ARTICLE AD BOX
شكّل إعلان حركة حماس الإفراج عن الأسير الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر، أمس الاثنين مفاجأة، في ضوء تعثّر مفاوضات الصفقة الأشمل مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، ورغبة الأخير في توسيع نطاق الحرب عبر عملية عسكرية تحت اسم "عربات جدعون"، فيما جاء الإعلان نتاج اتفاق بين الحركة والولايات المتحدة التي أشاد رئيسها دونالد ترامب بما وصفه "بادرة حسن نية". مع العلم أن "حماس" سبق أن وافقت في 14 مارس/ آذار الماضي، على الإفراج عن عيدان ألكسندر وجثامين أربعة محتجزين من مزدوجي الجنسية، في ظل مقترح مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف لتمديد وقف إطلاق النار، الذي عاد وكشف حينها عن أن المقترح الأميركي متعلق بإطلاق سراح خمسة محتجزين أحياء، بينهم عيدان ألكسندر. تبع ذلك اتهام نتنياهو لحركة حماس بتنفيذ "ألاعيب نفسية"، قبل استئناف حرب الإبادة في 18 مارس الماضي، عقب رفضه الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي.
الإفراج عن عيدان ألكسندر
وقال أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في بيان أمس الاثنين، إن "القسام" قررت "الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل الجنسية الأميركية الأسير عيدان ألكساندر وذلك اليوم الاثنين (أمس)". وكان رئيس "حماس" في غزة ورئيس وفدها المفاوض، خليل الحية، قد أعلن في بيان، مساء أول من أمس الأحد، أنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء لوقف إطلاق النار، أجرت حركة حماس اتصالات مع الإدارة الأميركية خلال الأيام الماضية، حيث أبدت الحركة إيجابية عالية". وأضاف أنه "سيُطلق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر، ضمن الخطوات المبذولة لوقف إطلاق النار، وفتح المعابر، وإدخال المساعدات والإغاثة لأهلنا وشعبنا في قطاع غزة". وشدد خليل الحية في البيان على استعداد الحركة "للبدء الفوري في مفاوضات مكثفة، وبذل جهود جادة للوصول إلى اتفاق نهائي لوقف الحرب، وتبادل الأسرى بشكلٍ متفق عليه، وإدارة قطاع غزة من قبل لجنة مهنية مستقلة، بما يضمن استمرار الهدوء والاستقرار لسنواتٍ طويلة، إلى جانب الإعمار وإنهاء الحصار".
أما ترامب، والذي يبدأ زيارة إلى الشرق الأوسط اليوم الثلاثاء، في جولة تشمل السعودية والإمارات وقطر، فأشاد بإعلان "حماس" عزمها الإفراج عن عيدان ألكسندر. وكتب على منصته للتواصل الاجتماعي تروث سوشال: "أنا ممتن لكل من ساهم في تحقيق هذا النبأ التاريخي"، واصفاً الإفراج عن الأسير الإسرائيلي الأميركي بأنه "بادرة حسن نية تجاه الولايات المتحدة والوسيطين قطر ومصر". وأضاف: "نأمل أن تكون هذه أولى الخطوات الأخيرة اللازمة لإنهاء هذا النزاع الوحشي". وعُدّ الاتفاق الأول من نوعه بين حركة حماس والإدارة الأميركية، منذ أن صنفت الأخيرة الحركة منظمة إرهابية أجنبية في 1997، إذ لم يسبق أن جرت أي اتفاقيات بشكلٍ مباشر ومشابه لما جرى في الاتفاق الحالي للإفراج عن ألكسندر. ورغم كون الصفقة جزئية وغير مترتب عليها الكثير من الالتزامات الأميركية أو حتى الإسرائيلية، إلا أن هناك تعويلا من قبل الفلسطينيين والوسطاء، على حدّ سواء، على عملية تسليم ألكسندر لممارسة الإدارة الأميركية ضغوطاً على إسرائيل.
وبدا واضحاً في بيان حركة حماس أن هذه الخطوة بمثابة بادرة حسن نية منها تجاه واشنطن، التي فتحت منذ شهور خط اتصال مباشر، هو الأول مقارنةً مع خطوط اتصال غير مباشرة جرت مع الحركة سابقاً. وعقب تقارير إعلامية وإسرائيلية، أقرت الإدارة الأميركية بإجراء مباحثات مباشرة مع الحركة، إذ قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، في مارس/ آذار الماضي، إن "المبعوث الخاص (لشؤون الرهائن آدم بوهلر) الذي يشارك في هذه المحادثات لديه السلطة للتحدث إلى أي شخص"، مضيفة حينها أن تلك المحادثات "مستمرة". في المقابل، برزت خشية من تنصّل الإدارة الأميركية لاحقاً من التزامها بملف الأسرى، والتوصل لصفقة توقف الحرب على قطاع غزة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، خصوصاً وسط رغبة نتنياهو في تنفيذ خطة "عربات جدعون"، بهدف حسم الحرب مع "حماس" وتهجير الفلسطينيين إلى خارج القطاع.
