سورية: غضب لإطلاق سراح متهمين من نظام الأسد

1 day ago 3
ARTICLE AD BOX

كثُرت مطالبات الشارع في سورية في الآونة الأخيرة بتبيان الأسس والمعايير التي تتبعها الإدارة الحالية في التعاطي مع ملف يُعد من أكثر الملفات حساسية لدى عموم السوريين، وهو ملف المتهمين بارتكاب جرائم ومجازر أو مشاركين فيها إبان حكم النظام المخلوع. وتداول ناشطون سوريون أنباء عن إطلاق سراح متهمين، خصوصاً من "الشبيحة"، من السجون بوساطة من "لجنة السلم الأهلي"، منهم المدعو فادي صقر الذي كان قائد ما كان يسمى "الدفاع الوطني"، والذي ارتكب مجازر بحق السوريين على مدى سنوات الحرب، خصوصاً في دمشق وريفها.

وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد شكّل في مارس/ آذار الماضي هذه اللجنة بهدف تعزيز الاستقرار في الساحل السوري وحل الخلافات المجتمعية، وضمت محافظ اللاذقية حسن صوفان، المسؤول عن ملف "أمن السلم المجتمعي" في منطقة الساحل السوري، وأنس عيروط، ابن مدينة بانياس التابعة لمحافظة طرطوس، وخالد الأحمد المستشار السابق غير الرسمي لبشار الأسد والذي أثار تعيينه لغطاً كبيراً في ظل تداول معلومات عن دور قام به ساعد في التعجيل في إسقاط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

تبرير إطلاق مسؤولين من نظام الأسد

وفي مؤتمر صحافي عقده أمس الثلاثاء في دمشق، حاول عضو "لجنة السلم الأهلي" حسن صوفان الدفاع عن القرارات التي قضت بإطلاق سراح متهمين من فلول النظام البائد، مشيراً إلى أن الضباط الذين أُطلق سراحهم "ضباط عاملون منذ عام 2021 وسلّموا أنفسهم طوعاً على الحدود العراقية ومنطقة السخنة (في البادية) ضمن ما يعرف بحالة الاستئمان". وبيّن أن "الموقوفين خضعوا لتحقيقات ولم تثبت ضدهم أي تهم بارتكاب جرائم حرب"، مضيفاً: "بقاؤهم في السجن لا يحقق مصلحة وطنية وليس له مشروعية قانونية"، وقال إن "هذه الإجراءات ليست بديلاً عن العدالة الانتقالية والتي بدأت بالفعل، وهذه مهمة اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية التي شُكّلت بمرسوم رئاسي"، وأضاف: "في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة المقبلة". وبرأيه فإن "العدالة الانتقالية لا تعني محاسبة كل من خدم النظام، والمحاسبة هي لكبار المجرمين الذين نفذوا جرائم وانتهاكات جسيمة".

وتُتهم الإدارة الحالية في سورية بالتمادي في تطبيق مبدأ "المسامحة"، والذي كان سبباً في إفلات الكثير من مجرمي الحرب أو المتهمين بارتكاب تجاوزات جسيمة بحق السوريين من العقاب، بل إن البعض منهم ما يزال يتحرك بكل حرية في البلاد، وأبرزهم فادي صقر الذي ظهر علناً في حي التضامن جنوب دمشق، الذي ارتكبت فيه المليشيات التي كان يقودها جرائم بحق مدنيين عزّل. وما تزال "مجزرة التضامن" التي وقعت عام 2013 ماثلة أمام أعين السوريين.

فضل عبد الغني: ما يجري يؤكد أنه ليس هناك مسار قانوني في التعاطي مع هؤلاء المتهمين

وتعليقاً على إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم من السجون في سورية بوساطة من "لجنة السلم الأهلي"، رأى مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ذلك يؤدي إلى خلق حالة احتقان ويؤجج مشاعر الانتقام والغضب لدى السوريين، خصوصاً لدى ذوي الضحايا". وتابع: "يجب أن تكون الحكومة شفافة وأن توضح للرأي العام أسباب إطلاق سراحهم. هذا موضوع حساس مرتبط بحقوق ضحايا". وأشار إلى أن الأمر "يتعلق بتعذيب وقتل وإخفاء قسري، وعن جرائم واسعة، لذا ليس من حق الحكومة إطلاق متهمين، فالأمر مرده كله للقضاء المستقل"، مضيفاً: "ما يجري خطأ جسيم. النائب العام يُحيل هؤلاء للقضاء والمحكمة هي صاحبة الأمر بإطلاق سراحهم من عدمه". وبرأيه، فإن ما يجري يؤكد أنه "ليس هناك مسار قانوني في التعاطي مع هؤلاء المتهمين"، مضيفاً: "هذه الإجراءات ترسل رسالة خاطئة للمجتمع ودعوة للانتقام الفردي الكفيل بإدخال البلاد دورة عنف".

