صراع مجلس النواب والحكومة الليبية.. لاستمرار الجمود؟

13 hours ago 1
ARTICLE AD BOX

 

في خطوة تعكس إصراراً على اتجاهه في المضي نحو إقصاء حكومة الوحدة الوطنية من المشهد، دعا مجلس النواب الليبي المرشحين، الذين وصل عددهم إلى 13 شخصية، لرئاسة الحكومة الجديدة إلى عرض برامجهم في جلسة مقررة يوم الاثنين المقبل. وتأتي هذه الخطوة وسط تصاعد التوتر بين مجلس النواب وبين حكومة الوحدة الوطنية؛ التي تواجه ضغوطاً منذ منتصف الأسبوع الماضي، بعد تورط قوات تابعة لها في مواجهات دامية، حيث خرج آلاف المواطنين في مظاهرات، مساء الجمعة الماضية، للمطالبة برحليها.

واندلع الخلاف بين مجلس النواب والحكومة منذ سبتمبر/ أيلول 2021، حين سحب الأول الثقة منها، وشكلت حكومة بديلة عنها في فبراير/ شباط 2022 من دون أن تتمكن من تسلم السلطة من الحكومة في طرابلس، ما أدخل البلاد في انقسام حكومي حاد بسبب عجز الحكومتين من السيطرة على كامل البلاد. ورغم أن مجلس النواب دعا إلى تشكيل حكومة موحدة للبلاد وفتح باب الترشح لرئاستها منذ العام الماضي، جاء تحريكه للملف مجدداً بالتزامن مع الأوضاع المتدهورة التي تعيشها الحكومة في العاصمة.

وتظهر الكثير من العقبات في طريق مجلس النواب نحو تشكيل حكومة جديدة، أولها الانقسام العميق في مجلس الدولة، الشريك الأساسي لمجلس النواب في العملية السياسية وفق اتفاق الصخيرات، حيث يتنازع خالد المشري ومحمد تكالة شرعية رئاسة المجلس، ما يعطل فعالية أي تنسيق معه من جانب مجلس النواب.

وبالإضافة إلى ذلك، يواجه مجلس النواب معضلة افتقاد الاعتراف الدولي بأي حكومة جديدة يشكلها، إذ ما يزال المجتمع الدولي والأمم المتحدة يعترفان بالحكومة في طرابلس، وغير ذلك أظهر اعتراض 26 نائباً في مجلس النواب على خطوة تشكيل حكومة جديدة انشقاقاً في مجلس النواب أيضاً، إذ يَعدّ النواب المعترضين حلفاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر داخل مجلس النواب، ما يعني عودة الخلافات غير المعلنة بين حفتر وعقيلة، الذي يقود اتجاه تشكيل حكومة جديدة.

من ناحية أخرى، تتمسك حكومة الوحدة الوطنية ببقائها، مستندة إلى شرعية اتفاق ملتقى الحوار السياسي عام 2021، الذي ينص، وفق تفسيرها، على بقائها حتى إجراء الانتخابات. وتزايدت الإخفاقات التي تعانيها الحكومة في طرابلس وزاد حجمها مؤخراً، ووصلت إلى حد المطالب الشعبية بإسقاطها، فضلاً عن تصدّع بنيتها الداخلية بسبب الاستقالات التي أعلنها سبعة وزراء بالتزامن مع مظاهرات الجمعة الماضية، علاوة على فشلها في تعزيز سلطتها بالتحالف مع مجموعات مسلحة نافذة في العاصمة على حساب أخرى، فقد تمكنت من إطاحة إحداها وهي قوة جهاز دعم الاستقرار، وفشلت في مواجهة الأخرى وهي قوة جهاز الردع، ما أدى إلى ضعف علاقتها بالمجلس الرئاسي، أحد جناحي السلطة التنفيذية التي أفرزها اتفاق ملتقى الحوار السياسي عام 2021، بسبب تبعية جهازي دعم الاستقرار والردع له، علاوة على فشلها في بسط سيطرتها خارج طرابلس، ما أدى إلى فشلها في تنفيذ مشاريع تنموية خارج نطاق العاصمة، وجعلها ذلك عرضة لانتقادات حتى من أنصارها.

وفي خلفية هذا الصراع، تبرز البعثة الأممية في ليبيا محاوَلةً لإيجاد مخرج، حيث نشرت أمس الثلاثاء ملخصاً تنفيذياً لخيارات أربعة يمكن البناء عليها لرسم خريطة طريق جديدة. ورغم أن كل هذه الخيارات توصي جميعها بتشكيل حكومة موحدة، لم تعلق البعثة بشكل واضح على مسار مجلس النواب في اتجاه تشكيل حكومة موحدة، ما يُفهم منه تجاهل ضمني لهذه الخطة.