توسيع الفجوة بين إدارة ترامب ونتنياهو
رأى مدير مركز رؤية للتنمية السياسية (مقره في إسطنبول)، أحمد عطاونة، أن هذا الاتفاق "يأتي في سياق محاولة حركة حماس إدارة المعركة والمفاوضات، لكن بطريقةٍ غير تقليدية، إذ تسعى من وراء هذا الاتفاق إلى توسيع الفجوة بين إدارة ترامب ونتنياهو". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "حماس تسعى لتشجيع الإدارة الأميركية مستقبلاً على اتخاذ مواقف وخطوات بمعزلٍ عن الرغبة والموقف الإسرائيلي، كما حدث في اليمن، حينما عقدت إدارة ترامب اتفاقات (وقف إطلاق النار بوساطة عُمانية الثلاثاء الماضي) دون مشاورات مع إسرائيل".
حمد عطاونة: ما جرى قد يشجّع أطرافاً عربية وأوروبية على ممارسة الضغط على الاحتلال
ولفت إلى أن الاتفاق "بمثابة إشارة إيجابية من حماس بشأن انفتاحها على عقد مفاوضات مباشرة مع أميركا، سواء في هذه الفترة أو حتى في المستقبل، فضلاً عن المساهمة في تحريض الشارع الإسرائيلي ضد نتنياهو". وبحسب عطاونة، فإنه "يجب عدم الإفراط في حالة التفاؤل، غير أن ما جرى قد يشجّع أطرافاً عربية وأوروبية على ممارسة الضغط على الاحتلال، وهي خطوة قد تسبّب ضغطاً دولياً على الاحتلال للوصول إلى اتفاق رزمة شامل". وباعتقاده فإن "حالة عدم الإفراط في التفاؤل تعود لأسباب، من أبرزها طبيعة التشكيل الائتلافي الحكومي الإسرائيلي، وحجم الضغط الذي يمارسه التيار الديني القومي المتطرف داخل هذا الجسم، وسعيه إلى تهجير الفلسطينيين وتعزيز الحرب". من جهته، قال مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الإستراتيجية (في غزة)، أحمد الطناني، إن "قرار إطلاق سراح عيدان ألكسندر يمثّل اختراقاً مهماً في جبل الجليد الذي تراكم في مجرى المفاوضات منذ مقترح ويتكوف وانهيار التهدئة (18 مارس الماضي)". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن هذه الخطوة "تأتي في توقيتٍ حساس، قبيل زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط، وفي ظل أجواء متوترة بين الإدارة الأميركية ونتنياهو، ما قد يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، تحسمها طبيعة التفاصيل غير المُعلنة التي رافقت الاتفاق".
أحمد الطناني: صفقة تتضمّن وقف العدوان الإسرائيلي وإطلاق الأسرى تبدو في أعلى مستوياتها حالياً
أشار بيان "حماس"، وفق الطناني، إلى بعض هذه التفاصيل، إذ "تضمّن حديثاً عن مسارٍ لإنهاء الحرب، وتسليم إدارة غزة لإدارة مهنية مستقلة، وتبادل الأسرى"، معتبراً أن ذلك "يشير إلى وجود عملية متدحرجة تشكّل صفقة جزئية مبنية على نسخة محدثة من مقترح ويتكوف". وأشار الطناني إلى أن "الرئيس الأميركي عزز هذه الفرضية بتغريدة قال فيها إن إطلاق سراح عيدان ألكسندر يأتي في إطار جهود لإنهاء الحرب"، ما يعني وجود "ضمان أميركي أوضح لتحقيق هذا الهدف". أما مدى إمكانية فرض هذا المسار على حكومة الاحتلال المرتبطة برفض إنهاء الحرب، فيتوقف بحسب الطناني، على "حجم الضغط الأميركي على نتنياهو"، مضيفاً أن "صفقة تتضمّن وقف العدوان الإسرائيلي وإطلاق الأسرى تبدو في أعلى مستوياتها حالياً". وبرأيه فإن "تحويل هذه الفرصة إلى وقفٍ دائم لإطلاق النار يتطلب خطواتٍ إضافية، خصوصاً في ما يتعلّق بترتيبات قطاع غزة وإدارته بعد الانسحاب الإسرائيلي". ورجح أن "تحمل كلمة (تصريحاته) الرئيس الأميركي المرتقبة خلال زيارته إلى شرق الأوسط مؤشرات إضافية حول المبادرة، إن نجح ويتكوف في فرضها على حكومة الاحتلال بعد لقاءاته التي سيعقدها (وصل ويتكوف أمس إلى إسرائيل)".
