكرية، "تعمل على تطهير المدينة من وجود المسلحين، وقد قتلت عدداً منهم"، مع الحديث عن وقوع دمار كبير داخل المدينة. كما أوضحت الحكومة المحلية أن المسلحين "نهبوا جميع المصارف ودمروا معظم المباني الرسمية والعسكرية فيها"، متهمة الهند بدعم جيش تحرير بلوشستان والانفصاليين البلوش، وواضعة الهجوم في سياق سعي نيودلهي للانتقام "مما تكبدته من هزيمة بيد سلاح الجو الباكستاني". وجاء في البيان أن "الهند بعد هزيمتها الأخيرة (في الاشتباكات مع باكستان بين السابع والعاشر من مايو الماضي) تنتقم من خلال عملائها مثل جيش تحرير بلوشستان لكن قواتنا، بالتعاون مع أبناء الشعب، لها بالمرصاد".


نجيب الله سرور: مدينة سوراب من أهم النقاط التي يتمركز فيها الممر التجاري الصيني الباكستاني

هجوم جيش تحرير بلوشستان

ولم تتحدث الجهات الرسمية حتى الآن عن حجم الخسائر في الأرواح نتيجة هجوم جيش تحرير بلوشستان باستثناء إعلان مقتل نائب العمدة هدايت الله بليدي، لكن تصريحات المسؤولين والتحركات الرسمية تشير إلى خطورة الوضع. في السياق، أعلن مكتب رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف عن توجهه إلى إقليم بلوشستان للمكوث يومين، على أن يلتقي  المسؤولين الأمنيين والسياسيين في الحكومة المحلية، علاوة على المشاركة في الاجتماع القبلي، بهدف مناقشة الوضع الأمني العام في الإقليم. كما ذكر بيان مكتب رئيس الوزراء أن قائد الجيش المشير عاصم منير سيرافق رئيس الوزراء وسيشارك في الاجتماعات، علماً أن منير كان يزور كويتا، التي تبعد 214 كيلومتراً عن سوراب، في وقت الهجوم. ولم يشر البيان إلى سيطرة جيش تحرير بلوشستان على مدينة سوراب، لكنه في وقت سابق وفي بيان آخر أعرب شريف عن "حزنه العميق" لمقتل نائب العمدة هدايت الله بليدي.

في الأثناء، كشفت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن مدينة سوراب تعرضت إلى دمار واسع على أيدي المسلحين، وأن الاشتباكات العنيفة مستمرة بين جيش تحرير بلوشستان والقوات الأمنية، مع مواصلة سيطرة المسلحين على المقار والمباني المهمة في المدينة، بعد إحراق كل ما بداخلها، علاوة على إحراق سيارات رسمية ومدرعات للشرطة والأمن وتدميرها، ونهب جميع المصارف. وأوضح الإعلامي الباكستاني سيد رحمت الله أدو زي، وهو من إقليم بلوشستان، لـ"العربي الجديد"، أن الوضع في بلوشستان خطير، وأن الهجوم على مدينة سوراب يشير إلى مدى تعقيد هذه القضية، وأن عدد القتلى كبير جداً، وإن لم يكن هناك رقم معلن ودقيق. وأوضح أنه تم إعدام نائب العمدة من قبل المسلحين بعد أن عثروا عليه مصاباً بشكل بليغ. ولفت إلى أن المراكز الأمنية، خصوصاً التابعة للشرطة كان بداخلها عناصر الشرطة والأمن عندما سيطر عليها المسلحون، ولذلك يوجد مخاوف من تعرض العناصر للقتل أو الأسر ونقلهم إلى مناطق جبلية وخارجة عن سيطرة الحكومة.

وأشار أدو زي إلى أن الحكومة تسعى للتعتيم على الخسائر، وتروّج بأن الهند تقف وراء هجوم جيش تحرير بلوشستان من خلال تقديم الدعم لهم. ورأى أن أكثر من دولة تؤيد البلوش، والهند على رأسها، وهو ما يؤكده "الارتفاع الخطير" في العمليات المسلحة بعد الصراع الأخير بين الهند وباكستان، على حد وصفه. لكنه لفت إلى أن الحكومة نسيت أو تتناسى أن العوامل الداخلية حاضرة. واعتبر أن القبائل البلوشية لا تتعاون أبداً مع الحكومة والجيش، تتعاون مع الانفصاليين البلوش، وذلك بسبب سياسات الحكومة والجيش، وعلى سبيل المثال في مدينة سوراب هناك مئات الأفراد بين المختفين قسرياً بيد الجيش والإستخبارات. وتساءل: في هذه الحالة هل يتعاون سكان المدينة مع الحكومة، وهل سيمتنعون عن التعاون مع الانفصاليين البلوش وهم أبناء تلك القبائل؟

