ARTICLE AD BOX
ساهم إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن رفع العقوبات عن سورية، خلال جولته أخيراً في المنطقة، في إشاعة حالة من الفرح العارم عند غالبية السوريين، وذلك بعد عقود من الحرب والمعاناة على كل الصعد، لا سيّما المعيشية.
جاء هذا الإعلان، وكما يعلم الجميع، بعد مرحلة مفصلية في تاريخ سورية، الأمر الذي أعاد تشكيل الخريطة السياسية الداخلية وأحدث ارتدادات إقليمية ودولية واسعة النطاق. وبعد الإعلان الأميركي عن رفع العقوبات، يبدو أن تغييراً هائلاً في موقع سورية على خارطة التحالفات والعلاقات الدولية سيحصل.
نقول ذلك؛ لأنه لا يخفى على أحد أن النفوذ الروسي شكَّل عبر عقود إحدى ركائز السياسة الخارجية لموسكو منذ الحقبة السوفييتية، بنفس الوقت الذي ساهم في تشكيل موقع وهوية سياسية لسورية والسوريين، سورية مع حزب البعث كانت إحدى ركائز المحور الشرقي، والسوريون ونخبهم وأحزابهم ومنذ أواسط الخمسينيات مالوا يساراً، تطرّف بعضهم بعيداً في ذلك، لدرجة كادت فيه أن تصبح كلمة "الغرب" معادلة للشتيمة والاتهام بالخيانة. وتعزّز هذا الحضور لاحقاً خلال الثورة والحرب، إذ لعبت روسيا دوراً حاسماً في دعم نظام بشار الأسد عسكرياً وسياسياً. ولا يمثل خروج سورية اليوم من دائرة النفوذ الروسي تحولاً في خريطة الشرق الأوسط فحسب، بل يعكس أيضاً بدايةَ تصدّع التحالفات التقليدية، وتحولاً في الهوية السياسية وفي تطلعات السوريين وطموحاتهم. واليوم حيث الإدارة الجديدة التي تسعى إلى بناء دولة وطنية مستقلة ومتصالحة مع محيطها، تبدو أكثر ميلاً نحو الانفتاح على الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، التي تملك أدوات سياسية واقتصادية تمنحها قدرة أكبر على دعم إعادة الإعمار والاندماج الدولي.
بالطبع، تلعب رؤية الرئيس الأميركي دوراً في ذلك، رؤيته القائمة على الصفقات، إضافة إلى المنافسة أو الحرب الاقتصادية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، التي تعيد تعريف أولويات واشنطن في العالم. وسورية اليوم، بموقعها بين العراق وتركيا والأردن ولبنان وإسرائيل، وبإطلالتها على البحر المتوسط، ربما تكون من المواقع الهامة في المنطقة في إطار ذلك التنافس، فهي تشكّل بوابة برّية إلى أوروبا وآسيا، ومفتاحاً مهمّاً لأي مشروع اقتصادي وسياسي كبير في الشرق الأوسط.
قبل ذلك، يجب أن نتذكر أن الاستدارة نحو أميركا والغرب عموماً سيكون عملية تحول تاريخيّة. نقصد أن تكون سورية الجديدة ضمن الفضاء الغربي سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
في الوقت نفسه، وبصراحة أكثر، الانفتاح على العالم، خاصّة على الغرب، يجب ألّا يعني هنا الخضوع أو التبعية، بل الانخراط الواعي في القيم والممارسات التي تساهم في بناء دول حديثة مستقرة تحترم الإنسان وتوفر لمواطنيها فرص الحياة الكريمة.
القيم الغربية مثل؛ سيادة القانون، والفصل بين السلطات، واحترام الحريات الفردية، وحقوق الإنسان، يمكن أن تشكل أساساً صلباً لأي مشروع وطني جديد. فهذه القيم لا تعني التفريط بالهوية أو الخصوصية الثقافية، بل تتيح إعادة صياغة العقد الاجتماعي بطريقة تضمن المشاركة السياسية، والمساءلة، والعدالة الاجتماعية.
يجب ألّا يعني الانفتاح على الغرب إغلاق الأبواب أمام الشرق أو الجوار الإقليمي، بل يعني امتلاك القدرة على التوازن، وبناء علاقات خارجية متعددة تراعي المصالح الوطنية. في هذا السياق، يمكن لسورية الجديدة أن تتحول إلى دولة محورية، لا تابعة، تلعب دوراً في تعزيز الاستقرار. إضافة إلى أن الانفتاح اليوم على العالم الغربي ضرورة استراتيجية وثقافية، تُمكّنها من عبور المرحلة الانتقالية بثقة، وتمنح شعبها ما يستحقه من كرامة وحرية وفرص.