من جهته، اعتبر المحامي والناشط الحقوقي غزوان قرنفل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم من النظام البائد "مجرد فقرة تهريج في السيرك السوري الكبير"، متسائلاً: "عن أي سلم أهلي نتحدث بينما أثر الدم ما يزال يلطخ أيدي هؤلاء الذين يُفرَج عنهم؟". وتابع: "لو أننا شهدنا محاكمة واحدة فقط... لو أن الناس رأت مسؤولاً عن القتل يقف مذلولاً في قفص محكمة، لربما ساعد هذا الإجراء في تعزيز السلم الأهلي أكثر مما يتم". ودعا قرنفل إلى "عدم التهاون مع حقوق الناس أو مقايضتها بسلم أهلي ترقيعي"، مضيفاً: "العدالة مدخل إلى السلم المجتمعي. حتى اللحظة - كما يبدو - يد العدالة مغلولة ولا يُراد إطلاق يدها".

أسئلة العدالة الانتقالية في سورية

وكان الشرع قد شكّل هيئة للعدالة الانتقالية في سورية "تتولّى كشف الحقائق بشأن انتهاكات النظام السابق، ومحاسبة المسؤولين عنها، وجبر الضرر الواقع على الضحايا"، في منتصف الشهر الماضي. وعُيّن عبد الباسط عبد اللطيف رئيساً للهيئة، وكُلف بتشكيل فريق العمل ووضع نظامها الداخلي خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً، على أن تتمتع الهيئة بـ"الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتمارس مهامها في جميع أنحاء الأراضي السورية". لكن إطلاق سراح متهمين بارتكاب مجازر في الآونة الأخيرة من السجون ربما يخلق حالة من عدم الثقة لدى الشارع السوري في قدرة هذه الهيئة على إطلاق مسار محاسبة يشمل جميع المتهمين في ارتكاب جرائم حرب في البلاد ما بين عامي 2011 و2024. وكان جهاز الأمن في وزارة الداخلية قد اعتقل عدداً من مسؤولي النظام المخلوع من أمنيين وعسكريين، لكن حتى اللحظة لم تتضح الخطوات القانونية المقبلة للتعاطي معهم في سياق مسار العدالة الانتقالية في البلاد. وأعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في ديسمبر الماضي، أنها أعدت قائمة تضم أسماء نحو 16200 شخص من قوات النظام المخلوع وأجهزة الأمن، وقوات رديفة تضم مليشيات، ارتكبوا جرائم بحق السوريين.

سامر ضيعي: لا تملك أي لجنة أهلية أو محلية، بمن فيها لجان السلم الأهلي، صلاحية قانونية أو دستورية لإصدار قرارات بالعفو أو إطلاق سراح متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة

واعتبر المدير التنفيذي لـ"رابطة المحامين السوريين" سامر ضيعي هذا الإجراء (إطلاق سراح متهمين) انتهاكاً خطيراً لمبادئ العدالة الانتقالية ولحقوق الضحايا، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "العدالة الانتقالية، كما هي معرّفة في القانون الدولي وممارسات الأمم المتحدة، تقوم على أربعة أركان مترابطة: الحق في معرفة الحقيقة، والحق في العدالة (والمساءلة)، وجبر الضرر للضحايا، وضمانات عدم التكرار". وتابع: "إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم حرب، من دون تحقيق قضائي نزيه، ومن دون صدور أحكام قضائية نهائية، هو تقويض صريح للركنين الثاني والثالث، بل إنه يوجّه رسالة عكسية للضحايا مفادها: أن دماءهم قابلة للمقايضة، وأن منتهكي حقوقهم يمكن أن يكافؤوا على حسابهم. وبيّن أنه من الناحية القانونية "لا تملك أي لجنة أهلية أو محلية، بمن فيها لجان السلم الأهلي، صلاحية قانونية أو دستورية لإصدار قرارات بالعفو أو إطلاق سراح متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة"، مضيفاً: "هذه صلاحيات حصرية للقضاء، ويجب أن تتم عبر محاكم مستقلة، محايدة، ووفق إجراءات تضمن العدالة للضحايا والمتهمين على السواء". وحول التبعات على العدالة الانتقالية في سورية أشار إلى أن إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم "ضرب لمبدأ سيادة القانون: حين يتم تجاوز القضاء لصالح تسويات سياسية أو مجتمعية"، و"تعميق فقدان الثقة في المؤسسات، خصوصاً من جانب الضحايا وذويهم، وتشجيع الإفلات من العقاب، ما يُهدد بتكرار الجرائم مستقبلاً".

Read Entire Article