وتراوح الخيارات الأممية الأربعة بين تعديل الاتفاقيات السياسية الحالية لتشكيل مجلس تأسيسي يعيد رسم الوضع السياسي من جديد، أو إطلاق انتخابات بناء على مسودة الدستور المنجزة منذ العام 2017 بعد الاستفتاء عليه، أو انتخابات برلمانية فقط وتكون مهمة البرلمان الجديد إعادة صياغة الدستور، أو انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة وفقاً للقوانين الانتخابية التي أنجزها مجلسا النواب والدولة بتعديلاتها.

استمرار الجمود؟

ووفق هذه المعطيات يلفت أستاذ العلاقات الدولية رمضان النفاتي إلى أن طرفي الحكومة ومجلس النواب يتسلحان بسلاح شرعية يزداد ضعفاً وانفصالاً عن الواقع، موضحاً أن مجلس النواب حتى وإن استند إلى شرعية انتخابه من الشعب يفتقد الدعم الدولي الذي لا يزال يمنح اعترافه للحكومة في طرابلس، والأخيرة تستند إلى اعتراف دولي، بينما سلطتها تُختزل في السيطرة على الإدارات الرئيسية لمؤسسات الدولة في العاصمة.

وعليه يرى النفاتي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن مجلس النواب يغامر بتشكيل حكومة من دون ضمانات دولية، ما يزيد حدة الانقسام الحكومي بإنتاج حكومة ثالثة، في ظل رفض حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس تسليم السلطة، ورفض نواب المنطقة الشرقية التخلي عن الحكومة في بنغازي الذي يعكسه بيان النواب الــ 26.

ولا يبدو أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في غفلة عن عدم قدرته على فرض حكومة جديدة توحد الانقسام بين الحكومتين الحاليتين، ما يعني أن يستخدم صلاحياته للتصعيد ضد الحكومة في طرابلس بهدف إغراقها في مواجهة ضد خصومها في الغرب الليبي. لكن أستاذ العلاقات الدولية يرى أن خطوات عقيلة صالح "غير محسوبة ومتسرعة، فمحاولته استثمار زخم الشارع في طرابلس قد ينقلب فجأة إذا أصر على المضي في اختيار رئيس لحكومة جديدة من دون أي تنسيق مع القوى في غرب البلاد، الذين سيشعرون أن أي شخصية يقدمها عقيلة ستكون موالية لمعسكر حفتر، وهنا ستنقلب المعارضة لصالح بقاء الحكومة في طرابلس".

وسط هذا التعقيد، تبدو الخيارات الأممية التي طرحتها "إطار عام وغائم فقط"، وفق رأي النفاتي الذي يؤكد أن البعثة تدرك أن فرض أي مسار يتطلب إجماعاً دولياً لا يتوفر في الوقت القريب في ظل تصارع رؤى القوى الكبرى ومصالحها، وعلى رأسها واشنطن وموسكو، في الملف الليبي.

وفيما يرى النفاتي أن الواقع يعكس عجز مجلس النواب عن فرض هدفه من دون دعم دولي، وعجز البعثة عن تحقيق اختراق ما لم تقدم الأطراف الليبية تنازلات لا يبدو أن التأزيم الحالي يجعلها ممكنة في الوقت القريب، يخلص الى أن السيناريو الأكثر قريباً للواقع هو استمرار الجمود.

النفاتي: الواقع يعكس عجز مجلس النواب عن فرض هدفه من دون دعم دولي

ويوضح المصدر ذاته رأيه، أن حكومة الوحدة الوطنية، رغم الأزمات التي أنهكتها، قادرة على الصمود أكثر بسبب دعم الفصائل المسلحة التي تخشى فقدان نفوذها في حال تغيير الحكومة، أما مجلس النواب فمواصلته في طريق تغيير الحكومة لا يتعدى سعيه لتوظيف وضع الحكومة في طرابلس ورقةً جديدة لتحقيق مكاسب سياسية في معركته الطويلة ضدها. ويأتي مضمون خيارات البعثة المتعددة ليكشف أن إنجاز أي شيء فيها يحتاج إلى مشاورات طويلة داخلية وخارجية، وسط عدم إمكانية نفض يديها من حكومة تمثل وسيلة الاعتراف الدولي الوحيد في البلاد، ومجلس النواب الذي يمثل الجهة التشريعية الوحيدة التي يمكنها المصادقة على أي تسوية مقبلة.

 

Read Entire Article