من جهته، قال الزعيم القبلي البلوشي، نجيب الله سرور، لـ"العربي الجديد"، إن مدينة سوراب من أهم النقاط التي يتمركز فيها الممر التجاري الصيني الباكستاني، موضحاً أن المسلحين يختارون الأهداف بدقة، إنهم لا يريدون فقط إلحاق الخسائر بالجيش والمؤسسات الأمنية بل أيضاً الهدف الأساسي هو إفشال المشاريع الحكومية، تحديداً الصينية الباكستانية، وبكين تراقب هذا الوضع. ولفت سرور إلى أن قضية بلوشستان دخلت منعطفاً خطيراً للغاية، مع سيطرة المسلحين على مدن بكاملها، مما يدل على قوة تلك التنظيمات وجهوزيتها. في المقابل، يثير ذلك أسئلة حول أداء الجيش والقوات المسلحة. كما توقف عند غياب التعاون من قبل القبائل، ولو بنسبة ضئيلة جداً، مع الحكومة والجيش. ورأى سرور أن الهند ليست وحدها التي تتدخل وتدعم الانفصاليين البلوش، بل هناك العديد من الدول. ولفت إلى أن إعلان فرع خراسان في تنظيم داعش الأخير، قبل أيام، نيته الانتقام من الانفصاليين البلوش، لأنهم هاجموه وكبدوه خسائر، يشير إلى تداعيات أخرى، منها أن لأفغانستان علاقات قوية مع البلوش، مما دفعها إلى مهاجمة "داعش".


سيد رحمت الله أدو زي: عدد القتلى كبير جداً في سوراب

حقيقة التدخل الهندي

وبرأي سرور، فإن كل تقوله الحكومة الباكستانية بخصوص تدخل الهند صحيح، ولكن إثارة هذا الجانب فقط قد تخدم الحكومة دولياً ودبلوماسياً وسيؤيد موقفها، ولكن هذا الأمر لا ينفعها كثيراً في الداخل، فمجرد وصف الانفصاليين البلوش بـ"فتنة الهندوستان" وطالبان الباكستانية بـ"فتنة الخوارج" لا تنفع، فهذه المصطلحات بمثابة محاولة لتغيير الرأي العام الداخلي، وهو ما لن يحصل في بلوشستان. وذكر أنّ مدينة سوراب التي سيطر عليها جيش تحرير بلوشستان مدينة استراتيجية مهمة، فهي تربط بين السند وبلوشستان، كما أنها محاطة بالجبال وتقطنها القبائل البلوشية. جاءت سيطرة جيش تحرير بلوشستان على مدينة سوراب بعد يومين من توعد تنظيم داعش فرع خراسان بالانتقام من الانفصاليين البلوش، تحديداً جيش تحرير بلوشستان، متهماً إياه بالخيانة، ما جعل مراقبين يرون أنه كان في الماضي هناك تعاون بين داعش والانفصاليين البلوش.

في السياق، قال الأكاديمي الأفغاني محمد ثابت غني لـ"العربي الجديد"، إن داعش كان ينشط في بلوشستان بدعم مؤسسات باكستانية. وذكّر بأن المتحدث باسم حكومة طالبان أفغانستان ذبيح الله مجاهد أكد ذلك مراراً، معلناً أن هناك مراكز تدريب لداعش في مدينة مستونك في بلوشستان، ومنها يأتي العناصر لتنفيذ هجمات في الداخل الأفغاني، ولكن الحكومة الباكستانية كانت ترفض هذه الاتهامات. ولفت إلى أنه الآن عندما يأتي داعش ويتوعد بالانتقام من الانفصاليين البلوش ويتهمهم بالخيانة، فهذا يشير إلى أمرين: وجود داعش في الإقليم، وهذا لا يمكن أن يحدق من دون دعم قوي؛ لأن معظم أبناء داعش ليسوا من البلوش، بل إما من قبائل البشتون أو من أقاليم باكستانية أخرى وبعض الأفغان، كما يشير إلى وجود تنسيق سابق بين داعش والبلوش، وهذا ما أكدته الحكومة المحلية في بلوشستان سابقاً، علاوة على وجود تنسيق بين طالبان الباكستانية وبين البلوش أيضاً ما يشير إلى مدى تعقيد قضية بلوشستان. وبرأي غني، فإن إقليم بلوشستان قد يشهد صراعاً بين داعش والبلوش، ولا يستبعد أن تستخدم باكستان التنظيم مقابل جيش تحرير بلوشستان مما سيكشف عن جانب خطير جداً لهذا الصراع، سيدفع ثمنه أولاً سكان بلوشستان، وثانياً المشاريع الصينية الباكستانية. وشدّد على أن الصين قد تفكر ملياً بمشاريعها في باكستان بعد هجوم سوراب وسيطرة المسلحين عليها، فهو ليس تطوراً أمنياً روتينياً بل خطر كبير مرتقب.

 

Read Entire Article