سورية... توازن العلاقات الدولية

6 days ago 3
ARTICLE AD BOX

لم تعلن الإدارة الأميركية بشكل حاسم عن نيّة الرئيس ترامب رفع العقوبات عن سورية حتى اختار الرجل طريقة درامية لإعلان القرار، عندما كان يلقي خطاباً في الرياض أمام ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وفي حضور كثيرين. ولم يكتف ترامب بالإعلان، بل أزال كل ما كان يثير الجدل بشأن شخصية الرئيس السوري أحمد الشرع عندما قابله في اجتماع جمعهما مع ولي العهد، وانضم إليهم عبر الهاتف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وهناك في تلك القاعة، ذاب كثير من الجليد الذي تراكم بين سورية وأميركا طوال عقود ترجع إلى ما قبل زمن الوحدة مع مصر. وفي الاجتماع بالذات، كانت إشارة البدء قد انطلقت نحو شكل آخر من التحالفات التي ستغيّر اللون السياسي للإقليم. كان الشرع قد صرح بوضوح بأن لا مكان لوجود إيراني من أي نوع في سورية، وهو هدف منشود لدى الولايات المتحدة، وإسرائيل بشكل خاص، ومن ثم قد يصبح الوضع مهيأ للتحدّث بشأن الوجود الروسي في سورية، حيث لا تزال قاعدتان عسكريتان روسيتان في الساحل... لم تُخفِ حكومة الشرع نيات إرساء السلام، وخصوصاً في ظل عدم امتلاكها جيشاً متماسكاً بعد، وقد لا يتجاوز الدور الإسرائيلي في الجنوب تأمين نفسه مع إمكانية مراقبة محيطه لرصد حالات تسلّل ممكنة، أما الدور المنتظر أن يكون قوياً ومؤثّراً فهو الدور التركي.

ما تحتاجه سورية بالفعل التعاون مع تركيا، نظراً إلى ما يحمله الأتراك من إرث تنموي طويل وبشكل خاص خلال الفترة الأردوغانية التي حققت خطواتٍ اقتصادية وسياسية مهمّة. ونظراً إلى التاريخ المشترك الطويل الذي عاشه البلدان، وتداخلت فيه الجغرافيا بالسكان. وإذا أعيد بناء المؤسسات السورية على أسس جديدة بإشراف تركي، وخاصة المؤسّسات العسكرية والأمنية وبعض هياكل الاقتصاد، يمكن أن يعتبر ذلك مكسباً سورياً حقيقياً، بالإضافة إلى الدعم التركي الجاد للثورة السورية خلال كل مراحلها، فقد استضافت المدن التركية اللاجئين السوريين، واحتضنت أكبر عدد منهم، كما كان لتركيا الدور الأكبر في تنظم المجموعات المسلحة في سورية وإبعادها التدريجي عن الفكر الجهادي، لتُظهره بالشكل الوطني المطلوب. وكانت خلف الهجوم الكبير الذي أطاح بشّار الأسد وأوصل الثورة إلى قصر الشعب، وهذه رحلة تؤهّل تركيا لتكون لاعباً أساسياً في الداخل السوري، ليس على طريقة إيران التي هيمنت على القرار السوري ودمجت سورية في خطها القتالي، إلى جانب حزب الله وبعض الجماعات العراقية، بل في تحالف واضح المعالم يحترم سيادة الدول... رغم ذلك، تبدو الموازنة مطلوبة بين مصالح دول الإقليم وخاصة في المراحل الأولى لتشكيل الدولة، ومن الجيد أن يكون للعرب دورٌ مهمٌّ أيضاً، وخصوصاً دول الخليج الثلاث التي رعت، أو رحبت، بسورية الوليدة، وسعت في إزالة العقوبات عنها، وهي تحاول حالياً تنظيم نفسها للدخول في سوق الاستثمارات السوري الذي سيدفع سورية إلى الأمام، ويمكن ضبط موازنة تحالفات تركية عربية بواسطة حكومة رشيدة.

لوحظ بوضوح غياب رئيسي لمصر عن المشهد، ولا يُعتقد أن الشرع سيتجاوز دوراً مصرياً يمكن أن يكون مهماً لإبقاء سورية منفتحة على الجميع، لا تعلن عن نفسها ضمن تكتل بعينه.. حتى العراق المربوط إلى إيران بحبل قوي يجب أن تدار العلاقة معه بحكمة إضافية، وها إن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني شارك في القمة العربية في بغداد. كان العراق أحد مصادر المجموعات المقاتلة التي أطالت زمن الحرب السورية، وما زالت موجودة قرب الحدود، ومحتقنة، وهذا أحد التحديات التي يجب وضعها في الاعتبار، كما يجب تجاوز علاقة الشرع السابقة مع العراق كما جرى تجاوزها مع الولايات المتحدة، وذلك لاستمرار التواصل ومراقبة الوضع الأمني على الأقل. وفي النهاية، يمكن لعلاقات سورية متوازنة مع الإقليم ودول العالم أن تعبّد أمام هذا البلد طريقاً مشرقاً بعيداً عن إرث الماضي كله.

Read Entire Article